الاثنين 8 حزيران (يونيو) 2015

ماذا في الرأس الأمريكي؟

الاثنين 8 حزيران (يونيو) 2015 par د.عبدالله السويجي

المسؤولون الأمريكيون لا يطلقون تصريحات للاستهلاك الإعلامي أو لتسجيل مواقف فقط، ولا بد من التوقف عند كل كلمة وتحليلها، لفهم ما يدور في (الرأس الأمريكي)، الذي يحيّر حلفاءه أحياناً، ويدهش أعداءه أحياناً أخرى. ويبدو أن حالة العداء أو التحالف لا يفصل بينهما سوى خيط رفيع، طالما أن كل عمل أو تصريح للسياسيين الأمريكيين يتعلق بأمرين، الأول، بالأمن القومي الأمريكي ويشمل أمن الكيان الصهيوني، وثانياً بالاقتصاد الذي يحرك المواقف والسياسات.

الولايات المتحدة تتمتع بلؤم كاف كي تجيّر الأحداث العالمية لمصالحها ولصالحها، وما سُمّي بالربيع العربي، إن كان من صنع أمريكي أو ثورة شعبية عربية، أو فوضى خلقها المستفيدون أو اللاعبون والتجار ورجال الدين، (وسنتجاهل هنا ما جاء في كتاب هيلاري كلينتون الأخير، الذي اعترفت فيه بالخطط الأمريكية لتقسيم الوطن العربي) وكل ما يحدث في النهاية، فرصة ذهبية سانحة جداً للمصالح الأمريكية، أولاً لتسجيل حضور سياسي أكبر في منطقة الشرق الأوسط، وثانياً، لتزيد من عقود بيع الأسلحة للمنطقة.
وقد استغلت الولايات المتحدة البرنامج النووي الإيراني استغلالاً بشعاً، وحصلت على عقود بيع أسلحة بعشرات المليارات من المنطقة العربية، واستغلت قبل ذلك سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، لتبرم صفقات أسلحة لا تنتهي، وخطط تدريب وتجهيز، وها هي بعد كل المليارات التي راحت للخزينة الأمريكية، توصلت العقلية الأمريكية إلى نتيجة أن الجيش العراقي غير جاهز وغير قادر على مواجهة تنظيم «داعش». وفي الوقت ذاته، تلعب على الصراع الطائفي في العراق، مرة تشجبه ومرة تغذيه مباشرة أو غير مباشرة، لكنها في النهاية هي المستفيد الأول والأخير إلى جانب الكيان الصهيوني.
أما ما يحدث في سوريا، فإن الولايات المتحدة لم تستقر على موقف معين، وتلعب لعبة سياسية بدهاء، فهي لا تريد أن تحارب تنظيم «داعش» مخافة تقوية نظام بشار الأسد، ومن ناحية أخرى، تقوم بقصفه بين الفينة والأخرى، ولسان حالها يقول: «وجود «داعش» لا هو قوي ولا هو ضعيف» يفيد المصالح الأمريكية في الوقت الراهن، وإلا لماذا التلكؤ في محاربة «داعش»، وجميع التنظيمات المتطرفة، ولماذا وضع الثقل العسكري لقوات التحالف خلف قوات البيشمركة، التي تحقق انتصارات وتتوسع بعيداً عن وسائل الإعلام؟

أحدث التصريحات الذكية والخطرة للمسؤولين الأمريكيين، ما جاء على لسان جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لمحطة (سي.إن.إن)، إذ يعتقد السيد كيربي «أن تنظيم «داعش» خطر جداً وسيستمر بالمحاولة للسيطرة على أراض جديدة، وسيتمكن من السيطرة على مناطق جديدة، لا يوجد شك في ذلك». وهنا لا يقوم المسؤول الأمريكي بالتخمين، إنما يتحدث بلغة جازمة، فخطورة تنظيم «داعش» يتم الترويج لها منذ فترة، مرة تعلن أمريكا أنها أساءت تقدير قوة التنظيم، ومرة تقول إنها ستتمكن من القضاء عليه في غضون ستة أشهر، وفي الخفاء، تسقط الأسلحة (بطريق الخطأ)، وتغض الطرف عن تركيا التي جعلت أراضيها ممراً للقادمين من مختلف بقاع الأرض للانضمام، بل عن مشاركتها المباشرة في المعارك، وهذا التقييم الأمريكي يشبه تقييمه لقوة إيران النووية، فقد سمعنا أخباراً وقرأنا تقارير كثيرة قبل سنوات قليلة عن قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية في غضون ثلاث سنوات. وبناءً على ذلك، هيّجت العالم وباعت أنظمة صواريخ، وشجعت الفتنة، وخلقت أعداء جدداً للعرب، بغض النظر عن الطموح الإيراني السياسي أو العسكري أو المذهبي.

