الأحد 8 آب (أغسطس) 2010

من لبنان إلى سيناء.. ماذا وراء التسخين!

الأحد 8 آب (أغسطس) 2010 par جلال عارف

إذا كان الاشتباك الحدودي بين الجيش اللبناني والقوات «الإسرائيلية» في الأسبوع الماضي قد أمكن تطويقه حتى لا يتحول إلى حرب شاملة تهدد بها «إسرائيل» وتمهد لها بحملة سياسية تتصاعد يوماً بعد يوم.

وإذا كانت الصواريخ البدائية التي قيل إنها أطلقت من شبه جزيرة سيناء نحو «إيلات» في «إسرائيل» والعقبة الأردنية لم تتسبب بتفجير الموقف عسكرياً.. فإن ذلك لا ينبغي أن يحجب عنا الدلالات الخطيرة لما حدث، ولا ينبغي أن يجعلنا نغمض العيون عن المخاطر التي تهددنا، ولا عن ضرورة الاستعداد لها والتأهب للتعامل معها.

إن «إسرائيل» التي تتأهب للاحتفال باستئناف التفاوض المباشر مع «السلطة الفلسطينية» بشروط نتانياهو واملاءاته التي فرضها على الإدارة الأميركية، لتفرضها بدورها على الطرف الفلسطيني والعربي، والتي تستعد لاستئناف عمليات البناء في المستوطنات (التي لم تتوقف أصلاً إلا على الورق وفي التصريحات!!). والتي تمضي في تنفيذ مخططاتها وهي تزهو بأنها لم تكن يوماً أكثر أمناً مما هي الآن في ظل معادلات القوى في المنطقة وانحسار المقاومة الفلسطينية ووضع القضية في رعاية أميركا التي لم تخف يوماً انحيازها الكامل والشامل لـ «إسرائيل» التي تدرك اليوم - رغم كل هذا - أن السنوات السعيدة التي تقول إنها لم تصادف مثلها منذ الستينات على وشك الانتهاء.

وأن الهدوء الذي ساد على كل الجبهات منذ انتهاء حربها على لبنان قبل أربع سنوات قد نفد رصيده، وأن عليها أن تستعد لتطورات لم يعد فيها التهديد بالحرب أو التلويح بالتدمير الشامل كافياً للردع.. في غياب السلام العادل الذي يعيد الحقوق لأصحابها.

أما على الجانب العربي، فالصورة تبدو مختلفة بين ما وقع على الجبهة اللبنانية وما وقع في حادث الصواريخ التي قيل إنها أطلقت من شبه جزيرة سيناء في اتجاه «إيلات» والعقبة، والتي لم تسبب أضراراً بشرية أو مادية في «إسرائيل»، بينما تسببت في مقتل مواطن أردني وإصابة البعض وتدمير بعض المنشآت في العقبة الأردنية.

في لبنان.. كان الرهان «الإسرائيلي» هو الانقسام الداخلي، ومحاولة عزل المقاومة وتصويرها على أنها التهديد الأكبر للدولة، والعمل على نقل الخلافات السياسية والطائفية إلى صدام تظن «إسرائيل» أنه حتمي بين الجيش والمقاومة.

ومن هنا كانت الصدمة الكبرى فيما حدث في موقعة «العديسة» على الحدود اللبنانية «الإسرائيلية» والتي حاولت «إسرائيل» في البداية أن ترده إلى قرار منفرد لضابط لبناني زعمت أنه قريب من «حزب الله»، ولكن القيادة اللبنانية أعلنت أن القرار هو قرار الدولة، وأنه لا سبيل للالتفاف عليه لأنه القرار الوحيد الذي سيتخذ عند أي عدوان على سيادة لبنان وأراضيه.

هنا أدركت «إسرائيل» أن قواعد اللعبة التي حاولت إرساءها مع لبنان قد تغيرت.. فالعلاقات مع سوريا قد بلغت درجة كبيرة من التعاون والتنسيق، وشبكة الجواسيس والعملاء التي زرعتها في قلب مؤسسات لبنان تتهاوى، والمقاومة اللبنانية تضيف لترسانتها المزيد من الأسلحة الأكثر تطوراً والأشد قدرة على الوصول إلى قلب «إسرائيل». والجيش اللبناني الذي ظلت لسنوات تطالب بأن يتولى مسؤولياته في الجنوب على أمل أن يتصدى للمقاومة يثبت أنه جيش وطني حقيقي يعرف أن مهمته هي تأمين لبنان وليس تأمين «إسرائيل».

