السبت 6 حزيران (يونيو) 2015

مبادرات “المصالحة” الصهيونية

السبت 6 حزيران (يونيو) 2015 par برهوم جرايسي

ظهرت في الأيام الأخيرة “مبادرة” جديدة “لحل الصراع”، من صنف تلك المبادرات الصادرة عن مجموعات إسرائيلية تنضم اليها شخصيات أو ناشطون فلسطينيون؛ على شاكلة مبادرة “نسيبة-أيالون”، و“مبادرة جنيف” التي نالت شهرة خاصة، وكانت جديّة أكثر من غيرها.
المبادرة الجديدة تحمل عنوان: “دولتان-وطن واحد”. والتسمية وحدها تعكس جوهرها. فمشكلة المبادرين الإسرائيليين عادة، أنهم يأتون من أطراف ما يسمى “اليسار الصهيوني”، ويحاولون تجنيد فلسطينيين لمشروع “مصالحة” مع الصهيونية، بتجاهل تام لجوهر الصهيونية.
من المبادرين الإسرائيليين لـ“دولتان-وطن واحد”، أسماء بارزة في “اليسار الصهيوني”، لهم مواقف جريئة وشجاعة نسبة للوضع القائم في الشارع الإسرائيلي. من بينهم البروفيسور أورن يفتحئيل، والصحفي ميرون ربابورت. وهذا الأخير تسجل له مبادرات صحفية وتحقيقات ساعدت في الكشف عن كثير من مؤامرات ومخططات الاحتلال في القدس المحتلة، وخاصة في محيط الحرم القدسي الشريف. إلا أن مشكلة هؤلاء، كغيرهم، أنهم يستصعبون اجتياز الخطوط بالكامل، فيحاولون إيجاد صيغ ترضي الشارع الإسرائيلي، وليس التجاوب مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، على الأقل وفق القرارات الدولية. بكلمات أخرى، هم يبحثون عن فلسطينيين يقبلون بصيغة “مصالحة مع الصهيونية”.
من أخطر ما جاء في المبادرة الجديدة، أن “الشعبين” يعترفان “بالحقوق التاريخية لكل منهما في الوطن الواحد”؛ بمعنى الأحقية اليهودية المزعومة في فلسطين التاريخية، وتبني الرواية التوراتية. وهذه الرواية بحد ذاتها، تنفي عمليا حق الشعب الفلسطيني في وطنه. والأمر الثاني، أن هذه المبادرة تلغي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم؛ فلسطين التاريخية، بتبنيها فكرة الحكومات الإسرائيلية، بأن “اللاجئين يعودون إلى دولة فلسطين” في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن كل واحد من الشعبين يعبّر عن تقرير مصيره وطموحاته القومية في دولته، ليتحول فلسطينيو 48 بذلك إلى مجرد “رعايا أجانب” في وطنهم. ثم تطرح “المبادرة” فكرة أنه بعد “تثبيت الدولتين بحدود مفتوحة وبتعاون”، يستطيع كل فلسطيني وإسرائيلي أن ينتقل للعيش في الطرف الآخر.
بعد أن تفجرت الحكاية، بدأت أسماء فلسطينية من مناطق 67 و48 تتنصل من المبادرة، وتعلن أنها لم تكن تعرف عن “زج اسمها” في اللقاء الذي من المفترض أن يعلن عن “المبادرة”، يوم الحادي عشر من الشهر الحالي، في أعالي مدينة بيت جالا المحتلة. فيما أعلنت مجموعات فلسطينية عزمها التظاهر ضد المبادرة، أمام مقر اللقاء.
سنقول إن المبادرين الإسرائيليين، ورغم النقص في موقفهم وسطحيته، ورغم عدم قدرتهم على اجتياز الخطوط والتمسك بالحقيقة الواحدة، يضعون أنفسهم في مأزق أمام الشارع الإسرائيلي. لكن هذا ليس مبررا لأي فلسطيني كي يمد يد العون لهم في مبادرة كهذه، ويتطوع لشطب حقوق تاريخية لشعبه، كما حقوق اللاجئين. فما يعرضه الشعب الفلسطيني اليوم، هو دولة على 22 % من فلسطين التاريخية، فهل يمكن التراجع أكثر؟
إن هذا الصنف من المبادرات، يتجاهل حقيقة جوهر الصهيونية، التي نشأت على فكرة اقتلاع شعب من أرضه، لقيام كيان خاص بها. وهذا يتعزز أكثر في ظل حكومات سنوات الألفين على وجه التحديد، والتي تتمثل أهدافها الاستراتيجية في نسف أي إنجاز، رغم محدوديته، من اتفاقيات أوسلو، منعا لإقامة الدولة الفلسطينية. لذا، فإن هذه المبادرة، مع كل ما تحمله من نواقص خطيرة من ناحية فلسطينية، وتشويه لحقائق التاريخ، ومساواتها بين الضحية والجلاد، يمكن وصفها أيضا بـ“السذاجة” التي من المستحيل التعايش معها.
هذا كله يفسر لنا حرج الفلسطينيين الذي شاركوا في صياغة هذه “المبادرة”، ومسارعتهم للتنصل منها. وكي لا نجزم، فقد نقبل إعلان بعضهم أنه تم زج اسمه من دون علمه، أو لنقل إنه قبل بزج اسمه قبل أن يقرأ هذه المبادرة بعمق. في المقابل، من الضروري أن لا يتحول المبادرون الإسرائيليون إلى عنوان هجوم فلسطيني، وشيطنتهم، لاسيما عدد من الأسماء التي تقف خلف المبادرة؛ بل من المجدي محاورتهم ومساعدتهم على اجتياز ما تبقى لهم من خطوط وحدود، وهي ليست قليلة، وليست سهلة، ولكن ليس القبول بمبادرتهم هذه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2177260

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع برهوم جرايسي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2177260 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40