الخميس 30 نيسان (أبريل) 2015

فتنة المسلمين بالرايات المذهبية الكاذبة

الخميس 30 نيسان (أبريل) 2015 par حبيب راشدين

الصراعات المذهبية والطائفية هي مثل الأورام السرطانية، لا نبادر إلى اكتشافها مبكرا حتى تكون قد استوت واستغلظت على عرقها وعصبها. ويكره أكثرنا أن يعلم أو يعلم من حوله الإصابة بالداء الخبيث، وإلا كان وجب على عرب وعجم المشرق العربي أن يعترفوا بوجود صراع شيعي سني، قد تحول إلى حرب مذهبية صريحة مفتوحة منذ أكثر من عقد من الزمن، بدأت في العراق، مع تنصيب الاحتلال الأمريكي لحكومة مذهبية شيعية، واتسعت إلى بلاد الشام تحت غطاء حراك الربيع العربي، وفتحت لها اليوم جبهة ثالثة في اليمن.

ولأنها نسخة من الحروب المذهبية الثلاث السابقة بين السنة والشيعة، فقد أخذت بعدا عرقيا (عربيا ـ فارسيا) ولباسا مذهبيا (سنيا ـ شيعيا) كما كانت في مواجهتين سابقتين في زمن التمدد الصفوي، مطلع القرنين السادس عشر والسابع عشر، وفي الثالثة بعد قيام دولة ولاية الفقيه في الثلث الأخير من القرن الماضي، كما كانت بغداد هي بؤرتها الأولى في المواجهات الثلاث، تستدعيها كلما وهن عظم الحكم العربي السني فيها، أو وجد من يفت عضده من أقاليم الشمال الإسلامية والغربية.

فعلى امتداد 1253 سنة من عمر المدينة التي شيدها الخليفة العباسي المنصور سنة 762 م لم تكن بغداد حاضرة خالصة لحكام عرب من السنة إلا لـ 184 سنة، قبل أن تسقط بيد النفوذ الفارسي زمن البويهيين، ثم السلاجقة الأتراك منذ 1055، لتسقط تحت الحكم الإيليخاني المغولي سنة 1258، أعقبه الاجتياح الجيلاني الفارسي سنة 1340، ليتداول عليها الفرس الصفويون مرتين (1508 و1621) والأتراك العثمانيون مرتين (مع سليمان القانوني سنة 1534، ومع مراد الرابع سنة 1638) إلى غاية سقوطها تحت الاحتلال البريطاني سنة 1916 على يد الجنرال ستانلي مود، وسقوطها الأخير تحت الاحتلال الأمريكي بداية 2003 الذي اشتغل ببراعة على تسخين المرق المغذي للورم المذهبي، ليفتن العراقيين والعرب معهم بإحيائه بخلفيته القومية.

غير أن العنصر الحاضر في جميع هذه الحملات كان بلا شك العنصر الفارسي، قبل وبعد أن يضع عمامة آل البيت زمن الصفويين. وله اليوم النصيب الأكبر في إشعال الحروب في ثلاث دول عربية: العراق، وسورية، واليمن، ويتربص برابعة في لبنان، وخامسة في البحرين، وسادسة وسابعة كانت ستفجر في الكويت، والساحل الشرقي للسعودية، بحجة نصرة الأقليات الشيعية فيها.

في جميع هذه الدول كان الشيعة أقلية، وهم كذلك في العراق، قبل أن يحولهم الحاكم الأمريكي بريمر إلى أغلبية بتقسيم السنة إلى عرب وأكراد، وهم مع العلويين أقل من القلة في سورية ولبنان، ولم يكن الزيدية شيعة حتى سلك حسين الحوثي ببعض الزيدية طريق الولاء لولاية الفقيه، ولم يتحرك عرب الخليج لمواجهة التمدد الإيراني الفارسي تحت العباءة المذهبية حتى أحاط بهم من جهة مقتلهم في اليمن، وكاد يحقق التواصل الجغرافي حتى شواطئ المتوسط ويبتلع الشام لا يعوقه سوى ظهور ما يسمى بالدولة الإسلامية.

