الثلاثاء 28 نيسان (أبريل) 2015

انتخابات بيرزيت انعطافة أم حالة عابرة؟

الثلاثاء 28 نيسان (أبريل) 2015 par هاني المصري

أثارت نتائج انتخابات جامعة بيرزيت الفلسطينية ضجّة كبيرة إثر فوز «كتلة الوفاء الإسلامية» بغالبية مقاعد مجلس الطلبة البالغة 51 مقعدًا، إذ حصلت على 26 مقعدًا، مقابل 19 مقعدًا لحركة «الشبيبة» (فتح)، و5 مقاعد لـ «القطب الديموقراطي»، ومقعد واحد لـ «تحالف بيرزيت» المكون من «الجبهة الديموقراطية» و «حزب الشعب» و «فدا».
وتباينت الاجتهادات بين من اعتبر هذه النتائج انعطافة تعكس تغييرًا نوعيًا لا ينحصر في بيرزيت، كونها تحوي مختلف الأطياف، إضافة إلى ما تمثله من تاريخ وخصائص وتعددية ورسوخ مبادئ وتقاليد العمل النقابي والديموقراطي؛ ما يعطي نتائج الانتخابات فيها مؤشرًا يعكس الحالة العامة، وبين من اعتبرها مجرد حالة عابرة تعود إلى أسباب خاصة بالكتل الطلابية بالجامعة، وليس لها أي أبعاد سياسية أو عامة. وسنحاول من هذه المقالة أن نبرهن أن ما جرى أكثر من حالة عابرة وأقل من انعطافة.
في العادة، لا يمكن الحديث عن تغييرات نوعية جراء حدث انتخابي يتيم حتى لو كان على المستوى الوطني العام، فما بالك بجامعة مهما بلغت أهميتها. بل يمكن الحديث عن تغييرات شاملة إذا جرت انتخابات مرات عدة (ما معدله ثلاث مرات)، وحصل حزب أو كتلة على غالبية أو نسبة كبيرة ثابتة ومستقرة.
إذا استعرضنا نتائج جامعة بيرزيت خلال السنوات العشرين الماضية، فسنلاحظ أن نتيجة هذا العام لا تغيّر جوهريًا أوزان الكتل الثلاث المتنافسة في الانتخابات خلال السنوات الماضية، فقد كانت النتائج متحركة، لكنها محكومة بنوع من الاستقطاب المستمر بين «الوفاء» و «الشبيبة».
فمنذ العام 1996 فازت «الوفاء» 8 مرات، مقابل 7 مرات لـ «للشبيبة»، مع استثناء سنوات الانتفاضة 2001 - 2003 التي لم تعقد فيها الانتخابات، وعامي 2010 و2011 التي قاطعت فيها «الوفاء» الانتخابات بسبب الاعتقالات والملاحقات.
الجديد هذا العام أن «الوفاء» تستطيع لأول مرة تشكيل المجلس وحدها، بعد حصولها على مقاعد أكثر من مجموع ما حصلت عليه الكتل الأخرى، وهذا لا يمكن أن يُفسّر بسبب واحد، وإنما يرجع إلى مجموعة كبيرة من الأسباب المتعلقة بالكتل المنافسة وفصائلها، وإلى أسباب أخرى سياسية ونقابية، وإلى الوضع في جامعة بيرزيت.
هناك مجموعة من الاستنتاجات التي يمكن أن تساعد على تفسير نتائج الانتخابات:
تميّزت «كتلة الوفاء» طوال هذا العام بنشاطها المتواصل وتقديم خدمات للطلبة، إضافة إلى انفتاحها أكثر من السابق عليهم. كما أنها أجادت في عرض أخطاء وعيوب خصومها، ووظفت صمود غزة ومقاومتها، والتنسيق الأمني، ودعوات محمود الهباش، خصوصًا لـ «عاصفة حزم» ضد غزة، وعدم رفع «الشبيبة» لصور الرئيس عباس وأحاديثه عن عدم العودة إلى صفد، وعن التنسيق الأمني المقدس، وتدخلات الأجهزة الأمنية بالاعتقالات والملاحقات، التي بلغت خلال الفترة القريبة الماضية حدًا يدفع الطلاب حتى غير المحسوبين على «حماس» إلى التصويت لصالحها احتجاجًا على هذه الانتهاكات.
