الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015

بطاقة صفراء لا حمراء

الخميس 11 حزيران (يونيو) 2015 par فهمي هويدي

على الصفحة الأولى نشر الأهرام أمس (الثلاثاء ٩/٦) الخبر التالي: بعد فشل حزب العدالة والتنمية في الاحتفاظ بأغلبيته في البرلمان، لقن الشعب التركي درسا قاسيا لرئيسه رجب طيب أردوغان خلال الانتخابات البرلمانية.
في نفس العدد، على صفحات الرأي، وقعت على تعليقين لاثنين من زملائنا المحترمين، كان أحدهما تحت عنوان «أردوغان يخسر الجلد والسقط»، وفي مستهله ذكر الزميل ما يلي: قوضت الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة المستقبل السياسي للرئيس رجب طيب أردوغان. أما التعليق الثاني فكان تحت عنوان «الهزيمة الثانية للعثمانية»، وقد استهل زميلنا نصه بالعبارة التالية: بعد أن أطاحت ثورة ٣٠ يونيو العظمى بفكرة إحياء العثمانية والمشروع الإمبراطوري لرجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية (الفرع التركي لجماعة الإخوان).. تلقى ذلك المشروع الأخرق هزيمته الثانية في الانتخابات... إلخ.
هذه الصورة لم تنفرد بها الجريدة الرصينة، لأنها عبرت عن المزاج العام في الإعلام المصري، وهي تنقل إلى القارئ انطباعين متأثرين بالأجواء السياسية المخيمة على علاقات البلدين، أحدهما أن حزب العدالة هزم ولم يحتفظ بأغلبيته في البرلمان حسب نص الأهرام. الثاني أن أردوغان انتهى وأن النتائج قوضت مستقبله السياسي بعدما أطاحت ثورة ٣٠ يونيو «العظمى» بحلمه الإمبراطوري. بما يعني أن الأتراك رفعوا في وجهه «البطاقة الحمراء»، إذ استخدمنا لغة النقاد الرياضيين، وطردوه من الملعب، (أحد الإعلاميين قال في برنامجه التلفزيوني إن الأقدار لقنت الرجل درسا وعاقبته لأنه خاصم النظام المصري).
أثارت الصورة عندي ملاحظتين، إحداهما تتعلق بالمعلومات والثانية تنصب على التحليل والتعليق. إذ ليس صحيحا الخبر الذي ذكر أن الحزب فقد أغلبيته في البرلمان، لأنه لا يزال محتفظا بالأغلبية، حيث فاز بـ ٢٥٨ مقعدا من بين ٥٥٠ مقعدا للمجلس، لكنه فقد الأغلبية المطلقة التي تسمح له بالانفراد بتشكيل الحكومة، ولذلك تعين عليه أن يشرك غيره من الأحزاب في تشكيلها، لأول مرة منذ عام ٢٠٠٢، بكلام آخر فإن حزب العدالة والتنمية لا يزال الأول الذي يحظى بتأييد أغلبية الشعب التركي. والأصوات التي خسرها الحزب لم تذهب إلى منافسيه المتحالفين تاريخيا مع العسكر والشرطة (حزب الشعب اليميني وحزب الحركة القومية المتعصب للطورانية والأقرب إلى اليسار)، إذ حصل الحزبان على نفس الأعداد التي صوتت لهما في مرات سابقة، لكنها ذهبت أساسا إلى الحزب الكردي (الشعوب الديمقراطي) الذي سمح له بالمشاركة في الانتخابات لأول مرة في التاريخ التركي، وكان من الطبيعي أن يحصد أصوات الأكراد (عددهم أكثر من ١٥ مليونا) خصوصا أنهم ينتظرون تلك اللحظة ويحلمون بها منذ تأسست الجمهورية في عشرينيات القرن الماضي.
في تحليل النتائج تبرز أمام الباحث المعالم التالية:
< إن الانتخابات تمت بنزاهة وحرية لا يستطيع أحد أن يشكك فيهما، الأمر الذي يعني أن الحرص كان شديدا على الاحتكام إلى قواعد وقيم الممارسة الديمقراطية، كما يعني أن الكلام الذي روجته بعض المنابر التي تحدثت عن الديكتاتورية والتلاعب والتزوير كان من قبيل الكيد والتشويه المتعمد.
< إن قطاعات من الشعب التركي عارضت مشروع أردوغان الذي أراد به التحول إلى النظام الرئاسي، كما أنها انتقدت بعض ممارسات حكومته، بالتالي فإنها أعرضت عن تأييد حزب العدالة والتنمية وصوتت لغيره. وربما كان أفضل تعبير عن تلك الحالة ما قاله رئيس الوزراء الدكتور أحمد داود أوغلو حين وصف الرسالة التي تلقاها حزبه من خلال النتائج تعبير عن رغبة الأغلبية في استمرار حزب العدالة في قيادة المسيرة مع إجراء بعض التعديلات على المسار. وهو ما يمكن اعتباره إشهارا للبطاقة الصفراء وليس الحمراء التي سبقت الإشارة إليها.
< إن العامل الحاسم في تراجع نسبة التصويت لحزب العدالة كان دخول الحزب الكردي إلى الساحة، بدليل أن أغلب المقاعد التي فقدها حزب العدالة بالمقارنة بانتخابات عام ٢٠١١ (٦٩ مقعدا) ذهبت إلى الحزب الكردي الذي فاز بـ٨٠ مقعدا).
< إن تركيا مقبلة على مرحلة من عدم الاستقرار بسبب العقبات التي تعترض تشكيل الائتلاف الحكومي. وطبقا للدستور أمام رئيس الوزراء ٤٥ يوما لإنجاز المهمة، والحزب الكردي هو المرشح الأقرب للمشاركة في الائتلاف. وإذا فشلت العملية، فإن إجراء انتخابات مبكرة سيكون الحل الأخير.
< إن حزب الرئيس أردوغان إذا كان قد خسر أغلبيته المطلقة بسبب دخول الحزب الكردي على الخط، فإنه سيدخل التاريخ من باب آخر، إذ يحسب له أنه أول من فتح باب التسوية التاريخية مع الأكراد ومن ثم منحهم فرصة مسبوقة تاريخية للمشاركة في الحياة السياسية التي حرموا منها طويلا.
إن أهم ما ينبغي أن يعنينا في المشهد أن الديمقراطية والشعب التركي هما الفائزان الحقيقيان في الانتخابات، وحين تفوز الديمقراطية وتستقر قيمها، فينبغي أن نهدأ بالا ونطمئن وألا نستسلم لشعورنا بالحزن والغيرة والحسد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2176486

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176486 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40