الجمعة 20 آذار (مارس) 2015

أسئلة محمود درويش وإجابة إدوارد سعيد

الجمعة 20 آذار (مارس) 2015 par عوني فرسخ

كان الشاعر الراحل محمود درويش قد ألقى أمام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خطاب استقالته من عضويتها عندما رفض مشروع “اتفاق أوسلو” مطلع سبتمبر/أيلول ،1993 وذلك في ضوء معرفته الوافية باستراتيجية الكيان الاستعماري العنصري الصهيوني، وجموده العقائدي، وعدم استعداده للاعتراف بأي من الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ، وفيه حذر قيادة المنظمة والفريق “المفاوض” بأن المنظمة التي يعرفونها قد انتهت ، سواء ذهبوا بالتسوية السياسية حتى النهاية، أو خرجوا منها . وبين أن دور المنظمة الباقي هو التوقيع على الاتفاق مع “إسرائيل”، وفور التوقيع ستتحول إلى شيء آخر . وتساءل: ما هو هذا الشيء الآخر؟ وأضاف: فكروا منذ الآن بمصائر الكوادر الواقفة في مهب الريح .
وتابع موضحاً أن “إسرائيل” لا تريد الاحتفاظ بغزة ، وأن تسليمها للفلسطينيين هو حل لمشكلة “إسرائيل” الناجمة عن مشاكل غزة غير القابلة للحل، والناجمة أيضاً عن الانتفاضة، وعن عدم قدرة “إسرائيل” على الضم حرصاً على المحافظة على طابعها اليهودي . وختم خطاب استقالته بالتساؤل: إن كان الرئيس عرفات وفريقه المفاوض حصلوا على أجوبة لأسئلة كثيرة منها الأسئلة العشرة التالية:
1 - هل هذه الصفقة هي جزء من اتفاق سلام شامل، وهل تستحق منا التوقيع على معاهدة سلام أو مصالحة تاريخية؟
2- هل من الواضح أنها مرحلة أولى من تطبيق القرار 242 ، وفق جدول زمني واضح، مرتبط بالتزام واضح وباعتراف واضح بأن هذه الأرض هي أرض محتلة؟
3 - من سيدير هذا الحكم الذاتي التجريبي في غزة وأريحا، منظمة التحرير الفلسطينية التي سينتهي دورها أم المجلس المنتخب؟
4- هل ستدخل المنظمة إلى هناك، أم رئيسها بصفته رئيسها، أم رئيس شيء آخر؟
5 - ما هي حدود المرحلة الانتقالية التجريبية، هل هي حكم ذاتي بعد التجربة والنجاح في التجربة والامتحان؟ وماذا لو فشلت؟ وأضاف: وهنا اسمحوا لي أن أحذر من أن وضعنا الراهن وبنيتنا الحالية يقدمان جواباً سلبياً عن هذا السؤال .
6 -هل هناك جسر واضح للعلاقة بين المرحلة الانتقالية والنهائية يُطمئن الى أن المرحلة الانتقالية لن تكون نهائية؟
7 - هل القاعدة الشعبية مهيأة لخوض هذه التجربة ، أم هي معبأة بعوامل انفجار خطرة ؟
8 -هل بوسعنا تجاهل المخاوف الحقيقية منها والمصطنعة التي يبديها “جيراننا” العرب، إزاء الاتفاق مع “جيراننا الإسرائيليين”؟
9 -ما هي الضمانات الاقتصادية الدولية لجعل غزة قادرة على الحياة ، وبناء البنية التحتية، وتوفير شروط العيش" .
10- ما هي أشكال التعبير الوطني المسموح بها في مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” الذي سيظل موجوداً هناك من خلال الأمن العام والمستوطنات؟
