السبت 16 أيار (مايو) 2015

حقائق الأزمة بين النظامين العربي والإقليمي

السبت 16 أيار (مايو) 2015 par د. محمد السعيد ادريس

تفرض الإشكاليات الحاكمة للعلاقة بين النظامين العربي والإقليمي الشرق أوسطي ثلاث حقائق مهمة ينبغي إدراكها عند أي شروع في إعادة تنظيم هذه العلاقة بالشكل الذي يحقق الاستقلالية والفعالية المطلوبة للنظام العربي في مواجهة نوازع الهيمنة والتسلط التي تسعى إلى فرضها القوى الإقليمية الثلاث المتصارعة على زعامة إقليم الشرق الأوسط. هذه الحقائق الثلاث، باتت تعمل كمحددات للعلاقة بين النظام إضافة إلى تطورات ومتغيرات أخرى مهمة أخذت تتراكم وتزيد من تعقيد هذه العلاقة التي تحولت إلى أزمة متفاقمة بين النظامين.
الحقيقة الأولى: إن النظام العربي وصل إلى درجة من الانفراط غير المسبوق وافتقاد القدر الأكبر من تماسكه مع غياب القيادة القومية القادرة على إدارة وضبط تفاعلات وحسم بنود أجندته، ورسم خرائط تحالفاته. لذلك سيبقى خطر التقسيم يطارد الدول العربية، أو بعضها، خصوصاً العراق وسوريا واليمن وليبيا، وستبقى الساحة العربية مفتوحة للاختراق والعبث من جانب القوى الإقليمية، وإذا ما ظلت القضية الفلسطينية مجرد مسؤولية السلطة الفلسطينية وحدها سيبقى النظام منفرطاً مع غياب قضيته المركزية، وسيطغى الصراع ضد الإرهاب على معظم تفاعلات النظام العربي، وهو صراع مفروض وعبثي هدفه انحراف النظام العربي عن مساره الطبيعي وأهداف مشروعه القومي، ومع تخلي الدول العربية عن بلورة قيادة الحرب على هذا الإرهاب سيبقى مستقبل ما بعد التخلص من الإرهاب، إن حدث، معلقاً بإرادة القوى الفعلية المشاركة في هذه الحرب.
الحقيقة الثانية: إن النظام الإقليمي الشرق أوسطي سيظل هو الآخر تحت سيطرة التفاعلات الصراعية والتنافسية المتبادلة: صراع «إسرائيلي» – إيراني بسبب ما تزعمه “تل أبيب” من دعم إيراني للإرهاب أو للتطرف، والمقصود هنا هو قوى المقاومة أو تيار المقاومة، وبسبب برنامج إيران النووي. لكن هناك سبب آخر جديد وهو التقارب الإيراني- الأمريكي الذي يزعج العقل الاستراتيجي «الإسرائيلي» على النحو الذي كشفه يورام اتنغر في صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي كتب متخوفاً على مستقبل العلاقات«الإسرائيلية»- الأمريكية، ومن تراجع القيمة والوزن «الإسرائيليين» في الاستراتيجية الأمريكية والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
فقد حرص هذا الكاتب على أن يسرد بالوقائع أهمية الأدوار التي قامت بها «إسرائيل» على مدى تاريخها خدمة للمصالح الأمريكية، وأن يؤكد أن «التهديد الإسلامي للولايات المتحدة، والعالم ككل، يؤكد دور «إسرائيل» كحصن أمامي متقدم في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد تراجع الولايات المتحدة وانسحابها من العراق وأفغانستان، وأيضاً بسبب التقليص الكاسح والكبير في ميزانية الدفاع الأمريكية، وتراجع قوة الردع الأمريكية، وانهيار الصمود الأوروبي، وكذلك التسونامي العربي، وازدياد العداء والتطرف تجاه الولايات المتحدة». كل هذا السرد للأدوار التاريخية التي قام بها الكيان الصهيوني لخدمة الولايات المتحدة ومصالحها في إقليم الشرق الأوسط هدفه تجديد مكانة «إسرائيل»كدولة داعمة لواشنطن وليست عبئاً، وللتشكيك في جدوى الجري وراء سراب الحليف الإيراني الجديد.
هناك أيضاً تنافس إيراني – تركي بدأ يأخذ أبعاداً عدائية، خصوصاً في سوريا والعراق، إضافة إلى تنافس أقل ربما بدرجة ما بين تركيا و«إسرائيل»، قد يزداد حدة مستقبلاً بسبب التفاهمات «الإسرائيلية»- القبرصية حول ثروات غاز البحر المتوسط.
