الأحد 22 آذار (مارس) 2015

استحقاقات ما بعد انتخابات الكيان

الأحد 22 آذار (مارس) 2015 par علي جرادات

أسقطت نتائج الانتخابات ال20 ل“الكنيست” الصهيوني إلى غير رجعة رهانات واهمة، ينسى أصحابها، أو يتناسون أن عدوانية الكيان الصهيوني متجذرة في بنية مجتمعية موغلة في العنصرية إلى حدود الفاشية . ويجهلون، أو يتجاهلون أن حكومات “إسرائيل” بألوانها كافة ليست في وارد التسويات السياسية، بمقتضى نظام صهيوني استيطاني إقصائي تأسس على الحروب والتطهير العرقي المُخطط . ويغفلون، أو يتغافلون عن أن هذه الانتخابات دارت بين معسكرين أساسييْن، يجمعهما، وفقاً للبرنامج والممارسة، التمسك باللاءات الصهيونية المعلنة: لا لحق اللاجئين في العودة، لا للانسحاب إلى حدود ،67 لا لوقف الاستيطان وتفكيك الكتل الاستيطانية الكبرى، لا لتقسيم القدس وإلغاء ضمها والتخلي عن اعتبارها “عاصمة”إسرائيل“الأبدية”، ولا لرفع الحصار عن قطاع غزة قبل تجريد المقاومة من سلاحها، ولا، (وهنا الأهم)، لإبرام “اتفاق نهائي” قبل الاعتراف ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي” .
بل وغيب هؤلاء المراهنون، سيان بوعي أو بجهالة، اطمئنان نخب هذا الكيان وناخبيه إلى حالة التواطؤ الدولي والرعاية الأمريكية الثابتة التي تحول دون وضع حدٍ لشذوذ بقاء “إسرائيل” “دولة” مارقة فوق القانون، بل وفوق أي شكل فعلي من المساءلة والضغط يلزمها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع، وجوهره القضية الفلسطينية . فضلاً عن تناسي كل من راهن على هذه الانتخابات أن “إسرائيل” هذه، قبل كل ما تقدم وفوقه، مرتاحة كما لم يحصل من قبل، بفعل القائم، وغير المسبوق، من إرهاب تكفيري يفتك بالوطن العربي دولاً وجيوشاً ونسيجاً وطنياً ومجتمعياً، وبفعل التمديد الواقعي لخيار “أوسلو” العبثي، والانقسام الفلسطيني العمودي، كانقسام مدمر طال أمده، ولا تتوافر إرادة سياسية جادة لإنهائه .
بعيداً عن تفاصيل مجريات انتخابات الكيان ومساومات تشكيل حكومة جديدة بناء على نتائجها، يبقى آنف الذكر من الحقائق هو الجوهري في أسباب ودلالات ودروس نتائج هذه الانتخابات التي وضعت العرب، والفلسطينيين منهم خصوصاً، أمام محطة لا جديد فيها سوى تجديد دعوتهم إلى الكف عن الرهان الفاشل على إمكان تغيير مواقف الكيان الصهيوني تجاه جوهر الصراع من خلال تغير الوان حكوماته، أو من خلال ضغط أمريكي ثبت أنه لم يأت ولن يأتي، أو من خلال تقديم التنازلات المجانية المتسرعة التي لم تجدِ نفعاً لوقف سياسة العدوان والتوسع . هذا ليس حكماً مسبقاً، بل برهنت عليه مسيرة نحو 25 عاماً من مفاوضات “مدريد-أوسلو” العقيمة التي لم تسفر إلا عن تعميق الاحتلال وتعاظم الاستيطان وتشجيع قادة الكيان الصهيوني على الإمعان أكثر فأكثر في غطرستهم وصلفهم، وعلى تصعيد هجومهم السياسي والميداني لتحقيق المزيد من أهداف المشروع الصهيوني .
