السبت 20 حزيران (يونيو) 2015

حرب القمم و««إسرائيل»» وهندسة الخرائط

السبت 20 حزيران (يونيو) 2015 par نسيم الخوري

منذ سنوات ونحن نشهد في ما أسمّيه ب«حروب القمم» لا بمعنى القوى الإقليمية والدولية ولكن أيضاً بمعاني المعارك الجغرافية وحروب المواقع العالية التي تطلّ على بلاد الشام بانتظار التسويات السياسية التي لا تأخذ في اعتبارها كثيراً الوضع اللبناني.
صحيح أنّ لبنان الرسمي يبدو غير ذي مسؤولية عمّا يحصل، لكنه يغطس عسكرياً وسياسياً بسوريا ويظهر الآن أكثر من معني بالمذبحة الدرزية في «قلب لوزة» في جبل السمّاق في محافظة إدلب، كما بالمستجدّات القلقة التي تحلّ في جبل الدروز. هكذا يبدو فكر التقويم ضرورياً لأنّ الحدث وقع في سوريا وجاء الصدى في لبنان أقوى من الحدث. لقد غرق الجميع بحثاً عمّن يهندس الخرائط أو يعدّلها حنيناً لسوريا المتشظية أو تذكيراً بها. المهندسون معروفون وكلّ يعمل لمصلحته والانكباب على الملفّات الأمنية، بما يوسّع هوامش العلاقات بين السياسات الداخلية والخارجية ويظهر خطورتها أكثر فأكثر وبسرعة. وهنا ملاحظات:
1- كان الدروز في كلّ عهد خبروه يؤكدون على الهوية العربية ومحاربة التفريق والفئوية. وقفوا ببسالة إلى جانب القضايا العربية التي عصفت بهذه الأمة منذ بداية الإسلام. لم ينحنوا. والمعروف عن «بني معروف» حسب تسميتهم أنّ لهم مهابة عامّة واضحة وخاصة في بلاد الشام لأسباب تاريخية كثيرة. صحيح أنّهم أقلية لكنهم مسكونون بالأرض والعرض وهم من أصحاب «القاف» ما تخلّوا عنها يوماً ولم تتمكن مدينة عربية أو أجنبية من كسرها أو تليينها في ألسنتهم وهم يعتدّون بها، كما يعتدّون بعقفة الشاربين والسروال الأسود العربي والبزّة المقصّبة الحمراء.
2- يكفي للتعرّف الجغرافي اليهم الصعود إلى قصر شبيب (2814م عن سطح البحر) أعلى قمّةٍ في جبل الشيخ أو جبل حرمون بالتسمية التوراتية على الحدود اللبنانية السورية. يمكنك من هناك أن تشرف على الكثير من النقاط الملتهبة في الشرق الأوسط وتحديداً على غربي العراق ولبنان وسوريا وصولاً إلى جزيرة قبرص. تبرز تحت ناظريك هضبة الجولان المعروفة بمحافظة القنيطرة ويبرز جبل الدروز أو جبل العرب بمحاذاة فلسطين المعروف بمحافظة السويداء، وهو عبارة عن امتدادات جبلية تمتد وتشهق القمم فيها إلى أكثر من 2000 متر، وعلى سفوح الجبل عدد من المدن والبلدات والقرى التاريخية التي تنطق معالمها بالحضارات الرومانية والبيزنطية اليونانية والنبطية وغيرها. لكنّك إذ تحدّق من فوق لا يسعك سوى الصراخ بأعلى صوتك: فتّش عن «إسرائيل». هناك من جاهر بأنّ ««إسرائيل»» هي بذرة الخراب والدولة الدينية الساعية إلى الصفاء المذهبي، وتحلم من حولها ب «إسرائيليات» دويلات تضمّ تشظيات الدول الكثيرة المتناحرة وأنّ الخرائط بدأت تسحب من الغبار، بينما نرى أنّ المسائل ليست ممكنة لكنها قاسية وشديدة التعقيد. تقول القاعدة في العلوم السياسية إنّ الوقائع هي التي قد تفرز الخرائط وليس العكس، وليس حتمياً أن يكرّر التاريخ نفسه، لكن لماذا تغصّ نبرة الكثير من العرب بالحنين إلى سايكس بيكو جديد؟
