السبت 2 أيار (مايو) 2015

هل من مشروع مارشال للمنطقة العربية؟

السبت 2 أيار (مايو) 2015 par رغيد الصلح

عقب كل تدهور اقتصادي - أمني في الأوضاع العربية، تتكرر الدعوة إلى إطلاق مشروع مارشال موجه إلى المنطقة العربية . فبعد مقتل المئات من المهاجرين العرب والأفارقة على سواحل أوروبا الإيطالية، ترددت الدعوات إلى معالجة مأساة المهاجرين من جذورها . والجذور تكمن في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية البائسة التي تخيم على الدول العربية في جنوب وشرق المتوسط والدول المجاورة لها . وقبل سنوات وبعد أن تراجعت موجة التفاؤل التي رافقت وتلت ما يسمى “الربيع العربي” وبدأت معالم التراجع في الأفق الاقتصادي والأمني تطغى على أحداث المنطقة، صرح جون كيري، وكان وقتها عضواً في مجلس الشيوخ، “إننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى مشروع مارشال موجه إلى الشرق الأوسط” . إضافة إلى كيري، تحدثت هيلاري كلينتون عن الحاجة إلى بعض المبادئ التي تضمنها المشروع في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، كما تطرق جون ماكين، عضو مجلس الشيوخ والمرشح الرئاسي، إلى نفس الفكرة . وفي نفس المدة تقريباً تطرق بعض السياسيين الأوروبيين البارزين إلى نفس الموضوع، ومن هؤلاء فرانكو فراتيني، وزير الخارجية الإيطالي الذي لم يقتصر على إطلاق إشارة عابرة حول الموضوع وإنما حاول توضيح الفكرة والدخول في تفاصيلها .
بدت هذه التصريحات والمواقف، خاصة بمنظار العلاقات الأمريكية-العربية وكأنها خروج عن المألوف لجهة إعطاء واشنطن الأولوية المطلقة في سياستها الشرق أوسطية لأمن “إسرائيل” ومصالحها الحيوية . فهدف سياسة جورج مارشال، وزير خارجية الولايات المتحدة الذي أطلق المشروع عام ،1947 كان مساعدة أوروبا حتى تنهض على قدميها وتتمكن من الوقوف في وجه النفوذ السوفييتي المتزامن مع نمو الأحزاب الشيوعية في دول أوروبا الوسطى والغربية . أكثر من ذلك، عبر المشروع عن يأس من نجاعة سياسة التعامل مع الدول الأوروبية على أساس ثنائي، وتحول إلى اعتماد سياسة دعم الدول الأوروبية كمجموعة وصولاً إلى التعاطف مع “المشروع الأوروبي” فهل تعبر “مشاريع مارشال” العربية المتداولة حقيقة عن تغير في سياسة واشنطن تجاه العرب . إن أهل القرار والرأي من الأمريكيين النافذين والأوروبيين البارزين يعرفون تماماً الفوارق بين مشروع مارشال الموجه إلى أوروبا وبين مشروع مارشال الموجه إلى المنطقة العربية . وتتمثل هذه الفوارق فيما يلي:
أولاً، أن مشروع مارشال الأوروبي الأهداف مكّن أوروبا من العودة بسرعة قياسية إلى استعادة مكامن القوة والمناعة على كل صعيد سياسي وأمني واقتصادي وثقافي، بحيث انعكس هذا التحول ليس على علاقتها بالمعسكر الاشتراكي فحسب، بل وحتى على الولايات المتحدة نفسها خاصة بعد صعود الديغولية وعودة اليسار الأوروبي إلى الساحة السياسية . أما مشروع مارشال الموجه إلى المنطقة العربية، فإنه من الصعب أن يتصوره المرء إلا كسياسة تتوخى مساعدة الدول العربية على صد صعود الاسلام السياسي والصعود الايراني، ولكن من دون أن تهدد، بأي شكل من الأشكال، أمن “إسرائيل” أو تفوقها على العرب . ولعل هذا ما يفسر الفارق بين دعوة هيلاري كلينتون إلى الأخذ “ببعض مقومات” مشروع مارشال، وبين تطلع كيري، الذي لا يضاهي كلينتون في دقتها، إلى تطبيق المشروع من جديد . ومن الأرجح أنه كان في ذهن كلينتون تقديم مساعدات ذات قيمة استراتيجية إلى الدول العربية ولكن على أساس ثنائي بحت وخارج أي إطار جماعي عربي . وفي نهاية المطاف فإن هذا الموقف الكلينتوني هو أقرب إلى التعبير عن رأي جميع الذين دعوا إلى إطلاق مشروع مارشال للمنطقة العربية بمن فيهم جون كيري .
