الأربعاء 27 أيار (مايو) 2015

“كتلة المستوطنين” أخطر من المستوطنات

الأربعاء 27 أيار (مايو) 2015 par د.احمد جميل عزم

من المعروف في عالم السياسة أنّه لا حاجة لتشكل أغلبية عددية لتفوز بالانتخابات دائماً، أو أن تكون الفاعل المؤثر؛ فهناك شبه اتفاق على أنّ غالبية الشعوب والمجتمعات والجماعات، فيها أغلبية صامتة. لكن أقلية منظمة بدقة وإتقان وفاعلية، على شكل جماعة أو حزب أو مجموعة رجال أعمال، يمكن أن تفوز بالانتخابات، أو أن تقرر مسار الحدث السياسي، مع أنها لا تشكل ولا تستقطب تأييد غالبية شعبية، أو على الأقل أن الغالبية الشعبية لا ترى نفسها جزءا من هذه الجماعة أو الحزب، ولكن تنظيم هذه المجموعة هو الذي يعطيها القوة.
لعل أحد التطورات والتفاصيل التي تحتاج إلى توقف في الانتخابات الإسرائيلية، هو تفاصيل الحملة وما طُرح فيها من قضايا. فالمستوطنون يلعبون دوراً في السياسة الإسرائيلية، أكبر بكثير من نسبتهم السكانية بين الإسرائيليين، في وضع يمكن تشبيهه بما يفعله اللوبي الإسرائيلي والجماعات اليهودية المنظمة في الولايات المتحدة، وقيامها بدور سياسي هناك أكبر بكثير من حجمهم السكاني.
أثناء الحملة الانتخابيةالأخيرة، كان حضور القضية الفلسطينية والفلسطينيين محدوداً، إلا من خلال كتلتين انتخابيتين؛ الأولى هي الفلسطينيون في الأراضي المحتلة العام 1948، والمتحدون في انتخابات الكنيست في القائمة المشتركة، فتم التحريض ضدهم. والثانية، هي كتلة المستوطنين التي يبدو أنها لعبت دوراً حاسماً في قلب النتائج في آخر يومين.
كان ممكناً في بعض الشوارع في الأراضي المحتلة العام 1967 أن تشاهد يافطات انتخابية، خصوصاً بمحاذاة المستوطنات. لكن يعتقد أن لقاءات شبه مغلقة أجراها بنيامين نتنياهو، في آخر يومين، مع ممثلي المستوطنين، حذرهم فيها أن عدم التصويت لحزبه، وحتى التصويت لحزب “البيت اليهودي” المناصر لهم أكثر، سيضر بهم، لأنه يعني احتمالية زيادة منافسيه ممن لا يقدمون ذات النوع والكم من الدعم للمستوطنين والاستيطان. ويعتقد أنّ هذا لعب دوراً مهماً في التغير الذي حدث في اتجاهات التصويت مقارنة باستطلاعات الرأي.
يبلغ عدد المستوطنين نحو 700 ألف مستوطن، يتواجد نحو نصفهم خارج القدس؛ أي إن عددهم الإجمالي في أحسن الأحوال هو نحو 8 % من الإسرائيليين. لكن حضورهم في العملية الانتخابية كبير. فإذا كان حزب المستوطنين الأوضح “البيت اليهودي”، له 8 مقاعد من أصل 120 مقعداً، فإنّ هذا ليس إلا جزءا من قوتهم التصويتية (في الانتخابات الماضية كان للحزب وحده 12 مقعدا، أي 10 % من المقاعد). وربما بمقاييس الانتخابات وقضايا سياسية، فإنّ مستوطني القدس لهم أجندات واهتمامات مختلفة، وبالتالي نحن نتحدث عن كتلة سكانية أقل من 5 %، لها حضور سياسي وانتخابي هائل نسبياً. من هنا، فما يجب الانتباه إليه عند تقديم موضوع المستوطنات عالمياً، وعند تقييم أثر المستوطنات، هو أنّ الحديث ليس فقط عن أثر الاستيطان على منع تشكل الدولة الفلسطينية والتواصل الجغرافي في أراضي الاحتلال الثاني (1967) المقترحة كأراض للدولة الفلسطينية؛ بل أثر الكتلة الاستيطانية السياسية والديمغرافية على صياغة العملية السياسية، ونتائج الانتخابات الإسرائيلية. وبالتالي، لم يعد الأمر ديموغرافيا وجغرافيا وحسب.
والأقليات المنظمة تجنح في العادة والغالب إلى التطرف. ويزيد التطرف إذا كانت هناك مكاسب مادية وسياسية ومعنوية، ومن يقود هذه الأقليات. وكل هذا متوفر في حالة الاستيطان والمستوطنين؛ فمن مكاسب وتسهيلات مادية مقدمة لهم، إلى بيئة خصبة للتطرف.
أمس، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للأوروبيين عن “رغبته” في استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين على وجه السرعة، بهدف التوصل إلى “تفاهمات” حول حدود الكتل الاستيطانية المنوي ضمها إلى إسرائيل في إطار اتفاقية سلام مستقبلية. والواقع أنّ هذه قضية تفاوضية قديمة. فالإسرائيليون لا يريدون التفاوض حول نسب تبادل أراض. إذ بعد أن أمنوا موافقة فلسطينية على مبدأ التبادل، يسعون الآن للهروب من عملية تحديد نسب، إلى تحويل كل مستوطنة إلى قضية مفاوضات بحد ذاتها. وهذا يعني، من جهة، إطالة أمد المفاوضات إلى ما لا نهاية، والمزيد من تحويل المستوطنات ووجودها من قضية غير مقبولة إلى قضية للتفاوض.
بات موضوع المستوطنين والمستوطنات يتعدى حتى الأبعاد الديمغرافية والجغرافية والسياسية والأمنية، إلى الحديث عن قوة “صغيرة” مؤثرة بأكثر من حجمها العددي الحقيقي بكثير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 75 / 2178559

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178559 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40