الأحد 8 آب (أغسطس) 2010

الوجود الوظيفي للكيان الصهيوني.. وحروبه المستمرة

الأحد 8 آب (أغسطس) 2010 par علاء اسعد الصفطاوي

لا أود الإسهاب في الحديث عن حادث الاشتباك الأخير بين الجيش اللبناني والصهيوني وأبعاده ومعانيه، لكني أريد التركيز هنا - ومن باب التذكير - على العديد من المسائل المتعلقة بنشأة الكيان الصهيوني وطبيعته ووظيفته في المنطقة؛ حتى نتمكن من إجراء القياس الحقيقي للأمور والأحداث وفق سياقاتها الطبيعية دون غلوّ أو استخفاف..

أولاً : ينبغي التذكير ابتداءً أن توقيع اتفاق «سايكس - بيكو» الذي قسم إرث الدولة العثمانية والمشرق العربي إلى دويلات وكيانات صغيرة في العام 1916، قد ترافق مع الإعلان بعدها بعام واحد عن «وعد بلفور» الذي شكل البذرة السوداء لولادة الكيان الصهيوني فيما بعد.. أي أن وجود الكيان مرتبط بتفتيت الأمة واستمرار تقسيمها وتجزئتها.

ثانياً : شكل الغرب ومجتمعاته وثقافته وتقدمه التقني هو الحاضنة الطبيعية لدعم الكيان ونموه واستمراريته، ولذا اعتُبرت «إسرائيل» امتداداً حقيقياً لهذا الغرب وعلى كل المستويات.. وبناء عليه امتداداً للهجمة الغربية على ديننا وأمتنا التي بدأت منذ الحروب الصليبية ثم هدأت نارها بعد سلسلة الهزائم التي مُنيت بها، ثم ما لبثت أن اشتعلت نيرانها في أواخر عهد الدولة العثمانية ابتداء بحملة البريطاني «فريزر» على المشرق ومروراً بحملة الفرنسي «نابليون» وانتهاءً باحتلال الوطن العربي والإسلامي على يد بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ثمّ الانسحاب من غالبية دولية في خمسينيات القرن الماضي مع استمرار تكريس وجود هذا الكيان في قلب فلسطين وتزويده بكل احتياجاته وإمداده بجميع أسباب القوة والمِنعة.

ثالثاً : ازداد ثقل هذا الكيان وترسخت أهميته أكثر بالنسبة للغرب بعد اكتشاف النفط العربي، وحاجته إلى حارس إقليمي للحفاظ على استمرار تدفقه، بل ليس فقط تدفقه ولكن كذلك شراؤه بسعر الحد الأدنى - وسعر الحد الأدنى يعني تمكّن الدول الغربية من بيع منتجات النفط المستورد لمواطنيها في أسواقها الداخلية بسعر 70% منه كضريبة - كما هو الحال في دوله كفرنسا مثلاً.. أي أن جزءً كبيراً من ميزانيات الدول الغربية يتم تمويلها من عائدات النفط الذي يتم شراؤه بأبخس الأثمان مهما ارتفعت أسعاره أحياناً..

كما وترسخت هذه الأهمية كذلك، مع ظهور الكتلة الاشتراكية التي تصارع الولايات المتحدة على النفوذ في المشرق وتهدد مكانتها فيه، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تأكدت أهمية هذا الكيان للغرب عندما تطلب الأمر استخدام القوة لسحق أي نظام شعبي وليد يسعى لإعادة الوحدة إلى دول الأمة المجزأة، والدفاع عن مصالحها القومية، وهو ما حدث مع نظام عبد الناصر في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 قبل أن يتم كسره نهائياً وهزيمة جيشه في حرب العام 1967..

