السبت 14 شباط (فبراير) 2015

قتلانا في أمريكا لا بواكيَ لهم

السبت 14 شباط (فبراير) 2015 par حسين لقرع

مرّ مقتلهم ظلماً وعدواناً دون ضجة، لم يتداعَ رؤساءُ العالم ولا وزراؤهم للخارجية إلى القيام بمظاهرة صاخبة تغطيها أشهرُ فضائيات العالم تنديداً بجريمة اغتيالهم العنصرية، ولم تتعالَ التنديدات بالجريمة، ولم يركّز الإعلامُ العالمي عليهم أضواءه وكاميراته وصفحاته، ولم يدعُ أيّ محلل للإدلاء برأيه فيما حدث..

لقد مرت الجريمة مرور الكرام، لأن الضحايا الثلاث مسلمون وليسوا من ديانة أخرى، ويتعلق الأمر بشاب سوري من أصل فلسطيني وزوجته الفلسطينية وأختها الصغرى، ولذلك لم تتحدث عنها الكثيرُ من صحف الغرب، لأن دماء المسلمين عندها رخيصة ولا تتطلب -في أحسن الأحوال- سوى كتابة أسطر مقتضبة عنها في زاوية صغيرة غير لافتة للانتباه.

صحفية ٌمسلمة في جريدة “إندبندنت” البريطانية استنكرت في مقال لها عدم تغطية الجريمة في الإعلام الغربي وتساءلت: “لماذا لا نحصل على اهتمام الإعلام العالمي عندما تُرتكب جريمة ضدنا؟”، ونبّهت الصحفية إلى تراجع الإنسانية لدى الغربيين وعدم اكتراثهم بالضحايا المسلمين قدر اهتمامهم بضحاياهم، حينما قالت “هؤلاء الضحايا كانوا يستحقون ولو ذِكراً في الإعلام، أنتَ لست بحاجة إلى أن تكون مسلماً حتى تشعر بمأساة هؤلاء الذين قُتلوا بدمٍ بارد، كل ما تحتاجه هو أن تكون إنساناً”.. وتضيف متحسّرة “لم تكن هناك رغبة في التعامل معهم كما يتمّ التعامل مع ضحايا الإرهاب الآخرين من الديانات الأخرى”.

للأسف، لم تعُد الإنسانية عند الغرب تعني سوى التعاطف مع رسّامي “شارلي إيبدو” وأربعة يهود قتلوا في متجر بباريس على يد مسلمين كما تقول الرواية الرسمية الفرنسية، فهو “تعاطفٌ انتقائي” عنصري فاضح، يتوجّه فقط إلى بني جنسهم أو دينهم إذا تعرّضوا لأي اعتداء، وتحمّل المسؤولية لكل المسلمين دون تمييز وتنهال الانتقادات عليهم وخاصة المقيمين في الغرب وتتصاعد ضدهم مظاهر الإسلاموفوبيا ويُدفعون دفعاً إلى تقديم الاعتذارات عن جرائم غيرهم بشكل مهين، ولكن حينما يتعلق الأمرُ بضحايا مسلمين يقتلهم مسيحيٌ بوحشية، فلا تعاطف، ولا حديث عن ديانته، ولا أحد يقدّم اعتذاراً نيابة عن المجرم، بل يتمّ الحديث فقط عن “خلاف شخصي حول موقف سيارات بين القاتل والضحايا”، ثم يُغلق الموضوع برمّته، ولا يُعلن عن فتح تحقيق مع أن ظروف الجريمة غامضة؛ فقد اقتحم القاتلُ منزل الضحايا الثلاث وقتلهم بدم بارد برصاصات في الرأس، وهنا قد لا يكون الدافعُ شخصياً كما تروّج الرواية الرسمية الأمريكية؛ فما ذنب فتاتين في مقتبل العمر لو كان الخلافُ “شخصياً” بين المجرم والضحية الشاب شادي بركات؟

مأساة المسلمين الثلاثة قدّمت صورة إضافية عن عنصرية أمريكا والغرب، وتمييزهم بين الضحايا على أساس عنصري مقيت، فلو كان الأمر معكوساً وأقدم مسلمٌ على قتل ثلاثة أمريكيين من أيّ ديانة أخرى، لأقيمت الدنيا ولم تُقعَد، ولتعرّض الكثيرُ من المسلمين في أمريكا إلى أعمال كراهية وعداء واضطهاد، ولأستبعدَ الدافع الشخصي للجريمة وحُمّل الإسلامُ المسؤولية، ولكن لأن الضحايا مسلمون، فلا بواكي لهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2178968

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حسين لقرع   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

45 من الزوار الآن

2178968 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40