هذه الحقيقة تقودنا إلى استبعاد حدوث أي نوع من التنسيق بين هذه القوى الإقليمية الثلاث في إدارة العلاقات مع النظام العربي، ما يعني أن الاجتهادات ستكون منفردة، والاختراقات ستكون أيضاً منفردة، لكن ما هو أهم أن هذه الاختراقات ستكون في معظمها على حساب المصالح العربية وفي جوهر القضايا والمصالح العربية المركزية، وبالذات تماسك ووحدة الدولة الوطنية العربية وبقاء وتماسك وتفعيل النظام العربي، سواء أخذ مسمى الإقليمي أو القومي.
أما الحقيقة الثالثة: فهي الانشغال الدولي بعيداً عن أزمات ومشكلات الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة تتجه إلى انطواء تكتيكي ربما أملاً في استعادة القدرة على امتلاك المبادرة والهيمنة الاستراتيجية مستقبلاً، لذلك فهي مشغولة في الأساس بترميم وتقوية عناصر قوتها الاقتصادية، وصراعاتها في شرق آسيا، ووقف الزحف الصيني – الروسي للسيطرة على القيادة العالمية.
أما روسيا فهي، وإن كانت قد اتجهت خلال الأعوام القليلة الماضية إلى استعادة نفوذها ودورها العالمي، فإنها هي الأخرى مضطرة للانكفاء الداخلي، ولو مرحلياً، أيضاً لتجاوز تداعيات الأزمة الأوكرانية، وبالذات العقوبات الأوروبية، وتداعيات الانهيار الحادث في أسعار النفط الخام الذي بدأت تأثيراته السلبية تهدد النظام الاقتصادي الروسي. لكن روسيا حريصة على أن يبقى وجودها قوياً في سوريا وأن تكون هي من يملك مفاتيح حل ألغاز الأزمة السورية بالتنسيق مع إيران، مع حرص على تدعيم العلاقات التجارية مع تركيا، وبالذات في مجال الغاز ودبلومسية «أنابيب الغاز» رغم كل الاختلافات مع تركيا حول الأزمة السورية، وبالتحديد حول الدور المستقبلي للرئيس بشار الأسد.
والآن تدخل تفاعلات النظام العربي بالنظام الإقليمي الشرق أوسطي في طور جديد في ظل العديد من المتغيرات المهمة العربية والإقليمية:
أول هذه المتغيرات هو تلك التداعيات المترتبة على انتكاسة موجة «الثورات العربية» في معظم دولها وفشلها في تحقيق ما استهدفته من أهداف من ناحية، ثم، وهذا هو الأهم، كل ذلك الاضطراب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي يأخذ أحياناً بعض أشكال الحرب الأهلية في بعض الدول العربية (العراق – سوريا- اليمن- ليبيا).
ثاني هذه المتغيرات، هو تفاقم مخاطر موجة الإرهاب التكفيري، وعلى الأخص نجاح تنظيم «داعش» في فرض سيطرته على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا وشمال غربي العراق، ونجاح هذا التنظيم في التمدد خارج العراق وسوريا، خصوصاً في مصر وليبيا واليمن.
أما ثالث هذه المتغيرات فهو العجز العربي عن مواجهة هذه الأخطار التي أخذت تهدد بفرض مشاريع التقسيم والتجزئة مجدداً للبلدان العربية تحت مسميات عرقية وطائفية، وفشل التعويل العربي على التحالف الدولي لدرء هذه المخاطر، إضافة إلى تورط القوى الإقليمية الثلاث: إيران وتركيا و«إسرائيل» في مجريات الأحداث العربية، وبالذات موجة الصراعات العرقية والطائفية، الأمر الذي أخذ يفاقم من تغلغل نفوذ هذه القوى في الشأن العربي والأزمات العربية الساخنة على حساب النظام العربي.
كيف سيتعامل النظام العربي مع هذه الحقائق الثلاث وتلك المتغيرات؟
هذا هو التحدي الذي على أساس نتائجه يمكن الحكم على مدى قدرة النظام العربي على تحقيق الاستقلالية والفعالية والقدرة على تحقيق الأهداف العليا للأمة العربية، وعلى أساس نتائجه نستطيع أن نقول: من هنا نبدأ.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2177912

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد السعيد ادريس   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177912 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40