السبت 9 أيار (مايو) 2015

نهاية عصر لبنان الإعلامي

السبت 9 أيار (مايو) 2015 par نسيم الخوري

بعدما نشرت نصّاً بعنوان: «ما قيمة الأرض في عصر الفضاء»، وفيه تلميح واضح إلى سقوط دولة الإعلام في لبنان، عاتبني الكثير من الإعلاميين، في التلفزيونات اللبنانية، إلى درجة أن ردود فعلهم دفعتني لتزويدهم بمحاضرتين هذا العام في المجلس الكاثوليكي للإعلام شرحت فيهما بموضوعية، أسباب توقعي المرجّح لأفول عصر الذهب الإعلامي في لبنان.
طبعاً، ليس السبب الحرية الإعلامية التي لم نكن نجدها في أيّ وطن في العالم ولم تكن تروق العرب كثيراً، ولا التماهيات التي يتقمّصها العديد من الإعلاميين في سلوكهم المتشاوف بالسياسيين والمموّلين، شكلاً ومضموناً، ولا بالسلطات الهائلة التي كان يمنحهم إيّاها هؤلاء كما الجمهور لا اللبناني وحسب، بل العربي، بل يكمن السبب في أنّ العالم العربي أنقلب بسرعة هائلة إلى رحم يتدفّق بالقنوات الوليدة التي مهّدت ورافقت وأعقبت ما يسمى «ثورات الربيع العربي»، وانفتحت الظاهرة ليس كحاجات إعلامية وحسب، بل تلبية لأغراض سياسية وتشظيات متنوعة لا حدود واضحة أو مرسومة لها حتى الآن.
وبات يمكننا القول إنّ المشاهد العربي خرج من عصور تمويل وسائل إعلامنا وتتبّع برامجنا وامتلك ناصية الفضاء وهو يدعونا إلى اللحاق به والتفرّج عليه، وبان الربيع العربي حقولاً واسعة من كاميرات المواجهة بين شاشات العرب بأخبارها ومحلّليها يمكن اختصارها بمشهدين متغيرين، الأول يتمثّل في النظام بأوسع معانيه، والثاني يتركّز على الساحات والشوارع العربية المتظاهرة التي بدأت من تونس ثم مصر ودول «الربيع العربي». وعلى الرغم من أنّ لبنان نأى بنفسه بالمعنى السياسي، لكنّ إعلامه الخاص كان شرساً في قلب المواجهات لأسباب كثيرة لن نغوص فيها، لكنه كان مغالياً وتقلّصت جاذبيته كثيراً للعين العربية والإقليمية فوقع في ما يشبه العتمة العربية، حيث شحّت مصادر تمويله ودعمه، في ظل المنافسة الكبيرة والمتعة المباشرة التي اكتشفها العرب في خوضهم غمار البث الفضائي.
منذ 1 مايو 2015 أنذرت القنوات الأرضية اللبنانية الخاصة، وهي سبع قنوات غير مشفّرة، شركات الكايبل بدفع 4 دولارات عن كلّ منزل أوبالتوقف عن إعادة بثّ برامجها إلى اللبنانيين تحت طائلة المسؤولية.
رفضت هذه الشركات الإنذار وأوقفت بث القنوات في مناخٍ أعرض فيه اللبنانيون عن شاشاتهم، خصوصاً أنهم في عالم فضائي حر يسمح بالتقاط تلك المحطات السبع وألوفاً غيرها بصحن فوق السطح أو على الشرفة أو بواسطة الإنترنت.
فهناك 17 قمراً صناعياً تغطي أصقاع العالم. وإذا ما أردنا التدقيق أكثر لوجدنا أنفسنا لبنانياً أمام تحولات كبرى في الإرسال التلفزيوني يعيدنا إلى 1985 عندما باشرت المؤسسة اللبنانية للإرسال الخاصّة بثها مع أنّ حقوق البث الرسمية كانت تمتدّ إلى العام 2012، ثمّ ظهرت أول فضائية عربية خاصة من المغرب في آذار/مارس 1989 باسم القناة الثانية، وانطلقت مع نهاية 1991 قناة «إم بي سي» مشروعاً فضائياً خاصاً غطى بثه كافة الدول العربية، وكانت النتيجة الطبيعية أن تعاظمت اليقظة الهائلة إلى الشاشات حيث وصل عدد القنوات مع نهاية العام 2014 إلى 1294 قناة، تتولى بثها نحو 758 هيئة عربية منها 29 هيئة عامة و 729 خاصة.
وهنا تكمن إشكاليات واسعة بين العام والخاص لا مجال لشرح تنوعها ووظائفها في هذا المقام.
أين كان لبنان قبل ال1991؟ كانت وسائل إعلام لبنان حاجة ملحة عربية من كافة المصادر ولم تكن إعلاماً لبنانياً كاملاً.
كيف؟ أحصيت عناصر الإعلام في لبنان بين ال 1975 وال 1995، ووجدت إضافة إلى إذاعة لبنان و182 محطة بث إذاعي، تلفزيون لبنان الرسمي و60 محطة بث تلفزيونية خاصة إلى 625 مطبوعة وامتياز من كلّ الأنواع، وكلّها تتعاطى السياسة وبكلّ اللغات العربية والفرنسيّة والإنجليزية والأرمنية، وكلّها كانت تجد من يموّلها.
وإذا كانت الدولة قد عمدت إلى إعادة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع بعد اتفاق الطائف، فإنّ مشاعية أعقبت هذا التنظيم على مستويات المعلومات والمعارف والمسؤولية ومصادر التمويل والبرامج التي تفرضها دفاتر الترخيص بالبث وبقيت مسائل نظرية تدمج السياسي بالتجاري عملياً.
أين كان يذهب هذا الضخ الإعلامي الكثيف من وطن الإعلام؟ وكيف؟ ما هي فوائده؟ وإلى مَن يتوجه فعلياً، ومَن يخاطب مباشرة؟ ما هو نصيب الوطن منه والقيم والعرب واللغة؟ بل ما هي الخطط والآفاق والفلسفات الكامنة وراءه؟ لن ندّعي الإجابة عن هذه الأسئلة ومئات شبيهة لها، بل نجد أن الإعلام الذي استخدم لبنان ساحةً تقع بقاياه، أعني الشاشات اللبنانية السبع في مأزق التمويل وترتدّ نحو مشاهديها في محاولة التعويض عمّا ذهب من أرض العرب وقد ركبوا الفضاء، لكن يخطئ من لم ينتبه أن العين اللبنانية غادرت منذ زمن طويل في عصر الفضاء واعتادت اللحاق بالكثير من قنوات العرب والعالم وتأخذ معظم أخبارها المحلية من مواقع التواصل الاجتماعي، بينما هي تلحق بالفضائيات العربية المتزاحمة في الفضاء.
الإعلام أقوى من السلطة، بل هو السلطة الجديدة بالمعنى الثقافي واللغوي.
وتتوقف هذه السلطة على مسألة الانتماء في تأرجحها بين عالم الإنتاج وعالم الاستهلاك الموجَّه مباشرة، أو بشكل غير مباشر في معظم الأحيان.
فيبقى الإعلام غير المباشر هو الأفعل.
وينتمي لبنان، وهنا تتضاعف الصعوبة، إلى العالم المتلقي حيث يبدو اللبنانيّون متفرّجين مستهلكين بالمعنى الإعلامي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2178810

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع نسيم الخوري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178810 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40