الخميس 30 نيسان (أبريل) 2015

زى الفُـل

الخميس 30 نيسان (أبريل) 2015 par فهمي هويدي

حين قرأت تصريحا رسميا أكد أن مياه الشرب في مصر «زي الفل»، وأن اللغط المثار حول الموضوع هو جزء من حرب نفسية تستهدف إثارة البلبلة والذعر بين المصريين، اقتنعت بأن هناك مشكلة يراد تغطيتها بحجة المؤامرة.
ولم أكن بحاجة إلى الاعتماد على سوء الظن بمثل هذه التصريحات، لأنه في اليوم الذي نشرت فيه صحيفة «التحرير» هذا الكلام على لسان رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب (أمس الأربعاء ٢٩/٤)، كانت بقية الصحف المصرية تنشر معلومات أخرى شككت في صدقية كلام الرجل أو ما نسب إليه، فتلوث المياه وتسممها أمر صار ثابتا في محافظة الشرقية والأسئلة مازالت مثارة حول مصدر التلوث، وإن كانت أكثر الأصابع تشير إلى مسؤولية محطات التنقية الخاصة عنه.
ثم إن هناك شكوكا أخرى لم تتأكد حول احتمالات تلوث المياه في محافظتي البحيرة والإسكندرية.
وفي الوقت ذاته وجدنا أن منظمة الصحة العالمية أرسلت خطابا إلى وزارة الصحة المصرية طالبتها فيه بضرورة التأكد من انتشال الفوسفات من مياه النيل أمام محافظة قنا بصعيد مصر، للحيلولة دون ضمان ذوبانه في المياه بما يحمله من مواد مشعة. وإلى أن يتم ذلك فإن المنظمة الدولية طالبت بمنع المواطنين من شرب مياه النيل مباشرة في المنطقة المحيطة، لما قد يسببه ذلك من أضرار صحية بالغة.
الشاهد أننا إزاء أزمة حقيقية، لا ينبغي المبالغة في حجمها وأثرها بطبيعة الحال، إلا أنه لا يجوز التهوين من شأنها أو تجاهلها، ناهيك عن الادعاء بأنها مؤامرة وأن المياه «زي الفل».
كنت قد تطرقت إلى بعض جوانب الموضوع ودلالاته هذا الأسبوع (في ٢٦/٤)، باعتباره من علامات تدهور الخدمات الأساسية التي تقدم للمصريين، التي أفسدها التسيب والفساد.
وتلقيت تعليقات عدة على ما كتبت، استوقفني منها تعليق لأحد الخبراء العاملين في المجال، هو المهندس الاستشاري أحمد حسين قنديل، الذي أثار في تعليقه عدة نقاط مهمة هي:
< لكي يصل للمواطن كوب مياه نظيف فلابد من توافر منظومة متكاملة تبدأ بمصدر نقي للمياه هو نهر النيل (إذا استثنينا المياه الجوفية والمحلاة) يليه محطة تنقية تقوم حقا بدورها في التنقية، ثم يجب أن تمر المياه بعد تنقيتها بأمان داخل مجموعة من الشبكات والخزانات حتى تصل إلى المنزل.
< قد تستطيع محطات تنقية المياه (إذا أدت وظيفتها) التخلص من البكتريا والفيروسات في مياه النيل ولكنها لا تستطيع (لأنها غير مصممة) أن تتخلص من المعادن الثقيلة التي قد تصل إلى النيل من الصرف الصناعي (وتشمل تلك المعادن الكادميوم والزئبق والرصاص وغيرها).
وتتراكم المعادن الثقيلة بمقادير ضئيلة داخل الجسم البشري دون أن يستطيع التخلص منها. وباستمرار التراكم البطيء تبدأ عدة أمراض متنوعة في الظهور من فشل بأجهزة الجسم المختلفة أو سرطانات أو أمراض تصيب الجهاز العصبي والقدرات العقلية. الأمر الذي يعني أن خطورة التلوث الصناعي على مياه النيل هي أضعاف خطورة التلوث بمياه الصرف الصحي (مع التسليم بأن كليهما ضار).
< أخيرا إذا خرجت المياه بحالة جيدة ومطابقة للمواصفات من محطة التنقية فلا تزال هناك إمكانية لتلوثها في رحلتها إلى المواطن من خلال الشبكات والخزانات. والعامل الحاسم في القرى التي لا يوجد بها صرف صحي متكامل هو تلوث شبكات المياه من خلال التربة المشبعة بمياه الصرف الصحي.
< أتفق تماما مع الدعوة إلى ضرورة وجود جهة رقابية مستقلة لهذه المنظومة تكون لديها معامل مرجعية تقوم بالتفتيش الواجب.
وقد كانت الرؤية الاستراتيجية عند إنشاء الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي هي وجود جهاز رقابي مستقل وهو الجهاز التنظيمي لمياه الشرب.
وقد أنشئ بالفعل ذلك الجهاز في ٢٠٠٥ ولكن الصراعات السياسية الصغيرة جردته من الاستقلالية الواجبة. وتلك قصة أخرى، وربما حان الوقت الآن للنظر في تمكين هذا الجهاز.
< ليست هذه أول مرة تتبادل الحكومة مع جهات أخرى الاتهامات حول المسؤولية عن تلوث المياه. ففي سبتمبر ٢٠١٢ طالعتنا الصحف بأخبار عن تلوث مياه قرية «صنصفط» بالمنوفية وتسمم عدد كبير من مواطني القرية.
وقرأنا آنذاك عن تبادل الاتهامات بين عدة جهات مختلفة (جهة حكومية منوط بها توصيل المياه النظيفة للمواطنين وجهة أخرى خيرية قامت بتوفير محطة آبار من تبرع أهالي القرية القادرين).
ورأينا وقتذاك مظاهرات خرجت منادية بكوب مياه نظيف.
< لا يوجد حل سحري لكن هناك خطوطا عريضة تشمل:
١ــ توفير استقلالية تامة لجهة رقابية عليا تقوم بحماية نهر النيل من أي تعديات وأهمها الصرف الصناعي والصحي والزراعي والنفايات الصلبة. وحبذا لو كانت تلك الجهة مستقلة تماما عن الوزارات وتتبع مباشرة رئاسة مجلس الوزراء مع توفير الإمكانيات اللازمة لها. فنقاء مياه نهر النيل والحفاظ على صحة المصريين هما قضيتا أمن قومي بامتياز.
٢ــ النظر السريع في حلول للصرف الصحي بالقرى وفي الواقع فإن معظم قرى مصر تعوم على مياه الصرف الصحي وهو وضع خطير يؤثر على صحة المواطنين وأساسات المباني أيضا.
٣ــ لابد من مراجعات شاملة للهياكل التنظيمية التي تتحكم في تنفيذ وتشغيل والإشراف على البنية الأساسية لهذا القطاع.
من عندي أضيف أنه حينذاك فقط يمكن القول إن مياه الشرب أصبحت «زي الفل».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178702

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178702 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40