الخميس 19 آب (أغسطس) 2010

القضية الفلسطينية.. برسم التصفية!

الخميس 19 آب (أغسطس) 2010 par د. فايز رشيد

منتهى الغرابة، هذا التنافض الواضح في شخصية «الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس»، فما أمضى عزمه وقناعاته عندما يتحدث عن رفض العمل المسلح ضد «إسرائيل»، باعتبار (أن المقاومة المسلحة هي التي جلبت الدمار لشعبنا وقامت بتخريب بيوت الفلسطينيين، على حد قوله مراراً) وما أشد أسلحته وأمضاها وكذلك قوانينه في محاولة القضاء على المقاومة وملاحقة المنادين بها، وما أسرع أجهزته في متابعة واعتقال من يمتلكون أسلحة (وهي بالطبع أسلحة بسيطة) ومن لديهم نوايا للمقاومة.

على الصعيد الآخر في شخصية «الرئيس عبّاس»، ما أسرع استجابته للضغوطات الأمريكية و«الإسرائيلية»، للانخراط في المفاوضات غير المباشرة، التي ستتحول في الأيام القليلة القادمة إلى مفاوضات مباشرة، وبالاشتراطات «الإسرائيلية» لها، في جملة (من دون شروط مسبقة)، والتي تبنتها الإدارة الأمريكية، ولم يستطع رئيس الدولة الأعظم في العالم أن (يمون) على حليفه نتنياهو حتى بوقف الاستيطان، الذي رغم الادعاء النتنياهوي بوقفه في الضفة الغربية عشرة أشهر تنتهي في أيلول (سبتمبر) القادم، فإن كافة المصادر بما فيها «الإسرائيلية» تؤكد أن الاستيطان «الإسرائيلي» في أراضي (يهودا والسامرة) لم يتوقف مطلقاً حتى لو للحظة في الضفة الغربية، بل هو يجري على قدم وساق كما هو في القدس وضواحيها، تماماً مثل المصادرة «الإسرائيلية» المستمرة لأراضي الضفة الغربية.

وجه التناقض الآخر لدى «الرئيس عباس» يتمثل في : إعلانه المستمر عن زهده في «السلطة»، وتصريحاته الدائمة عن نيته في الاستقالة من منصبه، وهو قد أعلن عدة مرات عن عزمه عدم الترشيح لفترة رئاسة ثانية.

أما التناقض مع هذه المسألة فيتمثل في بقائه في «السلطة» رغم أن المرحلة برمتها يسودها عنوانان : الأول هو ازدياد الضغوطات الأمريكية و«الإسرائيلية» على «السلطة» بتمرير الحل «الإسرائيلي»، الذي هو حل أمريكي أيضاً (تبناه الرئيس بوش منذ عام 2004 في رسالة الضمانات الاستراتيجية الأمريكية للتسوية وعدم ممارسة الضغوطات على «إسرائيل» في كافة القضايا التي ترفضها) ويتبناه حالياً الرئيس أوباما (بتراجعه عن اشتراطاته بوقف الاستيطان «الإسرائيلي» كثمن للمفاوضات بين الفلسطينيين و«إسرائيل») في تأييده المطلق أيضاً لوجهة نظر «إسرائيل» ونتنياهو تحديداً بالنسبة للانخراط في المفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة.

كل ذلك يجري وسط وضوح «إسرائيلي» تام، جلي ومعلن في تصريحات ومواقف تتكرر على ألسنة نتنياهو ووزراء ائتلاف حكومته الفاشية، والناطقين الرسميين باسمه وحكومته ووزرائه : بعدم القبول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، ورفض قبول أية مرجعية دولية للمفاوضات، ورفض تحديد جدول زمني للمفاوضات المباشرة، ورفض بيان اللجنة الرباعية قبل صدوره، الذي اعتمد عليه عبّاس كمرتكز للدخول إلى المفاوضات المباشرة.

هذه اللاءات الأربع «الإسرائيلية» الجديدة تضاف إلى ست لاءات استراتيجية اتخذتها الحكومات المتعاقبة «الإسرائيلية» حول التنكر للحقوق الفلسطينية.

ما الذي يعنيه ذلك؟

ذلك يعني باختصار شديد : اننا وبعدما يقارب العشرين عاماً من المفاوضات مع «إسرائيل» (منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة) الذي كان «الرئيس عبّاس» مهندسها الأول ومخرجها الرئيسي وصولاً إلى مفاوضات ما بعدها) زدنا من عدد اللاءات «الإسرائيلية»، بل ضاعفناها (قبل أوسلو كانت خمس فقط)، الأمر الذي يشي بأن المفاوضات المباشرة ستزيد من عدد اللاءات (الاشتراطات) «الإسرائيلية» للحل، والتي هي خارج امكانية رفض الرئيس أوباما، أو من سيليه، لها (فقد تستمر هذه المفاوضات فترة طويلة أخرى).

«الإسرائيليون» كما الأمريكيون (الذين هم بمثابة الببغاءات لـ «إسرائيل») يهدفون (كلُّ لاعتباراته المتعلقة بدولته) من وراء الضغوطات الممارسة على «السلطة» وعلى العرب للقبول بالحل «الإسرائيلي» جملة وتفصيلاً بما يعني باختصار تصفية القضية الفلسطينية.