ما يعني أن الرد على حكومة الاحتلال القادمة بقيادة نتنياهو العنصري المتغطرس والفاشي بامتياز لن يكون جاداً إلا بتفعيل أوراق القوة العربية والفلسطينية، أولاها وناظمها ومحركها الأساس: التنصل من تعاقد “أوسلو” السياسي والتزاماته الأمنية والاقتصادية، وبناء استراتيجية سياسية فلسطينية جديدة، قوامها الوحدة والمقاومة . وهو ما يفرض على قيادتي منظمة التحرير الفلسطينية و“حماس”، إنهاء انقسامهما الذي فاقم الأزمة الوطنية البنيوية التي أنجبها خيار “أوسلو” العبثي . ذلك أن طي الصفحة السوداء لهذا الانقسام هو السبيل الوحيد لإعطاب ديناميات المخطط الصهيوني، ثابت المضمون متغير الشكل، لتفكيك الشعب الفلسطيني إلى تجمعات بأجندات وأهداف وقيادات متباينة ومتصارعة .
عليه، لا مناص من الاعتراف بأن الفعل المتبادل لتمديد خيار التفاوض العبثي وغياب الإرادة السياسية لإنهاء الانقسام، هو ما أضعف الشعب الفلسطيني، وفتك بقدرة حركته الوطنية على تلبية ولو الحد الأدنى من متطلبات مجابهة السياسة الصهيونية الهجومية المتصاعدة برعاية أمريكية . أي لا مناص من الاعتراف بأن للمأزق الفلسطيني أسباباً داخلية وخارجية متداخلة، وبأن اختزال قيادتي المنظمة و“حماس” تعقيدات هذا المأزق في مطلقات: “الأبيض والأسود” أو “الملاك والشيطان”، إن هو إلا تهرب من تمثل كامل عناصر الأزمة، ومن الاعتراف بأن المخرج منها يخص الشعب الفلسطيني بعمومه والقضية الفلسطينية بمجملها، وليس فلسطينيي الضفة وقطاع غزة، فقط .
على أية حال، طريق الخلاص الوطني ليس مسدوداً، وإنهاء الانقسام ممكن، شريطة مغادرة عقلية “أنا أريد وعلى غيري الانصياع” كعقلية فاشلة دمرت كل محاولات بلورة استراتيجية سياسية وطنية موحدة ترتكز على القواسم المشتركة، وتعترف بما يكفي من حزم أن الولايات المتحدة معادية حتى لأدنى الحقوق الفلسطينية، وأن سياسات الاحتلال الهجومية التي تستبيح الشعب الفلسطيني على كل صعيد، لا تترك متسعاً لتسوية الصراع ولو تسوية “متوازنة”، فما بالك بعادلة .
قصارى القول: لا مناص من القبض على كامل معطيات الأزمة الفلسطينية والاعتراف بحقائقها المرة، بما فيها الإقرار بأن الانقسام في العمق، وبأن ميزان القوى الداخلي لا يسمح بتمرير:“قولوا ما تشاءون وأنا أفعل ما أشاء”، لا للقائلين: “نحن الشرعية التاريخية”، ولا للقائلين: “نحن شرعية المقاومة” . ما يعني أن مدخل بناء الوحدة الوطنية في مستواها السياسي يتمثل في تفعيل اجتماعات الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، ودعوته إلى وضع الآليات العملية لانتخاب مرجعية تشريعية شاملة للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، أي مجلس وطني جديد، على قاعدة الحجم الانتخابي للتجمعات والتمثيل النسبي بما يتجاوز وضعية: “سلطتين”، “قيادتين”، “ضفة وغزة”، و“داخل وخارج”، وينهي تشرذم المرجعيات وتآكل البرنامج الوطني: العودة والدولة وتقرير المصير، ويفضي إلى تعزيز فرص استعادة خيار الوحدة والمقاومة، وتوحيد الإرادة الفلسطينية . علماً بأنه بتوافر الإرادة السياسية الجادة يمكن تذليل العقبات الداخلية بالتوافق، والعقبات الخارجية بالاتفاق على التعيين، كما كان يحصل على امتداد مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165866

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165866 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010