الاثنين 9 شباط (فبراير) 2015

“الإرهاب” يقسم اليابان

بقلم:يونس السيد
الاثنين 9 شباط (فبراير) 2015

لطالما عكست صورة اليابان نفسها في عيون العرب والشرق الأوسط عموماً على شكل ذلك البلد المسالم البعيد عن إرث الدول الاستعمارية والصراعات التي كانت تغذيها تلك الدول، قبل أن تتحول إلى بلد يحث الخطى نحو خيارات مختلفة، بعد أن نحر سكين الإرهاب اثنين من مواطنيه من الوريد إلى الوريد .
قبل ذبح هارونا يوكاوا وكينجي غوتو، كانت اليابان في طليعة الدول التي تتبنى تقديم المساعدات الإنسانية، وتنتهج سياسة خارجية أقرب للحياد، على الرغم من حقيقة كونها خاضعة لضغوط وتأثرات التحالف الغربي، لكنها الآن، وبعد 60 عاماً من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، تتجه إلى تغيير عقيدتها العسكرية بعدما فشلت الدبلوماسية في منع قطع رأس الرهينتين . يستعد رئيس الوزراء الياباني شنزو آبي إلى طرح تعديل دستوري يسمح بإمكانية التدخل العسكري لإغاثة مواطنين يابانيين في خطر، وربما يتسع هذا التعديل إلى تبني خيار أبعد مدى كان مطروحاً للنقاش تحت عنوان “قانون حول الدفاع الجماعي”، ومضمونه يقضي بالسماح للجنود اليابانيين بمساعدة بلد حليف في خطر، ما يعني في النهاية، إمكانية استخدام قوات عسكرية خارج الأراضي اليابانية خلافاً للدستور السلمي الذي وضع عام 1947 .
لكن هذا الطرح، في الواقع، أدى إلى انقسام اليابانيين إلى كتلتين كبيرتين، فمن جهة، هناك قوى وأنصار اليمين الذين يريدون الانتقال من واقع التحفظ والخجل الذي نشأ عقب الحرب العالمية الثانية، إلى الخيار العسكري الصريح، بحيث تتحمل اليابان مسؤولياتها في مكافحة الإرهاب إلى جانب الأسرة الدولية . وهناك على الجانب الآخر، كتلة كبيرة من أحزاب وقوى اليسار تطالب بالإبقاء على الخط المسالم، وتعتقد بعض أطرافه أن إعلان رئيس الحكومة عن تقديم دعم مالي للتحالف الدولي جعل اليابان هدفاً للتنظيم الإرهابي . وثمة من يعتقد أنه لا يمكن القضاء على الإرهاب بالقوة العسكرية، لأن “الضربات توقع حكماً ضحايا مدنيين” ما يغذي الإرهاب ضد الدول المسؤولة عن ذلك .
خطورة تنظيم “داعش”، في الواقع، باتت تتجاوز كونه منظمة إرهابية إلى تهديد العلاقات وإثارة الخلافات بين الدول، ففي حالة الرهينة الياباني الثاني، انتهج تنظيم “داعش” استراتيجية خبيثة حين ربط بين إطلاق سراحه والإفراج عن الإرهابية العراقية ساجدة الريشاوي، قبل إعدامها لاحقاً، من دون الكشف عن مصير الطيار الأردني معاذ الكساسبة حينذاك، ما جعل الأردن محور التفاوض، ودفع اليابانيون إلى التساؤل عن الدور الذي تقوم به حكومة آبي عدا عن تسليم أمرها إلى الأردن . وكذلك الحال بالنسبة إلى تركيا، حيث يعتقد كثير من اليابانيين أن طوكيو لم تستطع تفعيل الدور التركي كما يجب، خصوصاً بعدما كانت أنقرة قد نجحت في الماضي في إطلاق سراح العشرات من دبلوماسييها المحتجزين لدى التنظيم الإرهابي في شمال العراق . ومع ذلك، هناك من اليابانيين من لا يزال يعتقد أن سكان الشرق الأوسط يقدرون الدعم والمساعدات اليابانية للمنطقة، ولن يقبلوا إطلاقاً أن يقتل يابانيون بأيدي إرهابيين، وهذا صحيح، لكنه ليس كافياً بالقدر الذي لا تزال فيه الجهود مبعثرة وغير قادرة على حسم الأمور واقتلاع جذور الإرهاب من المنطقة برمتها .
younis898@yahoo.com



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165944

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165944 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010