الثلاثاء 21 نيسان (أبريل) 2015

إصلاح «منظمة التحرير»

الثلاثاء 21 نيسان (أبريل) 2015 par هاني المصري

تتطلب أي وحدة فلسطينية حقيقية إعادة بناء وإصلاح مؤسسات «منظمة التحرير»، بما يتناسب مع الحقائق الجديدة والخبرات المستفادة، وبما يضمن مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، بما في ذلك الشتات والمرأة والشباب.
نقطة البدء «منظمة التحرير»، كونها المرجعية السياسية العليا والممثل الشرعي الوحيد والشرعية المعترف بها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، وقدرة إسرائيل على التأثير عليها وعلى قراراتها أقل من قدرتها على السلطة، خصوصا إذا قررت – كما يُفترض - توزيع قياداتها ومؤسساتها بين داخل الوطن وخارجه، على أن يكون هناك جزء مهم منها في غزة، لأن الاحتلال فيها يأخذ شكل الحصار والعدوان والتوغلات، أي مختلف عن احتلال الضفة المباشر.
ونقطة البدء في المنظمة تكون في تفعيل الإطار القيادي المؤقت المنصوص عليه في «اتفاق القاهرة»، الذي ينص على تفعيل «لجنة المنظمة» باعتبارها إطارًا قياديًا مؤقتاً، قراراته غير قابلة للتعطيل بما لا يمس صلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة، إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني.
لم يُعقد الإطار القيادي المؤقت سوى مرتين أو ثلاث بشكل متباعد، ومن دون أن يأخذ صلاحياته المتفق عليها. ويقول المقرّبون من الرئيس الفلسطيني إنه بعث برسالة إلى مصر بعد «إعلان الشاطئ»، يطلب فيها عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت، إلا أنه لم يتلق ردًا مكتوبًا، وأتت الإجابة بأنّ القاهرة ترحب بعقده ولكن من دون مشاركة خالد مشعل، بسبب الخصومة بينه وبين القيادة المصرية. وهذا يعني تعذر عقد الاجتماع لأن «حماس» لن تشارك فيه من دون رئيسها. كما لا يمكن عقد الاجتماع في غزة لاقتضائه حضور قيادة «حماس» من قطر إلى غزة عبر مصر.
في ضوء ذلك، كانت هناك اقتراحات بعقد الإطار القيادي في الكويت عندما كانت ترأس القمة العربية، أو في مقر الجامعة العربية بوصفها بيت العرب، أو في عمان لأن فيها مقر المجلس الوطني، أو في الجزائر لأنها على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف. ونقطة ضعف هذه الاقتراحات أنها تتعامل مع مسألة عقد الإطار القيادي وكأنها فنية تتعلق بإيجاد مكان، وليس بوصفها سياسية تتعلق بقضايا عدة، من دون حلها لا يمكن إحراز النتيجة المتوخاة.
القضية الأولى التي تعيق عقد الإطار القيادي المؤقت، تتعلق بمدى الاستعداد لتحمل عواقب انضمام «حماس» و «الجهاد» لجهة احتمال سحب الاعتراف الأميركي والإسرائيلي، وربما الأوروبي والدولي بالمنظمة، وفرض عقوبات أخرى عليها، لأن هناك موقفا دوليا يطالب بموافقة «حماس» و «الجهاد» على شروط «اللجنة الرباعية» قبل اشتراكهما في حكومة وحدة وطنية أو في المنظمة. وقد سبق أن تعطّل الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة العام 2009 على خلفية عدم موافقتهما على شروط «اللجنة الرباعية»، وفُرِضت المقاطعة للسبب نفسه على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد «اتفاق مكة» العام 2007.
هناك رأي يستحق النقاش يفيد أن الظروف الآن مختلفة عما كانت عليه بين 2007 و2009، بسبب وجود أوهام آنذاك حول إمكانية استئناف المفاوضات الثنائية ووصولها إلى اتفاق. وكان يُنْظر إلى المصالحة الفلسطينية وقتها بوصفها عاملًا مساعدًا لإطلاق عملية التسوية وسحب الذريعة من يد الحكومة الإسرائيلية التي تقول بعد الانقسام بعدم وجود شريك فلسطيني، بحجة أن الرئيس أبو مازن لم يعد يمثل الفلسطينيين جميعًا وسلطته لا تحكم غزة.
