الجمعة 27 آذار (مارس) 2015

الوطن العربي مأزوم ولكن . .

الجمعة 27 آذار (مارس) 2015 par عوني فرسخ

صحيح أن الوطن العربي فاقد المنعة قومياً وقطرياً، وأن أكثر من قطر عربي مستهدف بمخطط تفتيت عرقي وطائفي، ومهدد بوحدة ترابه الوطني ونسيجه المجتمعي، وعيشه المشترك . وأن الشعوب العربية تعاني فقراً في الديمقراطية، فضلاً عن قصور الوعي والمعرفة والتخلف عن العصر علمياً وتكنولوجياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً . بل عما تحقق في خمسينات وستينات القرن العشرين على صعيد الاستقلال السياسي، والسيادة الوطنية، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والدور الإقليمي، والحضور الدولي . والصحيح كذلك أن الخطاب لم يعد قطرياً صارخاً بقدر ما صار أقلوياً مستفزاً عرقياً وطائفياً وجهوياً، وأنه منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، تسارع صعود وتمدد الجماعات إسلاموية الشعارات، وبحيث تفاعل تخلف الوعي الديني مع بؤس الواقع السياسي - الاجتماعي ما يسر اختراق الجماعات التكفيرية وتهديدها ليس فقط أمن واستقرار الأقطار العربية ومعالمها الحضارية، إنما أيضاً التراث العربي الإسلامي . وأنه تم الصلح بين بعض الدول العربية و“إسرائيل” وشاع التطبيع معها دون تنفيذها قراري مجلس الأمن 242 و338 بالانسحاب لحدود 1967 .
كل ذلك، وغيره، صحيح، ولكن: هل هذه الظواهر كل ما في الواقع العربي، أم أنها ما تسلط عليه أجهزة الإعلام أضواءها، في تعتيم متعمد لمواطن القوة واحتمالاتها الواعدة؟ وما هو المردود الفعلي للوقوف عند الإسهاب في توصيف ظواهر الواقع العربي السلبية دون التحليل العلمي لمسبباتها؟ وما هو دور المثقف العربي الملتزم المفترض به ممارسة دور مؤذن الفجر في إيقاظ المستغرقين في نوم العسل؟
وفي محاولة الإجابة عن الأسئلة السابقة أذكر بداية أن هذه ليست أول تحديات مصيرية تواجه الأمة العربية المعروفة تاريخياً بقدرتها الفذة على دحر الغزاة، والاحتفاظ بسماتها القومية، وتميزها الثقافي . ثم إن استشراء الحملات المعادية للعروبة والوحدة على مشرق الوطن العربي ومغربه، والتقاء الإدارة الأمريكية و“إسرائيل” وقوى التخلف العربي على دعم “داعش” وغيرها من الجماعات ظلامية الخطاب إجرامية الممارسات، لدليل استعصاء إرادة الممانعة والمقاومة المتجذرة في الثقافة العربية الإسلامية على الخضوع والاستسلام .
وثاني مواطن القوة العربية تجاوز أغلبية الشعوب العربية زمن الصمت والنأي بالنفس عن المشاركة في عمليات التغيير . وفي مصر مثال واضح حيث أسقطت ملايينها أربعة رؤساء خلال أقل من اربع سنوات: مبارك، وطنطاوي، وعدلي منصور، ومحمد مرسي . وليست مصر فقط أكبر الدول العربية وأعرقها تاريخاً وأغناها تراثاً حضارياً، وإنما هي أيضاً رائدة التطور السياسي والاجتماعي والفكري . وبرغم مشكلاتها غير المحدودة يظل شعبها موضوع الرهان العربي .
وثالث مواطن القوة التحول الكيفي في واقع المرأة العربية وتطورها المتسارع في مختلف الأنشطة، بحيث لم تعد نصف المجتمع مشلول الإرادة والفعل، إنما غدت فاعلة ومؤثرة . وبالتالي تضاعفت القدرات والإمكانات البشرية العربية .
ورابع مواطن القوة العربية الدور الذي لعبه الشباب والصبايا في أحداث الربيع العربي، وما بات واضحاً من تطور الجيل العربي الجديد علمياً وفكراً سياسياً واجتماعياً، وقدرة على التواصل والتكامل فيما بين عناصره، بحيث غدا قوة فاعلة ومؤثرة . وإذا كان دوره قد اسُتلب وغُيب إلى حين، خاصة في مصر، إلا أن فاعلية شباب وصبايا فلسطين المحتلة مؤشر واعد . وليس من الواقعية في شيء تجاهل التطور الكيفي في قدرات المرأة والجيل العربي الجديد .
