الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015

ما بعد الانتخابات الإسرائيلية

الثلاثاء 17 آذار (مارس) 2015 par هاني المصري

تجري الانتخابات الإسرائيلية اليوم، والاحتمالات المطروحة وفقاً لآخر الاستطلاعات التي أجريت عشية الانتخابات، تشير إلى إمكانية تشكيل اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو في الحكومة المقبلة. وفي هذه الحالة، لن يتغير الوضع الحالي. وأكثر ما يمكن أن تُقدِم عليه الحكومة المقبلة يتمثّل بوقف حجز العائدات الجمركية الفلسطينية مقابل الاستمرار في التنسيق الأمني، لأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى من تداعيات ذلك، على اعتبار أنه قد يؤدي إلى انهيار السلطة أو تحوّلها إلى سلطة معادية لإسرائيل.
الاحتمال الثاني أن ينجح «المعسكر الصهيوني» بالتحالف مع أحزاب أخرى، منها أحزاب دينية ويمينية، في تشكيل الحكومة. عندها سيتم وقف حجز الأموال وربما تجميد جزئي للاستيطان تمهيدًا لاستئناف المفاوضات، مقابل تجميد التحرك الدولي الفلسطيني، خصوصًا في ما يتعلق بتقديم الدعاوى ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية.
أمّا الاحتمال الثالث، الذي قد تكون له فرصة أكبر من الاحتمالين السابقين، فيشير إلى إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية نتيجة عجز كل معسكر بمفرده عن تشكيل الحكومة، وهذا يعني أنها ستكون حكومة شلل، ولن تعمّر كثيرًا. وأقصى ما يمكن أن تُقدِم عليه هو وقف حجز الأموال الفلسطينية.
الأمر الذي سيستأثر بالاهتمام بعد الانتخابات الإسرائيلية، كما لمست في واشنطن ونيويورك وغيرهما من المدن الأميركية التي تشملها زيارتي الحالية إلى الولايات المتحدة هو: هل ستتبلور إرادة دولية لفرض استئناف المفاوضات بمشاركة دولية فاعلة، على قاعدة المعايير التي أصبح متعارفًا عليها، وهي انسحاب إسرائيلي وفقًا أو على أساس حدود 1967 مع «تبادل أراضٍ»، وإقامة دولة فلسطينية، وضمان الأمن الإسرائيلي، والتوصل إلى حل متفق عليه لقضية اللاجئين؟
الحديث هنا في الولايات المتحدة، خصوصًا في الأوساط الفلسطينية والعربية، يدور حول مدى جرأة الإدارة الأميركية على اتخاذ مبادرة في نهاية فترة رئاسته الثانية، مثلما فعل معظم الرؤساء الأميركيين في نهاية رئاساتهم، خصوصاً أن يد الرئيس ليست مقيدة تمامًا لعدم وجود قوانين تمنعه مثلما يحدث في الملف الإيراني، ولأن له صلاحيات واسعة في ما يتعلق بالسياسة الأميركية الخارجية، وفي ضوء التوتر الذي شهدته العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وبعد تردي العلاقات الشخصية بين أوباما ونتنياهو، تحديداً بعد زيارة وخطاب الأخير في الكونغرس.
إذا توفرت الإرادة الأميركية للعمل مع الدول الكبرى والمجتمع الدولي مثلما حصل في الملف النووي الإيراني وأوكرانيا، ولفترة ما في الملف السوري، فلا تهمّ كثيرًا نتائج الانتخابات الإسرائيلية، لأن الإرادة الدولية تستطيع فرض نفسها على أي حكومة إسرائيلية.
طبعًا، الأسهل هو التحرك باتجاه فرض الحل إذا كانت الحكومة في إسرائيل ليست يمينية صرفة، لذلك لا تخفى الرغبة الأميركية والأوروبية والعربية والدولية في سقوط نتنياهو، لدرجة أنه وأركان حزبه وحملته الانتخابية أشاروا مرارًا إلى التدخلات الخارجية وسعيها للتأثير على نتائج الانتخابات في غير مصلحة نتنياهو وائتلافه الحاكم.