وما تفعله السياسة الأمريكية الآن بشأن «داعش» يعيد للأذهان تضخيم البرنامج النووي، الذي ستوقع الولايات المتحدة، بعد سنوات طويلة من المتاجرة به، اتفاقاً بشأنه مع إيران.

وفي إطار بث الرعب أيضاً، يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جازماً بأن «داعش» سيستولي على أراض جديدة، ويحسم الأمر بقوله (لا شك في ذلك). وهذا الحسم الأخير يثير تساؤلات كثيرة وريبة أكثر، فهو إما على علم بخطط «داعش» الذي يبحث دائماً عن الخاصرة الضعيفة ويقوم بشن هجوم كبير عليها، وإما أنه على علم بأسماء قيادات في الجيش العراقي تتعامل مع التنظيم، وهي جاهزة لتسليم المزيد من المناطق كما حدث في مدينتي الموصل والرمادي، وشكل احتلال المدينتين فضيحة كبرى، أدت إلى صراع بين وجوه السلطة العراقية، والآن يصرخ رئيس الوزراء العراقي متهماً قوات التحالف بأنها ليست جادة في محاربتها للتنظيم، وهناك احتمال آخر، إذ إن المسؤول الأمريكي عبّر عن أمنية بلاده في أن يقوم التنظيم باحتلال مناطق أخرى في العراق بوجه خاص، لتتمكن الولايات المتحدة من لعب دور معين في العراق والمنطقة قد يستمر لسنوات. وهنا ننتقل إلى تصريحه الآخر والخطر أيضاً بأن المعركة ضد «داعش» طويلة حددها بفترة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، مشيراً إلى أن التنظيم سينجح في بعض عملياته خلال هذه الفترة، ولهذا (نحن في حاجة إلى صبر استراتيجي).
إن هذا المصطلح ملتبس وغير مفهوم ويحتمل معاني كثيرة، فهل يعني أن على العراق وسوريا والمنطقة أن تتعايش مع هذا التنظيم لمدة ثلاث أو خمس سنوات؟ وكيف سيحقق التنظيم نجاحات خلال هذه الفترة إذا كانت الحرب جادة؟
ويستمر المسؤول الأمريكي في اللعب باللغة والمواقف الغامضة والمتشابكة، خاصة حين يقول إن الحل (كما أوضحناه ليس عسكرياً فقط، بل سيكون النجاح النهائي عندما يكون هناك جسد سياسي ناجح في العراق وسوريا، وهذا ما بدأ في العراق في حكومة العبادي والإصلاحات التي يقوم بها..).
ترى كيف سيتم بناء جسد سياسي في سوريا، على سبيل المثال، ونصف أراضي الدولة يسيطر عليها «داعش»، ومن الذي سيقيم هذا الجسد السياسي لتحقيق انتصار عسكري؟
تصريحات تحمل ضبابية كبيرة ولا يمكن البناء عليها سوى أمر واحد هو أن المنطقة ماضية في الخضوع لانتشار الفوضى خلال الخمس سنوات القادمة، الفوضى التي ستنتج المزيد من الصراعات العرقية والمذهبية، والتي ستؤدي في النهاية إلى التقسيم، وبهذا تكون تصريحات هيلاري كلينتون في كتابها قد تحققت، ولن يعوقها أي «انقلاب» هنا أو هناك، كما قالت، بأن حركة الرئيس السيسي أفسدت الخطط الأمريكية.
يبدو أن محاربة التطرف الديني والقضاء على التنظيمات المتوحشة لن يمر عبر القاذفات الأمريكية، ولا عبر «الرأس الأمريكي»، وإنما عبر جهود دول المنطقة، التي يجب أن تتوحد في مواجهة أشرس تنظيم عرفته المنطقة، ويهدد الكيانات كلها، مدعوماً بتنظيمات أخرى، وعلى هذه الدول ألا تنخدع بتصريحات زعيم النصرة أو غيره، فجميعهم في التطرف سواء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165661

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165661 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010