حرب السلايطة

الجمعة 13 آذار (مارس) 2015 par د.احمد جميل عزم

أثارت قصة ستيفين سلايطة، المولود لأب أصوله من مأدبا في الأردن، والتي تدور رحاها حرباً في الولايات المتحدة الأميركية الآن، حزمة ذكريات وأفكار متآزرة.
فقد ذكّرتني بطفلة سمراء في السادسة من عمرها، تبرق عيناها وهي تلعب على أرضية شقة قديمة في اسكتلندا، وتسأل والدها: هل يريد الإسرائيليون جعلنا مثل الهنود الحمر؟ أثار الأمر استغرابه، وسعادته. كان يعلم أنها تدرس في مدرستها منذ فترة عن الهنود الحمر، وتاريخهم، ويجعلونهم يرسمون عنهم في حصة الفن، لكن لم يخطر بباله أن تربط صغيرته بين قضيتها وهي الفلسطينية الأردنية وبين قضية الهنود الحمر.
مأدبا، حيث الخريطة الفسيفسائية ذات المليوني مربع صغير، والتي تعود للقرن السادس قبل الميلاد، وترسم خريطة الأراضي المقدسة.
جدة ستيفين لأمّه جاءت من عين كارم، قرب القدس. وما تزال بيوت القرية قائمة كما هي، لكن سكنها يهود إسرائيليون، ومُنع منها أهلها العرب. وما تزال شوارعها، برمانها وشجرها، ومسجدها المبني فوق نبع ماء ينحدر من جبل، فيتوضأ المتوضئ أسفل المسجد ويصعد للصلاة في الطابق الثاني. وفي الشارع يسير شابٌ ذهاباً وإياباً، تراقبه فتاةٌ متخفية في زاوية شرفة.
ولد الدكتور ستيفين العام 1975. وفي العام 2013، عرضت عليه جامعة إلينوي وظيفة في دائرة دراسات الهنود الحمر، على أن يبدأ العمل في آب (أغسطس) 2014. لكن في مطلع ذلك الشهر، وبعد أن استقال هو وزوجته من جامعتهما التي يعملون فيها، وبيعهم بيتهم، ألغي العرض. لقد انهالت رسائل “الإيميل” من متبرعين للجامعة، ومن طلبة وأولياء أمر وخريجين، فيما يبدو أنّه حملة منسقة ضد تعيينه. والسبب، “تغريداته” على “تويتر” التي تنتقد وتهاجم إسرائيل على خلفية هجومها على قطاع غزة حينها. وقام مجلس أمناء الجامعة بإلغاء قرار التعيين، فبدأت قصة كبرى يمكن أن تدرّس أو توثق، بما فيها من أبعاد سياسية وقانونية، وصولا إلى طبيعة الحرب والضرب “تحت الحزام” داخل الشبكات العنكبوتية.
رفع ستيفين قضايا في المحاكم يطالب بفرض التعيين في الجامعة، والتعويض المادي عما لحق به من خسائر مادية ومعنوية. بينما توالت الحملة ضده، ويصلح بعض جوانبها لأن يكون فيلم رعب إلكتروني، أو فيلم رعب في البحث العلمي. فعدا التنقيب في تغريدات “تويتر” لسلايطة، تم تشريح ستة كتب نشرها، منها كتاب “العنصرية ضد العرب في الولايات المتحدة”، و“القصة العربية الأميركية الحديثة”، و“روح إسرائيل الميتة”، و“الأراضي المقدسة في انتقال: الاستعمار والسعي إلى كنعان”. وهذا الكتاب الأخير يقارن بين ما حدث للهنود الحمر، سكان أميركا الشمالية الأصليين، والفلسطينيين، وقيل إنّه لا علاقة بين كتاباته والتخصص الذي تقدم له. عدا ذلك، لاحقه شخص يدعى ديفيد برنشتاين على الشبكة العنكبوتية، وكتب في مدونة على موقع صحيفة “واشنطن بوست” محللاً حوالي 1000 تعليق ومراجعة كتاب قام بها سلاطية على موقع “goodreads”. وناقش ما يقوله عن الكتب ليثبت عدم موضوعيته، وأنّه “غير متمدن وغير متحضر”.
وبينما ينظم آلاف الطلبة حملات تضامن مع سلايطة، ويرشحونه لجوائز في الحرية الأكاديمية، كما دعي لإلقاء محاضرات وجولات لشرح قضيته؛ وبينما يؤازره كذلك أكاديميون وأناس مختلفون، فإنّ وسائل إعلام تناصره شنت هجوماً مضاداً بالتنقيب في سيرة رئيسة مجلس أمناء الجامعة التي أخذت قرار إلغاء عرض العمل، فيليس وايس، الأستاذة في الدماغ والهرمونات. ومما قيل عنها إنها قامت بما قد يوصف بأنّه “غش من الذات”؛ أي نشر أبحاث أكثر من مرة باعتبارها جديدة، وكيف أنّ لهذا في الطب خصوصاً أثرا سلبيا، بإعطاء انطباع بتعدد الأبحاث التي تثبت حقيقة معينة. وذكرت تقارير أنّ وايس نشرت بحثا باعتبارها باحثا رئيسا فيه، نُشرت نتائجه سابقا ولم تكن باحثا رئيسا فيه، وفي النشر الثاني حُذفت أسماء باحثين ورد اسمهم أول مرة. واضطرت وايس مؤخرا لنشر تصحيح بشأن البحث المنشور العام 2006، “لأنه يتضمن معلومات تبدو أصيلة (جديدة) وهي ليست كذلك”. كما شُنت حملة ضدها بسبب تراجع عدد “الملونين” في الجامعة.
قصة سلايطة تبدأ من فلسطين والأردن والعرب والهندي الأحمر، وتصل حروب مجتمع الشبكات العنكبوتية والبحث العلمي والجامعات، وتلاشي الحياة الشخصية على “الشبكة”.