وبما هي معروفة به القيادة محتكرة قرار منظمة التحرير من عدم احترام الرأي الآخر ، خاصة في المواقف الحاسمة ، لم يتلق الشاعر الراحل أي إجابة ولو على واحد من أسئلته . غير أن الراحل إدوارد سعيد هو الذي قدم الإجابة الوافية عن اسئلة الشاعر الكبير الراحل . حين دُعي لإبداء رأيه في “عملية السلام” في مدرسة الصحافة التابعة لجامعة كولومبيا الأمريكية بحضور نحو خمسين من الأكاديميين، وسفير عربي واحد في الأمم المتحدة، والبقية من الصحفيين العاملين، ومحرري الانباء، والمعلقين في الصحافة والإذاعة والتلفزيون، فقدم مداخلة عنوانها: “صور مُضلًلة ووقائع وحشية” موضحاً أنه بعد أقل من عامين من “اتفاق أوسلو” تفاقمت البطالة والفقر في الضفة والقطاع، واتضحت الجوانب الأسوأ للاحتلال “الإسرائيلي”، وهو الاحتلال العسكري الأطول في القرن العشرين . إذ تواصلت مصادرة الأراضي ، وتوسيع الاستيطان ، مستعرضاً بإيجاز معاناة الفلسطينيين في ظل الحكم الذاتي المحدود، والسيطرة المفترضة للسلطة الفلسطينية، حيث انكمشت الحريات، وتضاءلت الآفاق . وحمل الإدارة الأمريكية راعية “عملية السلام” المسؤولية عن المظالم والانتهاكات في زمن أوسلو . كما أدان “إسرائيل” التي تستغل ضعف القيادة الفلسطينية لإدامة احتلالها العسكري وأعمال الاستيطان .
وبرغم الوضوح المبكر للنتائج الكارثية لاتفاق أوسلو واصلت القيادة المحتكرة صناعة القرار الوطني الفلسطيني الالتزام بتنفيذ ما انطوى عليه من شروط تُفقد الحراك السياسي الفلسطيني قدرته على التأثير الإيجابي . وذلك من دون اهتمام بالرأي الآخر، خاصة المعارض لاتفاق أوسلو أو أدنى مراجعة لمسيرتها وتصرفاتها، مستغلة سيطرتها على المال والسلاح والإعلام، واستخدام الخطاب الديماغوجي . بينما جرى إرهاب المثقفين بحيث لم يقم أغلبيتهم بدورهم كما يجب في مراجعة جادة للخطيئة التاريخية المتمثلة باللهاث وراء حل أمريكي “منصف”، مستحيل التحقق عملياً لكون “إسرائيل” هي الأداة الاستراتيجية الأولى لقوى الهيمنة والاستغلال الأمريكية والأوروبية في تأمين مصالحها السياسية والاقتصادية غير المحدودة في الوطن العربي .
والثابت أن شعب فلسطين استطاع بقدراته الذاتية بالدرجة الأولى الصمود في مواجهة الغزوة الصهيونية المدعومة أوروبياً وأمريكياً زمن الانتداب، بحيث ظلت فلسطين سنة 1947 عربية، ولم تجاوز حيازة الصهيونية 7 .5% من مساحتها، كما وثق ذلك إيلان بابيه المؤرخ “الإسرائيلي” المعروف في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين” .
وإذا كانت قيادة محمود عباس قد انتهت قدرتها على تصويب المسار كونها تحت رحمة داعميها سياسياً ومالياً، فإن في تصدي فتيان وصبايا القدس وشيوخها بصدورهم العارية لغلاة التلموديين والجيش الحامي لهم، ومنعهم من إقامة صلواتهم في الحرم القدسي الشريف دلالة على بعدين متكاملين: استمرار العنصرية الصهيونية في أداء دورها التاريخي كأهم عوامل التغيير في الواقع العربي، وتواصل عطاء الشعب الذي تمرس بالصعاب، وقدرته الفذة على إبراز قيادات أشد عزماً وتصميماً على مواصلة صراع الوجود واللاوجود . . ما يعزز الثقة بأن الزمن لم يعد يسير لصالح الصهاينة وإن اتسع التطبيع معهم وامتد . بقدر ما غدا يؤشر إلى انسداد آفاق مستقبل مشروعهم الاستعماري الاستيطاني في أرض كانت وما زالت مقبرة الغزاة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2178585

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178585 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40