* ثانياً، أن النسخة العربية من مشروع مارشال الذي يتحدث عنه بعض أهل القرار والرأي في الغرب، لا تطابق النسخة الأوروبية منه . فجورج مارشال لم يضع سقفاً لنهوض أوروبا . لقد سعى مارشال إلى إطلاق طاقات أوروبا كلها حتى تتمكن من صد الشيوعية والاتحاد السوفييتي . ولعله لم يخطر على باله أن السوق الأوروبية المشتركة، بصورة عامة، وألمانيا الفدرالية بصورة خاصة سوف يضطلعان بدور رئيسي أو بالدور الرئيسي في تفكيك وانهيار المعسكر الاشتراكي . وحتى ولو تأكد لمارشال هذا الأمر، لما وجد فيه خطراً على الولايات المتحدة وعلى دورها العالمي . ومن هنا كان مفروضاً بمشروع مارشال أن يضع أوروبا على طريق النهوض وأن يترك للذين كانوا يقودون القطار الأوروبي أن يحددوا وجهة سيره ومحطاته الفرعية والرئيسية والأخيرة .
هذا المسار يختلف اختلافاً كبيراً عن تجارب التعاون الغربي - العربي . قدمت دول غربية مساعدات مهمة إلى فاعلين عرب حتى يتغلبوا على أطراف ثالثة . ساعدت دول أوروبية العرب على صد مشروع تتريك المنطقة العربية . ولكن المساعدة الأوروبية لم تكن مفتوحة، ولم تكن في حقيقتها مساعدة للعرب . وقد اعتبرها بعض العرب الذين كانوا يثقون بالغرب شيئاً من هذا القبيل أي أنها كانت تحالفاً بين طرفين من أجل إلحاق الهزيمة بطرف ثالث . ولكن الذي قدم هذا العون لم يكن يملك عقلية جورج مارشال بل قدمه من كان يعتبره لقاء وظيفة مؤقتة أعطيت للعرب حتى يعبدوا الطريق أمام استيلاء الإمبريالية الأوروبية على المنطقة العربية . ولقد انتهت تلك الوظيفة بسقوط الإمبراطورية العثمانية وبانتقال العرب من التبعية لسلطة عثمانية متهالكة إلى التبعية لإمبريالية أوروبية متجددة وشرهة .
رغم هذه الفوارق التي تشكل ضمانات ل “إسرائيل” بأن مشروع مارشال الأطلسي، إذا طبق فعلاً - علماً بأن هذا الاحتمال مستبعد-، ورغم أن ما سمعناه وقرأناه عن هذا المشروع يؤكد أنه مبادرة تتضمن العمل على جمع العرب و“الإسرائيليين” ضمن إطار مشترك . ورغم أنه هناك أمثلة حية على هذا الإطار مثل المعاهدات المعقودة بين “إسرائيل” ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية، أو مثل الحوار المتوسطي الذي يتم في إطار حلف الأطلسي والذي يضم عدداً أوسع من الدول والأطراف العربية . ورغم أن الاتفاقيات قد وضعت بحيث ترسخ ولا تعطل تفوق “إسرائيل” في المجالين العسكري والاقتصادي على الأقل . رغم ذلك كله فإن مجرد العودة إلى مشروع قد يشجع الدول العربية على التعاون الحصري بين بعضها بعضاً، هو أمر يعتبر من المحرمات “الإسرائيلية” ومن ثم الأطلسية . أما جورج مارشال شخصياً، فإنه من العسير على “الإسرائيليين” أن ينضموا إلى مشروع يحمل اسمه . فهذا الرجل، الذي وصفه رئيس الجمهورية الأمريكي ترومان بأنه “أعظم الأمريكيين الأحياء” كان له من الصدق والإخلاص للقيم الإنسانية ما جعله يعارض السقطات الكبرى التي وقعت فيها الولايات المتحدة مثل تدمير هيروشيما بالقنبلة النووية والاعتراف ب “إسرائيل” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165646

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165646 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010