الأحد 14 حزيران (يونيو) 2015

أردوغان والانحدار

الأحد 14 حزيران (يونيو) 2015 par هاشم عبد العزيز

تركيا تسقط سطوة حزب العدالة والتنمية وتلقن أردوغان درساً في احترام إرادة شعبه.
هذا ما سجلته اللحظة الفاصلة بين تسيّد أردوغان وحزبه المشهد الانتخابي، وانفجار تركيا بأطيافها السياسية والفكرية وفئاتها الاجتماعية، في إعادة رسم حدود جديدة وضعت نهاية لوصاية «الإخوان» على تركيا، وأسقطت ما ارتبط بها من أحلام يقظة ومن هنا كانت:
أولاً: المفاجأة؛هذا ما أجمع عليه مراقبو الانتخابات النيابية التركية ومتابعوها، والمفاجأة تمثلت في تراجع «الإخوان»، بعد أن استفردوا بتشكيل الحكومة على مدى 13 عاماً. ومع أنهم بقوا في المقدمة، فإنهم سوف يضطرون للتحالف مع أطراف أخرى، وهذا ما رفضته الأحزاب كافة. ومن المفاجآت وهي مناقضة لهبوط الإخوان، جاء صعود «حزب الشعوب الديقراطي» الكردي الذي يدخل الانتخابات لأول مرة، وحاز قرابة 13% من أصوات الناخبين، وفازب 80 مقعداً نيابياً.
ثانياً: الصدمة؛ وهذا ما أصاب أردوغان وأركان حزبه، ودونما الخوض في طبيعة هذه الصدمة، هل هي سياسية آنية، أم تاريخية، نجد في أول ردود فعل أردوغان مطالبته الأحزاب السياسية بالحفاظ على الاستقرار مؤشر على احتمال فلتان الأمور من قبضته.
السؤال الآن: ما الأسباب التي أدت إلى هذا العدّ التنازلي انتخابياً على الصعيد البرلماني لحزب العدالة؟
من المؤكد أن الإحاطة بهذه المسألة ما زالت تحتاج إلى وقت، وهي ستكون محل اهتمام من أوساط تركية وأطراف إقليمية ودولية تجد نفسها أمام حقائق تركية غير قابلة للتجاهل، لأن تركيا ما بعد الانتخابات النيابية، ليست تركيا ما قبل الانتخابات؛ هذا أولاً، أما ثانياً فإن من بين ما يشير إليه المراقبون للشأن التركي عموماً، والانتخابي البرلماني الذي تراجع خلاله حزب العدالة الآتي:
أولاً: المدة الطويلة التي استمرّ فيها الحزب قابضاً على السلطة بوتيرة مكررة من خطاب الصراخ في وجوه الناس، لا مخاطبة عقولهم، والموت السريري للبرلمان، لغياب تعددية الآراء، وخوف من لهم آراء من حزب العدالة أن يجاهروا بها تجاه القضايا التي تمرر برلمانياً، أو تجاه المسؤولية الرقابية للسلطة التشريعية على السلطة التنفيذية وأجهزتها ومؤسساتها وقياداتها.
ثانياً: غياب الممارسة الديمقراطية داخل الحزب، واتباع أردوغان أساليب التبنّي للقيادات في هيكل الحزب للولاءات والتجنّي على أصحاب الكفاءات، ووجود انشقاقات في قيادة الحزب عبر فترات، ترسبت في قواعد الحزب بالعواطف والاتجاهات، وما ضاعف من هذا الاحتقان المعالجات الإجرائية الانتقامية التي تمارسها السلطات.
ثالثاً: تحويل أردوغان الحزب إلى حزب السلطة، مهمّته قاصرة على حشد الناس في المهرجانات والفعاليات وتحريضهم بالعداء والكراهية تجاه الأحزاب والتيارات السياسية في البلاد. ومن هنا جاء ردّ فعل الأحزاب الفائزة انتخابياً، رفض التحالف مع حزب العدالة، لتشكيل حكومة، وهذا حصاد الغرور والاستئثار.
رابعاً: الغطرسة والتجاهل التي مارسها أردوغان تجاه المعارضة في حقوقها ومسؤولياتها، ودورها، واستسهال تسويق اتهامات الخيانة والعمالة والمطاردة والاعتقالات.
خامساً: الفساد الذي كان موروثاً في تركيا، وجاء إنجاز أردوغان وحزبه الدفع بازدهاره، وصارت هناك طبقة من الفاسدين الذين ينهبون أموال الدولة ويسطون بالتلاعب والاحتيال على حقوق الناس. وللفساد التركي ميزات خاصة، منها أن المسؤول الفاسد في الحزب والدولة أو البرلمان، يشرك أسرته، ويسهّل لأفرادها ممارسة الفساد، وفي أي مجال متاح، والشواهد طالت ابن أردوغان.
إن طائلة الممارسات السيّئة التي انعكست على حزب العدالة غير قصيرة، وتصدرها أردوغان الذي انتهك حرية الرأي واستقلال القضاء، وآخرها قيامه بحملة دعائية لحزب العدالة أثناء الانتخابات البرلمانية، وهذا محظور دستورياً حيث يكون رئيس الجمهورية في موقف حياد.
على أن ما هو جدير بالإشارة.. أن من بين أبرز المؤثرات في الانتخابات البرلمانية التركية المواجهة التي أطلقها «حزب الشعوب الديقراطي» وأحزاب المعارضة الأخرى تجاه مشروع أردوغان وحزبه، التحول إلى النظام الرئاسي، من خلال إعداد مشروع تعديل دستوري في هذا الشأن، كان أردوغان على ثقة بتمريره في البرلمان الذي جرى انتخابه لتأتي النتائج مغايرة، ليس بفقدان الأغلبية البرلمانية المطلقة وحسب، بل وبخسارة زعم تمثيله الأكراد الذين التفوا حول «حزب الشعوب» الذي رأى زعيمه نتائج الانتخابات انتصاراً على الدكتاتورية الرئاسية، ومن جهة ثانية كان لسياسة أردوغان وحزبه تفريخ الإرهاب وتسهيل أنشطة جماعاته المتعددة الأسماء، وتدخله السافر في شأن سوريا والعراق ومصر وتونس وليبيا، حضور في هذه الانتخابات التي هزت الوضع التركي من صنميّته الإخوانية، إلى حيويته المفتوحة على المستقبل.
في أي حال كل الأمور يمكن القول، إن بقاء حزب العدالة متقدماً على غيره في البرلمان، هو انتصار بطعم الهزيمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2179061

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع هاشم عبدالعزيز   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2179061 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40