والثابت في تجارب سائر المجتمعات التي واجهت تحديات مصيرية أن هناك موقفين متمايزين، بل ومتضادين، من سلبيات الواقع المأزوم . موقف القوى والعناصر العاملة على استغلال ذلك، بتسليط الأضواء على الظواهر السلبية في حياة الجماعة، بهدف تعميق مشاعر اليأس والإحباط لدى نخبها وجمهورها، بما يكريس التبعية . وذلك ما لم يحد عنه استراتيجيو الاستعمار الأوروبي والامبريالية الأمريكية والعنصرية الصهيونية والقوى المحلية المستفيدة من واقع التجزئة العربي . فيما كان التركيز على الظواهر السلبية لتحفيز إرادة التغيير الجذري لتعظيم قوة الممانعة والمقاومة السمة الغالبة للملتزمين بالحقوق الوطنية ومناهضة قوى الغزو والهيمنة والاستبداد والفساد .
وطوال التاريخ الانساني كانت الأمم عريقة التاريخ، غنية الموروث الحضاري، تكتنز قوة معنوية طالما حفزت قواه واستنهضت همم أبنائها، وحالت دون القعود عن مواجهة الأعداء، وكثيرة هي الشواهد على ذلك في التاريخ الحديث . فقد نُقل عن نابليون قوله: في الحرب للمعنويات ثلاثة أرباع اللعبة والربع الأخير للرجال والسلاح . وعندما غدت الجحافل النازية تدق أبواب موسكو ذكر ستالين الروس بأمجادهم القومية وإنجازات بطرس الأكبر، وانتصارات كاترين الثانية، وبعد أن اجتاح هتلر وسط أوروبا . كثف الغارات على لندن والمدن البريطانية الأخرى، وحينها انتصب تشرشل مُنْذراً بتحطيم رؤوس النازيين على الشواطىء البريطانية، رافعاً إصبعيه بشارة النصر، وبعد استسلام فرنسا بزعامة المارشال بيتان، بطل الحرب العالمية الأولى، أعلن ديغول معركة التحرير بإسم “فرنسا الحرة”، وكان لاجئاً في بريطانيا، وانتصرت شعوب الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا بقيادة ستالين وتشرتشل وديغول . وهزم النظام النازي العنصري وانتحر هتلر .
وتاريخنا الحديث حافل بالبطولات، ويكفي التذكير أنه في السويس سنة 1956 وضعت مصر الناصرية نهاية دولتي الاستعمار القديم بريطانيا وفرنسا، وفي السنة التالية أفشلت مشروع أيزنهاور . فيما ألهمت ثورة الجزائر 1954 - 1962 معظم حركات التحرر الوطني الآسيوية والإفريقية والأمريكية اللاتينية . فيما أسقطت المقاومة أساطير التفوق الصهيوني، وفرضت على “إسرائيل” ردعاً متبادلاً في شمالها وجنوبها، وأفقدتها القدرة على الحرب بحيث غدت عاجزة عن تصدير أزماتها لجوارها العربي .
وليتذكر المتحدثون برصانة عن انتهاء المرحلة القومية في حياة العرب أنه في زمن المد القومي . ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية، ورحيل عبدالناصر امتلكت الحركة القومية العربية زمام المبادرة، وشكلت حاضنة لمختلف القوى الوطنية على اختلاف انتماءاتها السياسية وانتسابها الديني والمذهبي، مُقدمة البرهان التاريخي على أن العروبة هي الدرع الواقية لشعوبنا كافة، ولم تبد الظواهر السلبية في الواقع العربي إلا بعد انحسار المد القومي وإذ تعيش أمتنا مخاضاً طويلاً وقاسياً للتغيير الجذري، إلا أنه بكل المقاييس واعد ومبعث للتفاؤل والأمل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165300

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165300 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010