عشر سنوات من الحرب المذهبية المقنعة في العراق لم تكن كافية لتفجير مواجهة مذهبية صريحة بين السنة والشيعة كما أرادها المحتل الأمريكي، ليأتي الصاعق من بلاد الشام بتدخل حزب الله في الحرب الأهلية السورية، التي ما كانت لتتحول إلى حرب يطغى عليها الطابع المذهبي لولا انخراطه فيها بوجه مذهبي سافر منذ معركة القصير، ورفع الرايات الحسينية فوق مساجدها، قبل أن تتدافع قوات الحرس الثوري الإيراني لنصرة الحليفين في العراق وسورية، وصدور فتاوى من مراجع النجف وقُم، تستنفر عوام الشيعة للقتال في تكريت والرمادي والموصل.

الإيرانيون لم يكتفوا بدعم وتشجيع الغلو المذهبي في سلوك الحكومات العراقية الشيعية الوارثة لحكم العراق من الحاكم بريمر، ولا بدعم الحليف السوري في حرب أهلية، سقط فيها حتى الآن أكثر من 200 ألف ضحية، ولا بتحريض شيعة البحرين على التمرد، أو باحتضان الحوثيين وهم يفتكون بتوافق هش على اقتسام السلطة، أخذوا فيه ضعف مستحقاتهم، حتى استبدت بحكام طهران نشوة الانتصارات السياسية والعسكرية، حولها بعضهم إلى انتصار للمذهب، وخولت لأحد كبارهم القول بسقوط رابع عاصمة عربية، وقول آخر إن الإيرانيين أصبحوا سلاطين البحار الثلاثة: الخليج “الفارسي” والبحر الأحمر، والأبيض المتوسط. تصريحات استفزازية زادت من تسعير الاحتقان المذهبي الذي اشتغلت عليه المخابر الأمريكية، وروجت له قنوات سب الصحابة وأم المؤمنين عائشة، وتدوير أسطوانة “ثارات الحسين” على مدار الساعة.

على المستوى الإنساني الصرف، وبعيدا عن التعصب القومي أو المذهبي، لم تكن “عاصفة الحزم” لتجد أدنى تعاطف أو تفهم في الشارع العربي لولا ذلك الصلف الإيراني قولا وممارسات على الأرض، وما كانت لتدان حتى يدان معها القتل المتواصل في سورية تحت سقف مذهبي صريح، وإدانة الشراكة الأمريكية الإيرانية في الحرب على عرب العراق من السنة بحجة قتال الدولة الإسلامية، وجميعها حروب مدانة جملة وتفصيلا، وإلا كان الكيل بمكيالين.

بقي على العرب والإيرانيين وحلفائهم أن يعوا ـ بعد أن يقتنع الجميع بأن معارك العراق، والشام، واليمن، هي جبهات ثلاث للصدام الشيعي السني الذي استدرجنا إليه الشيطان ألأكبرـ أن يعوا ويستشرفوا تبعات غلو وشطط حكامهم على مستقبل المنطقة ومصالح شعوبها وأمنهم، وأن السبيل إلى منع قيام حرب المائة سنة، التي توعدنا بها الغلاة من المحافظين الصهاينة قبل وبعد الغزو الأمريكي للعراق، يكون بنزول قادة طهران ودول الخليج من قمة شجرة المبارزة المذهبية التي ركبوا فروعها المهترئة، والبحث عن تسويات في العراق وسورية واليمن ولبنان بعيدا عن الاستقواء لا بالحليف الأمريكي ولا بالظهير الروسي والصيني، لأن صداقتهم ظرفية لا تدوم، وعداوتهم للمسلمين ثابت موثق من ثوابت التاريخ.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165580

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حبيب راشدين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165580 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010