لا يكفي أن تعقد النية مع الوضوء على القيام للصلاة. ولا يكفي أن تسمع الأذان، فلا بد من تحري القبلة.. ولن تكون صلاتك مقبولة إن توجهت بعد علم إلى غير القبلة، بل إن الأمر حينذاك لا يكون إلا دربا من الفتنة لصرف الناس عن قبلتهم التي ارتضاها لهم ربهم سبحانه وتعالى.
ونحن أمة الهدى، بيدها كتاب منير، وأمامها صراط مستقيم، وأهدافها محددة، وغايتها واضحة. ولهذا، كانت متميزة عن الأمم التي تضرب خبط عشواء بأفكار أنانية استحواذية.. ومعالم طريقنا واضحة لا لبس فيها وضوابط حركتنا في الوجود بينة على الصعيد الشخصي والعام.. وبمقدار ما يحصل الخلل في هذا المجال نكون ابتعدنا عن سبيل الرشاد وافتقدنا مؤهلات الأمة الشاهدة.
نستجمع هذا القول لتقديم معيار يحقق لنا الأمن القومي والعزة الدينية والكرامة بين الشعوب والأمم.. وهانحن نواجه الأعاصير من قبل قوى الشر العالمية التي تستبيح دماءنا ومقدراتنا وحمانا.. فيما نحاول تلمس طريق الخروج من الفوضى القاتلة فتجرنا قوى الردة في الأمة إلى خارج السياق وتلقي بنا في مهاوي الردى.. وإذا بنا أمام قوى جديدة تمعن في إذلالنا وسفك دمائنا نيابة عن قوى المستعمر المجرم.
عندما فرض العدو علينا جريمته واحتل أراضينا وقطع أوصالنا.. نهضنا من كل مكان نقاتله ونتصدى لمخططاته فنجحنا أحيانا ولم نحقق نجاحات كانت ضرورية أحيانا أخرى.. نجحنا في طرد عساكره لكن لم ننجح في كسر مشروعه التجزيئي.. نجحنا في استرداد سيادتنا الوطنية لكننا لم ننجح في التحرر من التبعية الاقتصادية له وأحيانا الثقافية.. نجحنا في بناء الجامعات والمدارس لكننا لم ننجح في تحقيق النهضة العلمية والصناعية.. ولا تزال المعركة بأشكال عديدة بيننا وبينه ولن تنتهي إلا بإنجاز كل حقوقنا.
هذا هو الإطار العام لعلاقتنا بالمستعمرين الغربيين.. ولكن في لب هذا الصراع جاءت قضية فلسطين لتكون مجمع الأعصاب الرئيسية لكل هذه المعركة.. ترتبط بالوحدة والنهضة والسيادة والاستقلال والكرامة.. وهكذا تصبح فلسطين هي قبلة عملنا السياسي والنضالي فكل عمل وكل علم لا يرتبط بمصير فلسطين فهو عمل ضال ومشتت ولا مستقبل له.. لأن مصير الإسلام والأمة مرتبط بمصير فلسطين. وكما قال الإمام ابن باديس: “يا عرب إما فلسطين أو الموت”.. لأن فلسطين كما كانت بداية عالميتنا العربية الإسلامية الأولى، فهي الآن بداية عالميتنا العربية الإسلامية الثانية.. ونحن لسنا مخيرين بخيارات متوازية، إنما بخيارات متضادة. فإما إلى العلا وإما إلى السقوط والدمار..
وللأسف، استبدل قوم قبلتنا واتجهوا إلى غير اتجاهنا وساروا على غير صراطنا.. فلم تهزهم نداءات الأقصى والقدس الشريف ولم تقيدهم قيم الأمة في التناصح والتواد والرحمة والتعاون فاتجهوا يقطعون ما أمر الله به أن يوصل.. اخترعوا معارك جديدة وأوقدوا لها النيران واستحدثوا أعداء جددا ورفعوا رايات ضالة مضلة فسفكوا دم الأبرياء في اليمن والعراق وسوريا. وأعانوا العدو المستعمر المجرم على إخوانهم وأثخنوا في الأمة الجراح.
إنهم ضيعوا الاتجاه.. واستبدلوا الهدف.. فيما لا يزال العدو الصهيوني يستبيح المسجد الأقصى ويغير معالم القدس وفلسطين ويقتل في كل مكان ويطرد أكثر من 6 ملايين عربي مسلم من فلسطين.. إنهم الفتنة التي أصيبت بها الأمة وإنهم لا يجيدون إلا القتل في الأمة.. ولكن ضمير الأمة وروحها وعزيمتها ستتجاوز هذه الفتن بما لديها من منهج قويم.. تولانا الله برحمته.