أما الآن، وبعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فلا أوهام حول استئناف المفاوضات الثنائية، والموقف الأوروبي والدولي أقل تصلّبًا بخصوص انضمام «حماس» و «الجهاد» إلى المنظمة. ولكن ظهرت أوهام جديدة حول فرض حل دولي على الطرفين من خلال مفاوضات تعقد في إطار مؤتمر دولي ووضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال، الأمر الذي يعيقه انضمام «حماس» والجهاد إلى المنظمة من دون الموافقة على شروط الرباعية الظالمة والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني.
هناك اجتهاد لحل هذه المعضلة من خلال التمييز بين انضمام «حماس» و «الجهاد» إلى الإطار القيادي المؤقت وانضمامهما إلى المنظمة، أي أن حضور اجتماعات الإطار المؤقت لا يعني دخولًا فوريًا إلى المنظمة، وأنّ اللجنة التنفيذية ستبقى صاحبة القرار والشرعية إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني وتشكيل المؤسسات الجديدة. هل سيقبل حكام واشنطن وتل أبيب بهذه الصيغة، أم أنه آن الأوان لاعتماد مقاربة جديدة بعيدًا عن الرهانات الخاطئة؟
أما القضية الثانية فتتمثل بالمعارضة المصرية لعقد الإطار القيادي في ظل الخصومة بين مصر و «حماس». وهنا لا ينفع الاستخفاف أو التذاكي والبحث عن مكان لعقده، لأن أبو مازن لن يجازف بإغضاب مصر الراعية لاتفاق المصالحة وصاحبة الثقل الكبير والدور المهم في القضية الفلسطينية وبحكم الموقع الجغرافي لها.
ويتمثل المخرج المناسب بإيجاد حل لهذه الخصومة (المصرية ـ الحمساوية) من خلال إيجاد مسافة كافية بين «حماس» وجماعة «الإخوان المسلمين» التي تحارب النظام المصري، بوصفها جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية. وهذا يقتضي عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، والاعتراف بالرؤساء والحكام الحاليين باختيار أو من دونه من الشعوب العربية، مقابل عدم تدخل الدول العربية في الشؤون الداخلية الفلسطينية، إضافة إلى حرص الشعب الفلسطيني وقيادته وقواه على الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها والتنمية والعدالة والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
في هذا السياق، فإن ما ينطبق على مصر من سياسة «النأي بالنفس» التي تتبعها المنظمة ينطبق على سوريا والعراق واليمن وليبيا، فلا ينفع أن تكون قيادة المنظمة مع الحياد في سوريا ومع «عاصفة الحزم»، فيما «حماس» مع الشرعية اليمنية.
ثالث قضية تعترض اجتماع الإطار القيادي أن «فتح» تعتقد بأن المنظمة - الإنجاز التاريخي الأهم الذي حققه الشعب الفلسطيني في ظل قيادتها - هي آخر المؤسسات الموحدة التي تقودها «فتح» من دون منافس جدي، وليس من المحتمل السماح بإدخال منافستها الرئيسية «حماس» في الوقت نفسه الذي تسيطر فيه على قطاع غزة، ولا تخفي نياتها في أحيان ليست نادرة بالسيطرة على مصادر القرار والقيادة في السلطة والمنظمة.
لذا، إذا أردنا إقناع «فتح» بفتح أبواب المنظمة أمام «حماس»، وإذا أردنا إقناع «حماس» بالتخلي عن السلطة في غزة، فلا بد أن يكون ذلك في إطار رؤية جديدة واتفاق يشمل «ركائز المصلحة الوطنية العليا» (الميثاق الوطني) والبرنامج الوطني وأسس الشراكة التي تضمن مشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي في سياق تطبيق ديموقراطية توافقية، تناسب الخصوصية الفلسطينية التي تقوم على أن فلسطين في مرحلة تحرر وطني، والأولوية لإنهاء الاحتلال وهزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165395

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع هاني المصري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165395 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010