ـ ساهم في نتائج الانتخابات صمود غزة والخسائر التي منيت بها إسرائيل في حربها الأخيرة، والحديث المتصاعد بشدة قبل أيام من الانتخابات عن صفقة تبادل أسرى جديدة، في ظل فشل عملية التسوية، وتعنت إسرائيل واتجاهها نحو المزيد من التطرّف والعنصرية. وهذا يفسر لماذا استمرت «حماس» قوية في وقت شهدت فيه جماعة «الإخوان المسلمين» تراجعًا في مختلف البلدان العربية.
ـ لم تستطع «كتلة الشبيبة» أن توظف عناصر قوتها، ولا أن تظهر عناصر ضعف خصمها، بل ظهرت كمن يدافع عن السلطة وتداخلها مع الأجهزة الأمنية التي داومت في جامعة بيرزيت في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات. وهذه نقطة ضعف أساسية، لأن أحداً لا يستطيع كسب القضية إذا دافع عن مثل هذه السلطة. وقد ظهرت الخلافات بين المحاور الفتحاوية المختلفة، سواء على مستوى اللجنة المركزية، أو موقف مروان البرغوثي من جهة وجماعة دحلان من جهة أخرى، أو على مستوى محاور «الشبيبة» نفسها.
كان بمقدور «الشبيبة» أن تبعد نفسها عن برنامج المفاوضات، والسلطة والأجهزة الأمنية ومساوئهما مثلاً، وأن تقدم برنامجًا وطنيًا تحرريًا جامعًا منفتحاً، استمراراً لما مثّلته «فتح» منذ انطلاقتها، لكن ذلك لم يحصل.
كما كان بمقدور «الشبيبة» إظهار نقاط ضعف «حماس»، خصوصاً لكونها تشكل امتداداً لجماعة «الإخوان المسلمين»، ما يعني أنها جزء من حركة سياسية عالمية تخضع لها ولأولوياتها، وهذا كان له انعكاساته السلبية جدًا على الفلسطينيين وعلى «حماس»، لا سيما بعد تراجع الجماعة، وما جرى ويجري في مصر، والعداء بينها وبين النظام الذي راحــت غزة والمصالحة بجريرته. هذا فضلاً عما يجري في سوريا بعد الموقف الملتبس من «حماس»، وانعكاسه على الفلسطينيين هنـــاك، تحديداً في مخــــيم اليرموك، وعلى موقف «حماس» وتحالفاتها العربية والإقليمية والدولية.
كما لم توظف «الشبيبة» فشل نموذج السلطة الذي أقامته «حماس» في غزة، لجهة تقييد الحريات وفرض الضرائب والانفراد في السلطة، ومحاولة فرض نموذج معين على المجتمع، وتخليها عن الحكومة، وموافقتها على أن تكون حكومة الرئيس، الأمر الذي يتناقض مع برنامجها السياسي ومواقفها السابقة، وذلك على أمل أن تتولى صرف رواتب الموظفين وفتح المعابر وتصحيح العلاقة مع مصر وإعادة الإعمار، مع استمرار تحكمها في السلطة.
كما كان بمقدورها إظهار أن المقاومة أصبحت، في ظل الجمع بينها وبين السلطة المقيدة باتفاقات ظالمة ومجحفة، وسيلة للدفاع عن سلطة «حماس» أكثر مما هي إستراتيجية للتحرير، بدليل أن التهدئة هي السياسة الممارسة معظم الوقت منذ العام 2003، فيما توظف المقاومة إما دفاعًا عن النفس في وجه عدوان إسرائيلي، أو كوسيلة لرفع الحصار، أو لتصدير مشكلات وأزمات ناجمة عن التحكم بسلطة من دون القدرة على الوفاء بالمسؤوليات المترتبة على ذلك، بينما لا يتم التركيز على المقاومة في التجمعات الأخرى، علماً أن القمع والتنسيق الأمني لا يمكن أن يكونا تفسيرًا لعدم الاستثمار في هذا المجال.
ختاماً، لم تتطرق هذه المقالة إلى سبب تراجع «القطب الديموقراطي» في الانتخابات الجامعية، لأنه بحاجة إلى معالجة منفصلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165897

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع هاني المصري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165897 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010