الأربعاء 1 نيسان (أبريل) 2015

فلسطين: حتى لا يكون التدويل زوبعة جديدة

الأربعاء 1 نيسان (أبريل) 2015 par د.احمد جميل عزم

ما فعله فوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة، هو تقصير المسافات والأزمان التي تصطدم بها المحاولات والمناورات العبثية التي قد يتورط بها الفلسطينيون والعرب على درب التسوية، بل ويُفقِد واشنطن قدرتها على الاستمرار في صناعة الوهم؛ فلا يوجد الآن توقع عودة للمفاوضات، كما كان يمكن أن يحدث لو فاز “المعسكر الصهيوني”. لكن الحل ليس التدويل فقط، ولا حتى مزاوجته بالمقاومة الشعبية بشكلها الحالي.
باتت القضية الفلسطينية تأخذ شكل زوابع صغيرة عابرة؛ بمعنى أنّ “السلطة الفلسطينية” تذهب إلى الأمم المتحدة أو هيئة دولية تطلب الانضمام إليها، أو تنضم فعلا، فتغضب إسرائيل، وتوقف الضرائب وتضغط على “السلطة”، ثم تتراجع. وهذا إن شكل مؤشراً على قدرة وهامش الفلسطينيين في تحصيل حقوقهم من دون التوقف كليا عند رد الفعل الإسرائيلي، فإنّه أيضاً يثير سؤال: ما هي الترجمة العملية لخطوات الانضمام لهذه المؤسسات والاتفاقيات الدولية، وتحديداً معناها لجهة الاقتراب من التحرير أو الاستقلال، ومعناها لحياة الفلسطيني في مخيمات الشتات والداخل، على السواء، أو متى سيكون لها معنى؟ بالتوازي مع استمرار التوسع الاستيطاني.
الآن، هناك حديث أوردته صحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية عن سعي (أو تفكير) أميركي إلى تفعيل مبادرة السلام العربية (السعودية) للعام 2002، والتي تقترح دولة فلسطينية، وحلا متفقا عليه للاجئين، مقابل التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية. والقراءة بين السطور، وحولها، يمكن أن تخبر لماذا قد تكون هذه “الفكرة” مطروحة. إذ بحسب الصحيفة، قد تطرح المبادرة في “منتدى دولي”، أو بطرحه مع “السلطة الفلسطينية والإسرائيليين”، وهذا قد يعني جمع العرب والدوليين مجدداً. وقد يتحمس العرب لمثل هذه الحراك، لأنّه يخرجهم من حرج السؤال: لماذا تحركتم في اليمن وغيره، وليس في فلسطين؟ تماماً كما كان مؤتمر مدريد 1991 زوبعة تالية للتحالف الدولي-العربي لتحرير الكويت. لكن “مدريد” تمخض عن زوبعة عابرة تكررت مرات، نتذكر منها، مؤتمر صانعي السلام في شرم الشيخ (1996)، و“واي ريفر” (1998)، ومفاوضات كامب ديفيد وطابا (2000 و2001)، والرباعية الدولية (2002)، ومؤتمر أنابوليس (2007)، ثم مجيء باراك أوباما وإدارته في الولايات المتحدة، ثم مجيء وزير خارجيته جون كيري ومحاولات التوصل لاتفاقيات. وكل هذا لم يؤد لشيء، بل إنّ اتفاقيات أوسلو التي أعقبت مفاوضات سرية، تمخضت في النهاية عن زوبعة كبيرة لم تؤدِ إلى تقدم حقيقي باتجاه أهداف الفلسطينيين أو قيادتهم.
قَدّم نتنياهو مؤخرا مؤشرا آخر على الإصرار على السياسات أحادية الجانب. فإذا كان الإسرائيليون انسحبوا من جنوب لبنان وغزة بشكل أحادي الجانب، ورفضوا حتى إعطاء الشركاء الأميركيين أو الطرف الفلسطيني فرصة ادعاء نجاح المفاوضات في تحقيق شيء، مثل انسحاب غزة، فإنّ الحكومة الإسرائيلية التي صادرت عائدات الضرائب الفلسطينية عقاباً على عضوية المحكمة الجنائية الدولية، قللت قيودها على دخول الفلسطينيين للأراضي المحتلة العام 1948، وتقدم إجراءات أخرى، فيما يمكن فهمه على أنّه مزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية؛ بالقول إن بيدها سلطة المنح والأخذ، وليس بيد السلطة الفلسطينية. وهذه، في الوقت ذاته، استراتيجية لتخفيف الضغط من جهة، مع تشديده من جهة أخرى في توقع أن يمنع هذا انفجار الأوضاع.
لقد خطت القيادة الفلسطينية خطوة في الاتجاه الصحيح بقرارها أن لا تفاوض من دون إقرار مسبق بمرجعيات وأهداف التفاوض، ومن دون وقف الاستيطان. لكن ما تفعله إسرائيل حاليا هو التأقلم، وتطبيع قبول العالم بتوقف المفاوضات، والبحث ببطء وتردد والكثير من اللغط عن بدائل.
“التدويل” وحده غير كاف كاستراتيجية عمل. ولنتذكر وجود مئات القرارات الدولية غير المنفذة، ومن المستبعد جدا أن تصل أو تقترب الإجراءات الدولية ضد إسرائيل مما وصلته بشأن حصار العراق أو إيران، وفي الحالتين لم يؤد هذا إلى تراجع “المحاصَرين”. لكن ما يمكن أن يؤدي إلى حراك حقيقي وزوابع ذات أثر في وجه الاحتلال، هو إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، وخصوصاً منظمة التحرير الفلسطينية، على أسس جديدة تجنّد الشباب الفلسطيني وطاقاته؛ من أكاديميين وإعلاميين وناشطين ورجال أعمال وطلبة، منتشرين في كل العالم، ويستطيعون التغلغل في مجتمعات وحياة كثير من الدول، كما يمكن أن يبلوروا استراتيجية مواجهة حقيقية على الأرض.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 74 / 2166016

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166016 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010