أما العنوان الثاني للمرحلة فيتمثل في : بعد انفضاض الحلقة الأولى يتم الانتقال إلى الثانية وهي : القبول العربي الرسمي (الذي تم منذ وقت طويل) ولكن هذه المرّة باعتراف معلن وتمثيل دبلوماسي معزز باتفاقيات تجارية (ربما ستقود إلى مجالات مختلفة أخرى) من كافة أو معظم الدول العربية، بـ «إسرائيل» على اعتبارها «دولة أساسية» في المنطقة، هذه الحلقة لن تتم إلا بعد إنجاز التسوية مع الفلسطينيين. الحلقة الثانية هي بالتأكيد تعني (البصمة العربية هذه المرّة على اتفاقيات «إسرائيل» مع الفلسطينيين).

أمام هذا الوضع فإن كومةً كبيرةً من الأسئلة تفرض نفسها وأهمها ما الداعي لبقاء «الرئيس عبّاس» في منصبه؟ أليس من الأفضل له الاستقالة بعد خطاب عرمرمي يصارح فيه الفلسطينيين بكل ما يجري؟ صائب عريقات كان قد طرح إمكانية حل «السلطة». عبّاس فسرّ ذلك بأن هذا الحل سيتم إذا ما امتنعت الولايات المتحدة والدول الغربية عن تقديم مساعدات لها (في ظل رفض القبول الفلسطيني للمفاوضات المباشرة). في هذه الحالة أليس من الأفضل حل «السلطة»؟ ذلك بدلاً من الدخول في المفاوضات الهادفة إلى تصفية القضية الوطنية لشعبنا! هذه التي دفع في سبيلها الفلسطينيون تضحيات هائلة منذ ما يقارب المئة عام.

رب قائل يختلف مع ما نطرح، ويرى أن من الأفضل لعبّاس أن يظل في منصبه لإفشال التصفية، فهو حتى اللحظة لم يتخّل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية.

لأصحاب وجهة النظر هذه نقول (على الرغم من أن التخلي عن الحقوق الفلسطينية مفهوم واسع، وفي رأينا بدأ هذا التخلي في توقيع «اتفاقيات أوسلو» وما تلاها) ومع ذلك فإن بقاء «الرئيس أبو مازن» في منصبه من أجل إفشال التسوية مرتبط باشتراطات أبرزها :

أولاً : تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده (علينا أن لا ننسى أن ما يزيد على 6 ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات). منذ تشكيل «السلطة» بعد أوسلو جرى تعطيل مقصود للمنظمة ومؤسساتها.

ثانياً : الخلاص وإلى غير رجعة من حالة الانقسام الحالية، بالمصالحة والعودة بالساحة الفلسطينية إلى حالة (حتى لو حالة الحد الأدنى) من الوحدة، في ظل الإدراك بأن السلطتين في رام الله وفي غزة محتلتان، وأن شعبنا ما زال يعيش مرحلة التحرر الوطني.

ثالثاً : إجراء تقييم موضوعي للمرحلة السابقة (منذ اتفاقيات أوسلو وتشكيل السلطة وحتى اللحظة)، وتقييم للمفاوضات ورفض أسلوبها رفضاً مطلقاً في ظل استمرار السمات «الإسرائيلية» والأمريكية لها.

رابعاً : التمسك بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية كمرجعية وحيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية.

خامساً : العودة للمقاومة بكافة أشكالها ووسائلها، وحتى لو أدّى ذلك إلى إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية (التي هي محتلة فعلاً)، ولتكن «إسرائيل» أمام المهمات المباشرة لفعل الاحتلال، وليكتف من يقوم بالأنابة عنه، بما فعل لسنوات.

سادساً : تعميق التلاحم بين الخاص الفلسطيني والعام القومي العربي، فرغم الخسائر الوطنية التي ترتبت على توقيع «اتفاقيات أوسلو» وتشكيل «السلطة» وما تلاها من أحداث، على قاعدة : فلسطنة القضية والتمسك بالقرار الوطني المستقل، (الحق الذي أريد به باطل) ما زالت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ترى القضية الفلسطينية، قضيتها الأولى، وهي على استعداد لبذل التضحيات في سبيلها.

سابعاً : تعزيز التلاحم مع قوى المقاومة والمجابهة في المنطقة، فالخطر الصهيوني ليس مقتصراً على الفلسطينيين فحسب، وإنما يتعداه ويتجاوزه إلى الخطر على عموم العرب، والقوى الصديقة لشعبنا والمؤيدة لحقوقنا (أيّاً كانت منطلقاتها العقائدية) في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.

من دون ذلك، ومن دون الدخول المؤسساتي الفلسطيني الذي تميز بالشلل لحقبة طويلة في دائرة الفعل المؤثر (بالنسبة لـ «سلطتي» رام الله وغزة) لن نستطيع إفشال التسوية ولا من التصدي لتصفية قضيتنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010