الثلاثاء 17 شباط (فبراير) 2015

“ميسا” تقاطع و“داعش” يذبح

الثلاثاء 17 شباط (فبراير) 2015 par د.احمد جميل عزم

قرر سبعمائة فنان ومثقف بريطاني، هذا الأسبوع، إعلان مقاطعتهم لإسرائيل، إلى حين انتهاء “القمع الاستعماري للفلسطينيين”. وقد جاء هذا القرار بعد آخر في الاتجاه نفسه، اتخذته الجمعية الأميركية للدراسات الشرق أوسطية “ميسا” (MESA)؛ وبالتوازي مع حالات الذبح المنظم من قبل جماعة منتشرة في دول عدة، تسمى “داعش”، تستخدم أفضل تقنيات الإنتاج السينمائي الأميركي في تصوير عمليّات الذبح لمسلمين وغير مسلمين. فما معنى هذه اللحظة التاريخية؟
لم أحضر يوماً لقاءات “ميسا”، ولكنني كنت عضواً في نظيرتها البريطانية “BRISMES”، التي حضرت مؤتمراتها ومؤتمرات المؤتمر العالمي للدراسات الشرق أوسطية “WOMES”. وأستطيع القول إنّ هناك تغيّراً معرفيّاً يحدث في العالم بشأن الموضوع الإسرائيلي.
في لقاء “WOMES” في أنقرة، صيف العام الماضي، حضرتُ عددا من اللقاءات التي نظمها أكاديميون مؤيدون للحقوق الفلسطينية، والذين يحشدون رأياً عاماً جامعيّاً للوقوف بوجه السياسات الإسرائيلية. يومها، عبرت أكاديمية أميركية بصراحة عن خشيتها على الأساتذة الشبان الذين ما يزالون في بداية طريقهم، وكيف سيدفعون ثمناً باهظاً إذا أعلنوا موقفاً ضد الانتهاكات الإسرائيلية، وأيدوا مقاطعة إسرائيل. وقالت إنّها هي كأستاذة منذ سنوات طويلة، لها نوع من الحصانة وفق النظام الأكاديمي، وكانت تشير حينها لقصة شهيرة للمحاضر ستيفين سلايطة الذي كان قد حصل على عرض عمل من جامعة إلينوي الأميركية، ثم سُحب العرض فيما يعتقد أنّه رد على تعبيره عن موقف محدد من السياسات الإسرائيلية، على موقعه على “تويتر”.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فاز مشروع قرار قدم في اجتماع “ميسا” في واشنطن، بأغلبية 265 ضد 79. ولم يكن القرار بشأن مقاطعة إسرائيل، وإنما بشأن حق أعضاء الجمعية، أي الذين يعملون في الدراسة والتدريس والبحث والنشر حول شؤون الشرق الأوسط، في مقاطعة إسرائيل ومؤسساتها الثقافية والأكاديمية، واعتبار ذلك جزءا من حق التعبير. وبموجب ذلك التصويت، يرسل القرار للأعضاء، وهم عشرات الآلاف، للاستفتاء عليه، فإذا أقروه أصبح متبنى. والتوقعات الآن أنّ مؤتمر هذا العام 2015، قد يبحث المقاطعة وتبنيها. وجاء هذا بعد تبني جمعيات أكاديمية مرموقة لقرارات تقاطع إسرائيل، مثل جمعية الدراسات الأميركية، وجمعية الدراسات الأميركية الآسيوية، وجمعية الدراسات الإثنية النقدية، وجمعية دراسات الأميركيين الأصليين، وغيرها. والآن، يأتي القرار البريطاني خطوة جديدة مهمة.
مما لاحظته في القرار البريطاني الجديد، أنّه لا يصل حد مقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين أنفسهم ومنعهم من المشاركة في المنتديات والمؤسسات العالمية، ولكنه يقاطع أي تفاعل مع مؤسسات إسرائيلية. أمّا الإعلام الصهيوني والمؤيد لإسرائيل، فيحاول تصوير هذه القرارات بأنّها معادية للسامية ولليهود عموماً. وبغض النظر عن أنّ هذا نوع من الخطاب الدفاعي والترهيبي المعروف لمن يعارض إسرائيل، فإنّ تفاصيل ما يذكره هذا الإعلام تشير إلى أنّه صار صعباً على طالب أو باحث أو أكاديمي يؤيد إسرائيل أن يفوز بانتخابات مجلس طلبة أو جمعية أكاديمية، مما يوضح كيف أصبحت هذه القرارات تساهم بالفعل في عزل الإسرائيليين.
هذه التحولات لها أهمية كبرى؛ سياسياً وحضارياً. فهي تشير إلى رفض عالمي متزايد للمشروع الصهيوني بعنصريته. وهذه التحولات ما كانت لتكون لولا نضال وصمود الشعب الفلسطيني، ولولا نضالات وجهود أكاديميين رفضوا الاستشراق الذي كان يجعل دراسات الشرق الأوسط جزءا من العملية الاستعمارية؛ فانتصر إدوارد سعيد ومن معه، وهُزِم برنارد لويس وغيره من المستشرقين الصهاينة، وصار هناك اتجاه أكثر إنسانية، لا يخضع للترهيب باسم معاداة السامية. كما أن هناك ظروفا عدة ساعدت في هذا التحول لا مجال لذكرها الآن.
في المقابل، عندما يأتي تنظيم مثل “داعش” يقدم رسالة في اتجاه الذبح والإرهاب ضد كل من يخالفه، مستفيدا من أفعال عنصريين غربيين، ومستفزا عنصريين آخرين لارتكاب جرائم شبيهة متبادلة، فإنّ هذا حراك في اتجاه مختلف.
المطلوب من الأكاديميين والباحثين في العالم رفض مشاريع العنصرية، بدءا من المشروع الصهيوني، وصولا إلى محاصرة البيئة التي أوجدت ظاهرة تنظيم “داعش” وعنفه، بما في لك فساد ودكتاتورية الأنظمة، ومشكلات التنمية. وإذا ما دمج الجهد ضد كل إرهاب وتطهير عرقي باسم الدين؛ أي دين، فربما تكون هناك فرصة للخروج من دوامات محترفي السلطوية والقتل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2178803

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178803 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40