3- جاءت ردود الفعل الدرزية التي يمكن رصدها في لبنان، على مجزرة «قلب لوزة»، مضخّمة ومتنافرة متلوّنة كما العلم الدرزي بالانقسامات اللبنانية. تختلط فيها القاف «الدبلوماسية بالقاف القتالية التي لا تحتاج إلى تفكيك، خصوصاً أنّها تأتي على إيقاعات ما حصل مع الأشوريين والكلدان والأزيديين والأقليات المنقرضة في العراق وسوريا تهجيراً وهجراً، أو على إيقاعات ملامح الدولة الكردية «المستحيلة»، لكنّ خيطاً تاريخياً يجمعها قطعاً كأقليّة منخرطة في «قاف» العرب. صحيح أنّهم أغروا عين النظام السوري لبأسهم وشدّتهم وتأميناً لطريق دمشق، وصحيح أنّ «جبهة النصرة » كانت تتطلّع إلى جبل الدروز في الجنوب السوري وهي تذبح ثمانين شيخاً منهم في شماله لكن الأصحّ والأخطر، تحويل العين إلى «إسرائيل» «ودروز» «إسرائيل» (120 ألفاً) ولو تبوّأوا مواقعُ مرموقة في الجيش «الإسرائيلي».
4- لطالما تاق «الإسرائيلي»، قبل المذبحة الأخيرة، إلى مناطق نفوذ درزية على الحدود تكون شريطاً واقياً على طريقة منطقة «جيش لبنان الجنوبي» ف «قلب لوزة» ليست الحبّة الأولى في خبث ««إسرائيل». وإنّ أوضح ما يستطيع أن نستعيده بوضوح معنى تحريك جبهة الجولان الاستراتيجية قبل عامين ومخاطرها المرتقبة.
هذا يذكّرنا من فوق إلى تلك الهندسة الإخوانية التركية، تحت غض النظر الأمريكية، في تسريب من سمّوا بالمجاهدين ثمّ بالإرهابيين ودفعهم في خطّ الشمال السوري التركي، وصولاً إلى الهضبة الواقعة منذ 46 عاماً تحت الاحتلال «الإسرائيلي»، والتي تضمّ في مساحتها ال 1260 كلم مربع المحتلّة، و37 مستوطنة يهودية تضجّ بالمهاجرين اليهود من روسيا. تحت هذا المشهد يمكن أن نصفّ الكثير من الأخبار والأحداث المتناقضة والمتداخلة الخطيرة سواء في محاولة تهديد الدروز في لبنان وسوريا و««إسرائيل»»بعد مهاجمة ارهابيين من «القاعدة» قرية الخضر الدرزية التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن قرية مجدل شمس في هضبة الجولان، والتي رفعت صرخة الدروز في الجيش «الإسرائيلي» للذهاب إلى الجولان حماية لأشقائهم هناك، أو في تصريحات ليبرمان يومها بتقديم المساعدات الإنسانية ل«السوريين الثوار»، أو الإيعاز بفتح أبواب المستشفيات أمام الجرحى في بقعاتا داخل الجولان السوري المحتل، أوالكلام عن إقامة شريط عازل هناك، أو خطف الجبهة ل 35 عنصرا من القوّات الدولية (الإندوف) وتسليمهم في الأردن إلى الأمم المتحدة بهدف تنامي إفراغ القنيطرة باتجاه دمشق من القوات الدولية والكثير من المحاولات الخطرة، وأكثرها خطورة تسريب الكلام عن شريط تحتلّه الفصائل الإسلامية المتشدّدة والذي ذكّرنا ب«الجيش اللبناني الحر» الذي أوكلت إليه «إسرائيل» شؤون الجنوب اللبناني لسنوات طويلة بعد غزو لبنان 1982 والذي ضمّ الكثر من معظم الطوائف اللبنانية.
5- من الوعود الرتيبة بفلسطين إلى الجولان فدرعا وجبل العرب، مراوغة «إسرائيلية» قاتلة وسامّة، وتوغل عارم في تضخيم الوعود الجهادية ومنح «أرض الميعاد» وعوداً تستثمر الموعودين الكثر ببلوغ الجنّة.
يستطيع الرائي، أن يكشف «إسرائيل» وهي تقطف محاصيلها العربية والإسلامية بعدما تيبست زراعات «الربيع العربي» المتنقّل، ويكشف لبنان الغارق في الفراغات الدستورية الممزوجة بالقلق العظيم الذي عاد ينبعث من منطقة المصنع على الحدود السورية اللبنانية نزولاً نحو الجنوب حيث راح يمثل مجدداً تاريخ انفلات الحدود ل«إسرائيل» أو ما سمّي ب«فتح لاند» بحثاً عن تسمية جديدة هي «إسلام لاند» مازالت تتطلّع اليها المجموعات المتشددة من جهة الشرق بهدف الوصول إلى هضبة الجولان أو الى السويداء لا فرق فيها بين جنوبٍ أو شمال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2178941

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع نسيم الخوري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178941 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40