وهكذا أصبح الجيش اللبناني هو الهدف الأساسي لحملة «إسرائيلية» محمومة تطالب أميركا وفرنسا وغيرها من الدول الغربية بإعادة النظر في تقديم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، وبينما كان وزير الدفاع باراك يعلن أسفه لأن الأسلحة المتطورة التي قدمتها واشنطن وباريس للجيش اللبناني استخدمت في اشتباكات «العديسة» وكانت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» تتحدث عن «حزبلة» الجيش اللبناني أو تصاعد تأثير «حزب الله» عليه، كان اللوبي الصهيوني يتحرك في الكونجرس الأميركي للمطالبة بمعاقبة لبنان ووقف مساعدته عسكرياً.

دون أن يتحدث أحد عن القنابل العنقودية والأسلحة المحرمة التي قدمتها أميركا لـ «إسرائيل» لتستخدمها في حرب لبنان وفي العدوان على غزة، ودون أن يذكر أحد قراراً أخيراً اتخذته أميركا بتقديم مساعدات عسكرية لـ «إسرائيل» بقيمة ثلاثين مليار دولار على عشر سنوات، وهو قرار تم اتخاذه والعالم كله يدين جرائم «إسرائيل» وحصارها لغزة ورفضها للسلام وعدوانها الإجرامي على قوافل الإغاثة الإنسانية!!

على الجانب الآخر من الحدود تبدو الصورة مختلفة، فالصواريخ التي أطلقت على «إيلات» لا تمثل تهديداً حقيقياً، و«إسرائيل» - إذا لم تكن نفسها وراء ما وقع لأهداف أكبر مما يبدو - تعرف أن «حماس» ملتزمة باتفاق التهدئة معها، وأن المعاهدة مع مصر مازالت فاعلة.

وإذا كان الأمر - على أي حال - مجرد تذكير بأن هناك جبهة أخرى تنتظر الحل أو الاشتعال، فإن الآثار بالنسبة للطرف العربي خطيرة، وهو ما يدعو للتعامل بجدية فيما وقع، فالحادث جاء في ظل أوضاع كانت فيها مصر قد أعادت فتح معبر رفح بعد العدوان «الإسرائيلي» على قافلة الإغاثة البحرية، وفي ظل جهود لأطراف فلسطينية لإتمام المصالحة، والأهم - بالنسبة لمصر - أن الحادث يجيء بعد عملية واسعة لاستعادة العلاقات الطبيعية بين بدو سيناء وأجهزة الأمن، والإفراج عن عدد كبير من المعتقلين.

ولا شك في أن ما حدث يستهدف (ضمن ما يستهدفه) تصعيد الموقف بين القاهرة و«حماس»، وإعادة التوتر في سيناء، وهو ما يستلزم جهداً كبيراً للتعامل معه، خاصة في ظل الجدية التي تأخذ بها القاهرة الحديث «الإسرائيلي» عن ترك غزة لمصيرها بعيداً عن الضفة، أو إلقاء مسئوليتها على مصر خاصة بعد أن تكون هذه هي الرؤية المعلنة لوزير الخارجية «الإسرائيلي».

.. وتبدي «إسرائيل» كل الاهتمام بانتهاء فترة الهدوء الكامل على حدودها، ولكنها في نفس الوقت تسعى بكل قوتها لإبقاء التوتر على كل الجبهات انتظارا لظروف مناسبة لحرب تراها ضرورية لكي ينسى العالم أي حديث عن دولة فلسطينية وتسوية سياسية وسلام عادل..

وفي مواجهة ذلك، كم تبدو الحاجة لإدارة عربية للصراع على أعلى مستوى، تضع في حسابها كافة الاحتمالات، وتقطع الطريق على مخططات العدو «الإسرائيلي» على كل الجبهات وتجبره على الخضوع للإرادة الدولية التي تعرف جيداً أنه لا سلام ولا استقرار إلا بإقرار الحقوق العربية المشروعة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178302

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178302 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40