المصادر التي التقينا بها تشير إلى وجود إرادة روسية وصينية وأوروبية، (خصوصًا فرنسية) للدعوة إلى تحرك دولي جماعي، لفرض حل على الطرفين قبل تدهور الموقف بشكل شامل، بعد تصميم الفلسطينيين على التوجه الدولي، واللجوء إلى محكمة الجنايات، ووقف التنسيق الأمني في إطار إعادة النظر بشكل كامل في العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية.
لا أحد يثق في أن الإدارة الأميركية يمكن أن تسعى لفرض حل على الطرفين، ولكن هناك اتفاق على أن عدم التحرك سيدق المسمار الأخير لما أطلق عليه «عملية السلام» في الشرق الأوسط، ولما اصطلح على تسميته «حل الدولتين».
اعتُبِر تعيين روبرت مالي مسؤولًا عن ملف الشرق الأوسط في الإدارة الأميركية من أوساط عديدة مؤشرًا على إمكانية التغيير في السياسة الأميركية، لأنه غير منتمٍ إلى معسكر الموالين لإسرائيل. بل وجّه على الأقل بعض اللوم لها على فشل المساعي والمبادرات الأميركية السابقة. كما أنه طالب بدمج «حماس» في العملية السياسية، واقترح إبداء مرونة حول شروط انضمامها.
من المحتمل أن يكون هناك تحرك دولي بمشاركة أميركية، ولكن الخشية قائمة من أن تُوَجّه الضغوط الأميركية والأوروبية على الجانب الفلسطيني، لأن طبيعة العلاقات والمصالح والأهداف المشتركة التي تربط أميركا بإسرائيل عميقة وأكبر من حسن أو سوء العلاقات بين الرئيس الاميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية، ولأن الجانب الفلسطيني هو الضعيف والمنقسم على نفسه والقابل للاستجابة للضغوط.
لذلك، لا بد من إعطاء أهمية فائقة لمسألة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وتغيير المقاربة القديمة، واعتماد أخرى جديدة لا تسمح إطلاقًا بأي استئناف للمفاوضات أو بتحسين طفيف لها. كما أن المشاركة الدولية، حتى لو رافقتها مشاركة عربية وإقليمية، ليس بالضرورة أن تكون في مصلحة الفلسطينيين، بل يمكن أن تنقلب ضدهم إذا لم تستند بشكل واضح وقاطع إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وضمان أن يكون التفاوض لتطبيقها وليس حولها.
إن استمرار الحديث عن انسحاب إسرائيلي على أساس حدود 1967 مع تبادل للأراضي يمكن أن يفتح باب جهنم، لأنه سيُوَظّف من إسرائيل لضمّ وتأجير مساحات واسعة من الأراضي المحتلة لمدد طويلة، ما يؤدي إلى شرعنة الاحتلال والقضاء عمليًا على إمكانية قيام دولة فلسطينية.
هناك وهم يظهر مجددًا في الأوساط الفلسطينية والعربية من خلال الرهان على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، أو على الإدارة الأميركية في آخر عهدها، أو على الإرادة الدولية، وهذا خطأ فادح سبق أن ارتُكب ولا داعي على الإطلاق للوقوع به مجددًا. فالرهان على الاحتلال ومن يدعم الاحتلال لا يمكن أن يؤدي إلى حل في مصلحة الطرف الواقع تحت الاحتلال. بل إنه مثل هذا الرهان، إذا ما أدى إلى حل، فسيكون في مصلحة المحتل، وإذا لم يؤدّ إلى ذلك، فسيضيّع المزيد من الوقت الثمين الذي سيصب صافيًاً في مصلحة الاحتلال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع هاني المصري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010