الجمعة 3 نيسان (أبريل) 2015

إلى أين يقود الكونغرس الولايات المتحدة؟

الجمعة 3 نيسان (أبريل) 2015 par رغيد الصلح

عندما يقرأ المرء خطب باراك أوباما حول السياسة الدولية وحول موقع الولايات المتحدة فيها يتخيل أن الأم تيريزا هي وزيرة الدفاع في واشنطن، وأن القوات الأمريكية المسلحة تتكون من الملائكة . ففي مقال كتبه لمجلة “فورين أفيرز” يقول الرئيس الأمريكي إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقود العالم بالإرغام، ولكن بقوة المثال والأفعال وبتقديم مثال للزعامة الدولية مزروع في أرض السلام والإنسانية . (تموز/ آب 2007) . قد يكون هذا فعلاً ما يرغب فيه أوباما، ولكن هل تقدم الولايات المتحدة اليوم هذا النموذج؟
هل تعبّر السياسة الأمريكية الخارجية عن رغبة في تحقيق هذه الأهداف؟
إن ما يصدر عن الكونغرس الأمريكي اليوم، وعن صقوره وخاصة من الحزب الجمهوري، يقدم صورة مختلفة عن تلك التي يرسمها أو يتخيلها باراك أوباما . فمن الكونغرس ومن القوى التي تسيطر على إرادته راهناً تنطلق حملات مركزة ضد الصين . ويخيل للمرء أن هذه الحملات هي دفاع عن موقع الولايات المتحدة كقطب أو كالقطب الأعظم في النظام الدولي، وأن واشنطن لا تقبل أن ينازعها أحد على مكانتها العالمية هذه . ولكن واشنطن، أو بالأحرى صقورها لا يقبلون حتى بتولي الصين مركز الزعامة الإقليمية . فالزعامة العالمية التي ينشدها هؤلاء للولايات المتحدة هي زعامة مركزية تنطلق من واشنطن لكي تبقى فيها .
يتصرف الزعماء الصينيين وكأنهم غير مهتمين بصعود الزعامة الدولية، إقليمية كانت أو عالمية . ولكن هذه الصورة غير دقيقة، إذ إنه يصعب عليهم أن يتجاهلوا فرص التعاون الإقليمي والقاري التي تطل عليهم من آسيا ومن دول المحيط الهادئ . استجابة لهذه الفرص اتجه الصينيون إلى بناء مؤسسات التعاون الإقليمي ومنها “البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية” . واستقبل البنك بحماس ليس في آسيا فحسب، حيث انضمت إليه الهند وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وفيتنام، وإنما حتى في أوروبا حيث انضمت إليه بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا إضافة إلى عدد من الدول الأخرى . ولقد كان الانضمام إلى البنك مؤشراً على مصداقية الصين التي تستعد لإنفاق التريليونات من الدولارات على مشاريع البنى التحتية في القارة الآسيوية، وتعلن التزامها بالتعاون السلمي مع جيرانها .
قابل الزعماء الأمريكيون، خصوصاً في الكونغرس، البنك الصيني الجديد بحملات النقد إذ وصفوه بأنه لن يلتزم بالمعايير الاقتصادية والمالية الدولية بخاصة، عند تقديم القروض، ولمحوا إلى أن البنك سوف يتولى تمويل المشاريع السياسية والعسكرية التي تخطط لها بكين . فضلاً عن هذا وذاك، انتقد الزعماء الأمريكيون الصين لأنها بتأسيسها البنك تهدد مؤسسات بريتون وودز الدولية القديمة والراسخة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . إذا صحت هذه الاتهامات، وخصوصاً الأخير منها، فمن يتحمل مسؤوليتها؟
