السبت 14 آذار (مارس) 2015

الخلافة الراشدة.. الجامع المشترك لكل المسلمين

السبت 14 آذار (مارس) 2015 par صالح عوض

في مرحلةٍ تُلقى القنابل الموقوتة في صفوف الأمة لتفتيتها واستعدائها ضد بعضها مستفيدة من حالة جهل بما عليه المسلمون في مواقفهم ورؤاهم، يصبح من الضرورة العودة إلى الأصول.. لكي نرد سهام العدو إلى نحره ونجدد اليقين بأن أمة الإسلام واحدة موحدة على الأصول..

عشنا عهد النبوة أمة واحدة.. وحظيت الخلافة الراشدة، رغم بعض الاهتزاز المشروع وغير المشروع، بإجماع كل المسلمين بالمشروعية والشرعية.. وهي بهذا مثلث العامل المشترك لكل المسلمين.. وهي النظام السياسي الذي يُعتبر منهلا للاستفادة في تشكيل رؤية للنظام السياسي الإسلامي واستكشاف النظرية السياسية الإسلامية.. ولعلها هي وليس سواها ما يمكن العودة إليه في حل إشكاليات سياسية وفكرية على مستوى الأمة باعتبارها جامعة المسلمين بكل آرائهم.. وباعتبارها أقامت حدود الشرع ودافعت عن حرمات الإسلام وتحرت العدل والقسط، وبذلك حققت عدالتها وتميزها عما سيتبعها من ملك عضوض تختلف المعايير فيه وتختلّ النظرية السياسية الإسلامية وينحرف النظام السياسي الإسلامي عن قاعدته “الشورى والبيعة” كما أشار إليه حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

أبو بكر الصديق قامع الردة

إنه أبو بكر رضي الله عنه صاحبه وصديقه وأول الرجال إيمانا برسالته ورفيقه في كل المواقع وفي مواجهة كل التحديات، تولى الخلافة بعد أن حسم النقاش في السقيفة مع الأنصار وأخذ البيعة بطيب خاطر من الصحابة جميعا، ولئن تأخرت بيعة الإمام علي كرم الله وجهه، إلا أنها جاءت حاسمة ليصبح الخليفة خليفة..

في هذا الامتحان الصعب نجحت الأمة في اجتيازه بحسها وروحها.. فأبو بكر الصديق رضي الله عنه يتولى الخلافة معلنا: “لقد وليت عليكم ولست بخيركم” وذلك بعد أن حاول التخلص منها مرات عدة وطالب المسلمين ثلاثة أيام متتالية بأن يقيلوه “قد أقلتكم في بيعتي”.. والإمام علي كرم الله وجهه يقوم في أول الناس: “والله لا نقيلك ولا نستقيلك”.. بعد أن بيّن موقفه: “إنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكار لفضيلتك ولا نفاسة عليك ولكنا كنا نرى أن لنا حقا في هذا الأمر”.. كما أنه كرم الله وجهه يرد أبا سفيان عندما جاءه محرّضا على خلافة أبي بكر ويعرض عليه البيعة: “أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة.. هذا ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها”.

إنها خلافة يقبل بها كل المسلمين بكل مذاهبهم، ولا يحق لأحد أن يتزايد في ذلك، ومن غير المقبول أن ينكرها أحد من المسلمين بعد أن أجمع قادة الأمة يومذاك وفي القمة منهم الإمام علي كرم الله وجهه.. وبهذا نكون قد وضعنا أهم قضية شغلت حيز الجدال والنقاش جانبا بعد أن اكتشفنا أنها لم تتم إلا برضى كل أهل الحل والعقد في الأمة، وفي مقدمتهم الإمام علي كرم الله وجهه.

كانت الخلافة الراشدة في خطوتها الأولى تكرّس مبدأ الوحدة القائمة على حدود العدل وتحري الصحة والقسط؛ أي سلامة الدين.. وهذا مبرر اجتماع أهل الحل والعقد في تلك المرحلة على مبايعتها والذود عنها، وهذا هو ما يجعلها في حس المسلمين المرجعية المثلى بعد عهد النبوة في الحكم الإسلامي... وهذا قول علماء الأمة النابهين العدول من شتى المذاهب الإسلامية قديما وحديثا.

كانت هذه الوحدة وحدة نواة الأمة المركزية والحلقة الجوهرية فيها، وما كان للأمة أن تستمر لولا هذا التوحد على مستوى النواة.. وبعد أن تحقق لها ذلك، التحقت بها أطراف وتنافرت أطراف وارتدت أطراف وانشقت أطراف.. هنا تحركت الأمة بقوة وحدة النواة فيها نحو قمع الردة وتوحيد الأمة بكل أطرافها في نظام سياسي واقتصادي واحد.. وكان هذا التحدي من نوع جديد في مسيرة الأمة حيث يعلن أقوام أنهم مسلمون ولكنهم لن يؤدوا الزكاة والخراج التي كانوا يؤدون لحكومة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، للحكومة المركزية في المدينة، فكان التحرك الحاسم وبلا تردد للتأكيد بأن أخذ مال الزكاة والخراج مهمة الحكومة المركزية كما كانت مهمات حكومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

لقد كان تحرك أبي بكر رضي الله عنه في تلك المرحلة التاريخية الصعبة وبتلك العزيمة الحاسمة ضرورة لاستمرار وحدة الأمة، بل وجودها، ولعل هذا التحرك هو من أسس لاستمرار الخلافة الراشدة وأمدها بمسوغ سياسي انطبعت به نفوس المسلمين.

أجل، لقد كانت خلافة أبي بكر موحِّدة للمسلمين وقامعة للردة.. ومؤسِّسة للشروط الأساسية للحاكم الذي سيلي أمر المسلمين في حدودها الدنيا التي لا تنازل عنها، كما أنها كانت اللحظة الحاسمة التي أنقذت الأمة من الضياع.

وهنا نجدد القول إنها خلافة كل المسلمين ولن تجد رافضا لها إلا جاهل أو متنطع.. فليس لدى من يرفضها أي مستند من موقف لأي رمز من جيل المهاجرين وعلى رأس الجميع أمام الهدى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.. وفي هذا يتفق علماء الأمة في كل مذاهبها.

وهنا يجدر بالجميع أن يلتفتوا إلى عامل مشترك لهم جميعا وهو ملك لهم جميعا.. فلكل رمز من رموز صدر الإسلام مأثرة وموقف محمود في تلك اللحظة التاريخية الحاسمة.. فلئن قمع أبو بكر الردة في الأطراف، فقد ضمن عليّ وحدة النواة والمركز ومنح الخلافة شرعيتها.. كما كان لكل الجيل الأول دوره في تثبيت الرسالة وإقامة القسط الأمر الذي يضفي على الخلافة سمة أساسية لاعتبارها إسلامية وشرعية.. وراشدة.

هذه حلقة أولى من حلقات أتمنى أن أوفق لطرحها محاولا الإشارة إلى ضرورة الخروج من الغوغائية والتشتت بسبب أقوال الرجال.. فلنعد إلى الجذور، حينها سنجد أن الأمة واحدة وأن التفرقة بين أبنائها ليس لها ما يبررها من دين وتاريخ وعلم.. تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2178900

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178900 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40