الأربعاء 18 آب (أغسطس) 2010

عدالة فئوية و«إسرائيل» خارج البحث

الأربعاء 18 آب (أغسطس) 2010 par فيصل جلول

«نظرت محكمة الشهيد رفيق الحريري الدولية في القرائن التي تقدم بها السيد حسن نصرالله عبر استجواب عدد من المسؤولين «الإسرائيليين» العسكريين والمدنيين، وبعد اختبار الفرضيات التي وردت في القرائن تبين للمحكمة أن «إسرائيل» ليست متورطة في هذه الجريمة. من ثم قررت المحكمة استناداً إلى شهادات موثوقة يتعذر الكشف عنها حرصاً على سلامة التحقيق، أن جماعة مجرمة تولت اغتيال الرئيس رفيق الحريري مستفيدة من عزوف الأجهزة الأمنية اللبنانية - السورية عن حراسة رئيس الوزراء السابق كما كانت تفعل من قبل. وتفيد القرائن التي توفرت لدى المحكمة أن عناصر غير منضبطة من حزب الله اقترفت هذه الجريمة وهي معروفة بارتباطها الوثيق بالجناح المتشدد في الحرس الثوري الإيراني، وترجح المحكمة أن تكون تلك العناصر قد تصرفت بغير علم قيادة حزب الله، ومن دون أن تحظى بمباركة قيادته».

تبدو هذه الفقرة «الخيالية» أو الافتراضية شديدة الشبه بالأجواء التي أشاعها مسؤولون صهاينة ووسائل إعلام غربية عن طبيعة القرار الظني الموعود في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، والراجح أنها تعبر عما ينتظره أعداء وخصوم المقاومة اللبنانية من المحكمة الدولية، وليس عن رغبة مشروعة في معرفة من ولماذا قتل الحريري؟ وإذا أردنا التعبير بلغة أقرب إلى السجال اللبناني - اللبناني حول هذه القضية، يمكننا القول إن «القرار الظني» الموصوف أعلاه يسعى إلى شنق «المقاومة اللبنانية» بحبال «المحكمة الدولية» وهو يشفي «غليل» بعض «الآذاريين» ويطمئن الصهاينة ومن يناصرهم من الغربيين.

غني عن الذكر أن سيناريو اتهام المقاومة باغتيال الحريري هو الثاني بعد فشل اتهام سوريا وأربعة جنرالات لبنانيين بارتكاب الجريمة، وقد كشف الضباط على رؤوس الأشهاد النفاق الذي أدى إلى هذا الاتهام، بدءاً من المحقق الأول الألماني ديتليف مليس، وقد تساقط شهود الزور الذين اعتمدتهم الواحد تلو الآخر من دون أن تصر المحكمة على محاكمتهم والاقتصاص منهم، لهذا صار من الصعب أيضاً أن يثق اللبنانيون «المعارضون» بعدالة المحكمة الدولية بعد أن ثبت الفساد والإفساد في قضية شهود الزور، وفي «العدالة البهلوانية» التي بدأت باتهام سوريا بارتكاب الجريمة ومن ثم حزب الله وربما إيران في مرحلة ثالثة.

كان هذا الاستنتاج راجحاً في صفوف المعارضة اللبنانية قبل أن يعرض السيد حسن نصرالله قرائن تدين «إسرائيل» في اغتيال الرئيس الحريري وقد بدا لمعارضين كثر أن الأمين العام لحزب الله يسعى إلى تسليط الضوء على «فساد المحكمة» عبر قرائنه، وأنه يريد محاكمتها وليس حثها على اختبار الفرضية «الإسرائيلية». وإذا كان مفهوماً أن يطلب القاضي بلمار قرائن نصرالله للنظر في الفرضية «الإسرائيلية»، فمن غير المفهوم أن يستجيب الوزير محمد فنيش لهذا الطلب كأنه يثق على الضد من أمينه العام بعدالة المحكمة، ويرى وجوب تحكيمها في اختبار الفرضية «الإسرائيلية» في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل.

أكبر الظن أن قيادة حزب الله وربما المعارضة اللبنانية لا تريد الحديث عن إلغاء المحكمة الدولية، حتى لا تصطدم بالموالاة التي مازالت تؤمن بها بوصفها ورقة مهمة في المعادلة السياسية اللبنانية من جهة، ولأنها من جهة أخرى تمثل عقداً للعمل المشترك مع القوى الغربية التي حلت محل سوريا في الوصاية على جزء مهم من القوى السياسية اللبنانية.

الواضح أن تقديم القرائن للمحكمة الدولية لن يغير شيئاً في طبيعة القرار الظني باتهام عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، بل ربما يضفي على الاتهام «صدقية» إذ يرد بعد فحص القرائن وبعد تنظيف قاعة المحكمة من شكوك الفرضية «الإسرائيلية»، ولعل هذا ما يفسر ذلك الفرح الغامر الذي ساد أوساط المتشددين الآذاريين في ختام مؤتمر نصرالله الصحافي إذ أجمعوا على القول «نتمنى إدانة «إسرائيل» وعلى حزب الله أن يسارع إلى تقديم قرائنه إلى المحكمة» بعبارة أخرى، يمكن القول إنه ما دامت المحكمة أداة من أدوات الوصاية الجديدة على الحياة السياسية اللبنانية، وما دامت وسيلة «لوقف الاغتيالات»، كما وصفها البعض بعيد إنشائها، وما دامت تندرج في استراتيجية اختراق سيادات الدول «لأسباب إنسانية» كما يراها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، فإنه لمن الصعب أن تلعب دوراً مفاجئاً في ملاحقة «إسرائيليين» خططوا ونفذوا جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وحتى يتم ذلك لابد من محكمة أخرى وظروف أخرى ومعادلة سياسية لبنانية أخرى، بل انتشال هذه الجريمة من براثن 14 و8 آذار وإيكالها إلى جهة قضائية مهنية مستقلة علها تميط اللثام عن قاتل أو قتلة رئيس الوزراء اللبناني الراحل ودوافعهم ومحرضيهم. بالانتظار يمكن القول من دون تردد إن محكمة بلمار لا تختلف عن محكمة ميليس في عدالتها البهلوانية ونزعتها الفئوية وبالتالي سعيها لتحقيق الأغراض السياسية التي نذرت من أجلها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165897

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165897 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010