حمّل المعلق فريد بيرغستين، مدير مؤسسة بيترسون الاقتصادية الدولية، في الفايننشال تايمز (16/03/2015) الكونغرس الأمريكي، واستطراداً الحزب الجمهوري المسيطر عليه، مسؤولية اتجاه الصين إلى إنشاء البنك بدلاً من وضع كل بيضها في سلة صندوق النقد الدولي . فالصين التي ترغب في دعم مشاريع التنمية على النطاق العالمي، كانت في الأساس تميل إلى تقديم هذا الدعم عبر الصندوق . واتخذت بكين سابقاً هذا الموقف لأسباب مختلفة منها الرغبة في إرضاء إدارة أوباما . لقاء هذا الموقف أمل الصينيون ومعهم العديد من أعضاء صندوق النقد الدولي المباشرة بإصلاح القوانين الداخلية للصندوق خاصة لجهة التصويت واتخاذ القرارات .
وبحسب هذه الطريقة فإن الدولة التي تصبح عضواً في مجلس الصندوق تعطى كوتا تحدد وفقاً لوضعها الدولي ولحجم اقتصادها العالمي . وبموجب هذه الكوتا يحدد حجم اشتراك المالي للدولة ونسبة الأصوات التي تملكها في المجلس . وتأسيساً على ذلك أعطيت الولايات المتحدة عملياً حق الفيتو على قرارات الصندوق مع أنها لا تملك أكثر من نسبة 15% من أصوات المقترعين، إذ أصرت الإدارة الأمريكية على ألا تمر مشاريع القرارات في الصندوق إذا لم تنل أكثر من نسبة 85% من الأصوات .
مع صعود الصين والنمور الآسيوية سلم الاقتصاد العالمي لم يعد بإمكان هذه الدول السكوت عن طريقة اتخاذ القرارات داخل الصندوق . ففي حين أن كلاً من الصين والهند والبرازيل التي تسهم بنسبة 19 % من الناتج العالمي لا تملك أكثر من 8% من حقوق التصويت، تملك الولايات المتحدة، كما قلنا أعلاه 15% من الأصوات . ولقد أدركت إدارة أوباما مخاطر تجاهل هذا الواقع المشوه، فتقدمت بمشروع لإصلاح أوضاع الصندوق إلى الكونغرس . وتضمن المشروع رزمة مقترحات لتعزيز قدرة الصندوق على تقديم القروض وإدخال تعديل على نظام التصويت . وأملت ادارة أوباما أن يوافق الكونغرس على هذا المشروع بحيث تتمكن من عرضه على مجلس إدارة الصندوق . ولكن الكونغرس الأمريكي الواقع تحت تأثير صقور الحزب الجمهوري رفض في بداية هذا العام المشروع .
إن تسمية البنك الصيني الجديد بالبنك الآسيوي هي مؤشر رئيس على المجال الذي سيركز عليه . إنه سوف يمول مشاريع في شتى القارات، ولكنه سوف يركز بالدرجة الأولى على القارة الآسيوية . ولا ريب في أن استثمار توظيف التريليونات من الدولارات في أية بقعة من العالم سوف يعزز المكانة الدولية للجهة المستثمرة إلى حد بعيد، أما التركيز على آسيا فإنه من شأنه أن يكرس الزعامة الإقليمية للصين في آسيا . وحتى في آسيا فإنه من الصعب أن تمارس الصين زعامة مطلقة تشبه الدور الزعامي الذي مارسته الولايات المتحدة سنوات طويلة في القارة الأمريكية في ظل مبدأ مونرو . ففي حين كانت الولايات المتحدة البلد الأكبر والأكثر ثراء من دون منازع، فإن الصين سوف تجد في الهند، على الأقل، من ينافسها على الزعامة الآسيوية .
من المفروض أن تهدئ هذه الحقائق البديهية من عداء صقور الكونغرس الأمريكي للصين، وأن تحد من اندفاعهم لمحاربة صعودها سلم الزعامة الإقليمية فضلاً عن زعامتها الدولية . ولكن السعي إلى حرمان الدول التي تتسلق سلم الزعامة عن جدارة واستحقاق أمر خطر للغاية وهو سبب لحروب كثيرة في التاريخ، منها الحربان العالميتان الأولى والثانية كما قال المؤرخ البريطاني الشهير أي . ه .كار . وفيما يزعم صقور الكونغرس الأمريكي أنهم يتصدون للصين خوفاً من خطرها على السلم العالمي، فإن مواقفهم المتهورة وتعصبهم القومي يبقيان العالم مسرحاً للصراعات وللحروب المأساوية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2176491

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176491 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40