الأربعاء 24 حزيران (يونيو) 2015

نحو استراتيجية أمريكية أكثر تواضعاً

الأربعاء 24 حزيران (يونيو) 2015 par عاطف الغمري

الولايات المتحدة منغمسة الآن في مناقشات على مستوى المؤسسات الرسمية، والخبراء المتخصصون، حول «استراتيجية الأمن القومي». وفي إطارها عرض التوجهات الرسمية الغالبة للإدارة الأمريكية، والتي تتمسك بالإبقاء - أولاً - على التفوق الأمريكي، وثانياً على التوسع في هذا التفوق.
البعض يرى أن هذا يتفق مع الدور العالمي للولايات المتحدة، والبعض الآخر يعتقد بأن هذا التصور يعبر عن نزعة للغطرسة، وطموحات لا معنى لها، وتوجه نحو توسعية لا تحتملها قدرات الولايات المتحدة، في ظروف مناخ دولي متغير ومختلف عما كان عليه الحال في زمن التفوق الأمريكي في العالم. من الذين تابعوا بتعمق هذه المناقشات، البروفيسور ديفيد شالباك، من خبراء التحليل العسكري بمؤسسة «راند» الشهيرة، في دراسة عنوانها «نحو استراتيجية أمريكية أكثر تواضعاً». وقال: إن ما نحتاجه في هذه المناقشات حول الأمن القومي، أن نتنبه إلى أن التحديات طويلة المدى بطبعها من ناحية، وأن الإصرار على دور أمريكا في العالم من ناحية أخرى، يلزمنا، بأن نحدد أولاً تعريفاً لهذه التحديات، وكيفية التعامل مع ما تعنيه بالنسبة للأمن القومي الأمريكي.

ومن المعروف أن التحديات للأمن القومى للولايات المتحدة. ليست ثابتة.. صحيح أنها استمرت على نفس المنوال لمدى طويل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، لكنها دخلت في العشرين سنه الأخيرة في حقبة من التغيرات المتتابعة. فمن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، عرف العالم موقفاً غير مسبوق، لم يعرفه منذ معاهدة وستفاليا عام 1648، التي وضعت أسس النظام الدولي الذي نعيشه حتى اليوم. فبعد هذا السقوط السوفييتي تربعت أمريكا طوال عشرين عاماً، على قمة النظام الدولي، بوصفها القوة العظمى الوحيدة. وبسبب استمرارية هذا الوضع، ترسخ لديها اقتناع بأن عصر القوة العظمى الوحيدة ممتد، ولا توجد نهاية ظاهرة له. لكن العالم بدأ يشهد تطورات غير مألوفة مثل صعود الصين، وصحوة روسيا لاستعادة دورها الدولي، والتراجع النسبي للقوة والنفوذ الأمريكيين في العالم. وهو ما أظهر أن عصر القوة العظمى الوحيدة قد صار تاريخاً، وأن شمسه على وشك المغيب.
يرتبط بذلك - وهو الأهم - أن الولايات المتحدة، كانت قد استخدمت تفوقها الاقتصادي من بعد الحرب الثانية، كوسيلة للتدخل في ترتيبات إنشاء المؤسسات الدولية، وطرق عملها، ومنها البنك الدولي، وصندوق النقد، وبقية المؤسسات، التي بقيت تمثل أساس التجارة العالمية، والنظام المالي العالمي. وبالتالي تضافرت الهيمنة الاقتصادية، مع الهيمنة السياسية.
لكن بعد الصعود الآسيوي، والتراجع النسبي في الاقتصاد الأمريكي، اتخذ التوجه الرسمي للدولة الأمريكية، مسارين متناقضين، أحدهما اعترف به أوباما في خطبه الرسمية، من أن أمريكا لم تعد تستطيع وحدها مواجهة التحديات لأمنها القومي، أو أن تحل منفردة الأزمات الإقليمية، وإنها تحتاج إلى شركاء يتعاونون معها. والمسار الثاني، تمثل في التمسك بمبادئ الهيمنة والتفوق، وهو ما لا تسمح به القدرات الأمريكية الحالية. وأيضاً ما يعتمد نجاحه على الالتزام بعلاقات تبادلية، تراعي إرادات دول العالم الصاعدة، ولا تتجاهل عدالة مطالبها.
وفي إطار هذه المناقشات، يوضح البروفيسور ديفيد شيلباك، أن القوة العسكرية ليست مساوية، للقيادة العالمية. فحتى لو كنت متفوقاً عسكرياً، فإن القيادة لها في هذا العصر، معايير واشتراطات أخرى، لا بد أن تتوافر فيمن يتصدى للقيادة العالمية.
وقد بدا أن كثيراً من المشاركين في المناقشات حول مستقبل الأمن القومي، متفقون على التوجه التوسعي للدور الأمريكي في العالم. وهو ما سبق أن أكده إدارة أوباما في عام 2012، بإعلانها عن توجه استراتيجي عنوانه «المحافظة على القيادة العالمية الأمريكية». ثم ما أعلنه أوباما من التزام بلاده بمستقبل تحظى فيه أمريكا بقدرات عسكرية قوية، تحافظ لها على السيادة العسكرية. وقال: إننا نعيش في عالم متغير يحتاج قيادتنا له.
لكن أصحاب وجهة النظر المخالفة، يرون أن العالم الآن، معقد، وفي حالة فوضى، مما يعني أنه لا يحتاج لقيادة أمريكا، بل يحتاج إلى صيغة تعددية للقيادة العالمية. ثم إن قيادة أمريكا ليست ضماناً لعالم أكثر أمناً، ففي السنوات القليلة الماضية، التي كانت أمريكا فيها قادت حربين لم تحققا نجاحاً في الشرق الأوسط - في أفغانستان والعراق - وتبعهما تصاعد غير مسبوق للعنف، وتكاثر للإرهاب، وخلفت وراءها مناطق أقل أمناً واستقراراً. إضافة إلى الصعود الاستراتيجي للصين، والذي سيغير من ميزان القوى العالمي، لغير مصلحة الولايات المتحدة.
هؤلاء طرحوا تصورهم للخروج من هذا المأزق، بأن تتبنى أمريكا، ما وصف بالاستراتيجية المتواضعة، ما دام الرئيس قد أقر بأن بلاده تحتاج إلى شركاء، يساعدونها في مواجهة التحديات لأمنها القومي، وأن عليها التخلي عن مفهوم التفوق والهيمنة، والقيادة العالمية لأن استمرار سيطرة هذه المفاهيم على استراتيجيتها، سوف يعرضها لخسارة الكثير من نفوذها، في عالم يتغير بإيقاع متسارع، يصاحبه تراجع في قوتها النسبية داخلياً وخارجياً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عاطف الغمري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010