رابعاً : يشكل الكيان القطب وعمود الرحى بالنسبة للمنظومة الغربية الأمنية الإقليمية المكرسة أساساً لحماية المصالح الغربية في المنطقة، وكذلك لحماية الأنظمة العربية الصديقة والملحقة بهذه المنظومة - وخاصة الأنظمة الأضعف في الخليج العربي - وهي التي أسمّيها بِـ «أنظمة النواطير».. التي لا يتعدى سبب وجود بعضها سوى السهر على تأمين نقل النفط إلى «مكتشفيه».. من الدول الغربية مقابل التمتع برفاهية «النَطْرة».. مع إعادة تدوير رأس المال الناتج عن بيع النفط وتحويل جلّه إلى البنوك الغربية، والتي يملكها أساساً رأس المال اليهودي؛ ولهذا نلحظ استعداء الغرب ووكيله في المنطقة الكيان الصهيوني لأية قوى إقليمية جديدة ناهضة تغرد خارج هذه المنظومة، بالضبط كما حدث مع نظام صدام حسين في مراحله الأخيرة.. وما يحدث اليوم مع نظام الجمهورية الإسلامية في إيران..

خامساً : شكل استمرار حفاظ الدول الغربية على الكيان الصهيوني وحمايته من التهديدات الوجودية ثابتٌ من ثوابت السياسة الخارجية للدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم اعتُبرت حركات المقاومة العربية العاملة داخل «حدود» هذا الكيان وحوله تهديداً وجودياً لهذا الكيان يجب استئصالها أو تدجينها، الأمر الذي سمح للغرب بإطلاق يد الكيان في سحق هذه المقاومات واغتيال رموزها وحصارها ومطاردتها في أماكن تواجدها، وهو ما حصل مع فصائل منظمة التحرير سابقاً وما يحصل اليوم مع حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«حزب الله»..

سادساً : على مدى أكثر من ستين عاماً لم يظهر أي تغير جذري على منظومة المصالح الغربية في منطقه المشرق، فهناك حاجة أساسية للغرب في المنطقة قوامها استمرار «مثلث» التجزئة.. واستمرار تدفق النفط بأسعار مقبولة.. واستمرار وجود الكيان والأنظمة الصغيرة أو الفاسدة المرتبطة به.. وأيّ قوة جديدة تهدد أركان هذا المثلث الأسود يجب تحطيمها أو ردعها أو تدجينها.. وتأمين حاجات الكيان السكانية والجغرافية والمالية والتقنية وتزويده بكل الإمكانات القادرة على تحصينه وتقويته في مواجهة أعدائه..

وفي هذا السياق، نفهم اليوم إصرار الغرب على حصار حركة «حماس» وتجربتها تمهيداً لإسقاطها أو تدجينها، وسحق حركتي «الجهاد الإسلامي» و «حزب الله».. ومحاولة تحطيم القدرات الاستنهاضية للجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر تكريس حصارها وربما استهدافها عسكرياً في المستقبل القريب..

وفي الخلاصة.. لا مناص للأمة وقواها الصادقة الحية أن تستمر في شحذ الهمم وإعداد العدة للتصدي للهجمة الغربية -القديمة الجديدة - على شعوبنا ومقدراتها وأن تتحول إلى الهجوم.. لتحطيم قاعد الارتكاز الغربية في منطقتنا وهي الكيان الصهيوني وتخليص قدس الأقداس من براثن هذا الكيان المجرم.. وكذلك إيجاد أنسب الطرق والوسائل للتعاطي مع «أنظمة النواطير» بهدف تحويلها من أنظمة سلبية تصطدم مسلكياتها وسياساتها مع مصالح الأمة ومستقبلها إلى أنظمه إيجابية عروبية وحْدَوية تغرد خارج المنظومة الغربية الاستعلائية في المنطقة.. كما لابد من السماح لقوى الإسلام المقاومة الحية الناهضة المستنيرة من الوقوف على قدميها كي تقود عملية إعادة الوحدة بين كيانات الأمة ودولها المجزأة نحو إعادة إنشاء كيان عربي إسلامي موحد يليق بهذه الأمة ودينها وتاريخها، كما يريد لها الله عز وجل.. دولة إسلامية إنسانية عصرية شاهدة على الأمم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177196

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177196 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40