الخيط الأبيض والخيط الأسود مصطلح يشرح لنا كيفية إدراك نهاية الليل وبداية الفجر.. انها لحظات تحتاج دقة في التركيز وخبرة بحكم التجربة واستشفاف لمرافقات عديدة.. ويقال إن آخر لحظات الليل وهي تسحب في خيطها الأسود تكون ثقيلة ساكنة موحية بالسبات والتجمد.. ويقال كذلك ان اللحظات الأولى للفجر وهي تدفع بخيطها الأبيض للفضاء تبث الأمل والصحة والفطنة والجدية.. ويقال ان الأحلام تسبح في ساعات الليل وتتخذ طرقا قددا.. إما بعد الفجر فلا مكان للأحلام، بل للعمل والكدح..
انه الخيط الأبيض والخيط الأسود يرتسمان الآن في أفق أمتنا في كل مكان.. فمن يصف الواقع منطلقا من إسوداد الخيط الأسود وقتامته وسكونه ويأسه وعجزه فهو محق بلا شك، حيث الهوان والفتن والقلاقل والآلام المستبدة في الأمة مشرقا ومغربا.. والذي يصف الواقع منطلقا من نصاعة الخيط الأبيض وصفائه ووضوح الحقائق فهو محق كذلك، حيث الوعي ينتشر في صفوف طلائع الأمة وحيث المقاومة والكفاح في كل مكان ضد المستعمرين وحيث ارتباك العدو وقلقه الوجودي.
ولكن الخيط الأسود زائل، لأنه آخر الليل.. وفي الطبيعة والحياة لا تتراجع السنن والنواميس، بمعنى انه لا يعود ليل بعد الفجر.. فليس بعد الفجر إلا صبح أبلج وضحى مشرق.. وكذلك ليس بعد المقاومة الا النصر وليس بعد النصر الا الاستقلال وليس بعدالاستقلال الا النهضة وليس بعد النهضة الا الكرامة والسيادة والمكانة المحترمة..
اصحاب الخيط الأسود رغم انهم محقون فيما يصفون، الا انهم مقيدون بمرحلة تجر أذيالها.. هم لم يحرروا انفسهم من شروط الهزيمة.. هم واقعيون، لكنهم ماضويون لم يستشرفوا ما سيكون بعد تمدد الخيط الأبيض.. ولذلك فهم وان كانوا معذورون، الا انهم كالغريق مستعد ان يشد الناس جميعا معه لكي يغرقوا ليؤكد انه ليس وحده غريقا.
اما نحن الذين يؤمنون بالقرآن الكريم وبآيات الله في الأنفس والآفاق، فإننا لا نلتفت إلى الخيط الأسود رغم كثافته وظلامه الدامس ورغم انه ينسحب بتثاقل.. ان أعيننا منصرفة إلى هناك، حيث تباشير الخيط الأبيض الذي أخذ في التمدد عبر أفق الأمة مقاومة للاستعمار ونهضة ثقافية ووعيا وإصرارا على الوجود والحياة..
اجل انه خيط المقاومة والانتصار والمغالبة ضد خيط الاستعمار والتخلف والتبعية.. وسيكون هناك ضحايا بلا شك، وتكون هناك معاناة بلا شك، انها المصاحبة الضرورية لتفسيخ حجب الظلام وانسلال الخيط الأسود من عقولنا ووعينا وواقعنا..
باليقين والتفاؤل والكفاح وبذل الوسع في جهد واع راشد نكون على موعد مع الخيط الأبيض وفجر مجد يتسامى.. تولانا الله برحمته.