الأحد 5 تموز (يوليو) 2015

متى يصبح «التنظيم» خطراً عالمياً؟

الأحد 5 تموز (يوليو) 2015 par د. عصام نعمان

لا اتفاق بين الحكومات والمجتمعات والتنظيمات وأجهزة الإستخبارات وقادة الرأي في العالم على تقويم تنظيم «داعش». فريق يعتبره خطراً هائلاً على الدولة والمجتمع والأمن القومي والنسيج الاجتماعي والقيم الإنسانية. فريق ثانٍ يعتبره خطراً لكنه قابل للاحتواء والمعالجة ولا ضرورة لتضخيم تأثيره وفعاليته. وثمة فريق ثالث لا يرى فيه خطراً بل يعتبره ظاهرة طارئة لها خصوصية مردها ظروف استثنائية تمر بها بعض المجتمعات والجماعات والتنظيمات.
الفريق الأول يشن على «داعش» حرباً استباقية شعواء لتعطيل قدراته قبل أن تتاح له فرص استخدامها في عمليات وحشية ضد الإنسان والعمران وإنجازات الحضارة في الماضي والحاضر.
الفريق الثاني يداري «داعش» ويعالجه بإجراءات احترازية لاحتواء حضوره ونشاطه وتحجيم أضراره.
الفريق الثالث لا يرى في «داعش» خطراً فحسب بل يرى فيه أيضاً حليفاً ورديفاً يمكن التعاون معه ضد أعداء مشتركين.
الواقع أن معظم الحكومات وأجهزة الاستخبارات والجماعات المحافظة في أمريكا وأوروبا وعالم العرب والمسلمين تتوزع في تصنيف نفسها بين الفريقين الثاني والثالث. فهي إما متهاونة في احتواء «داعش» وتعطيل أنشطته أو متعاونة معه ميدانياً ضد حكومات وجيوش وتنظيمات يعتبرها الطرفان، أي الحكومات المعنية و«داعش»، خطراً أو عدواً مشتركاً. أليست حكومة تركيا حليفة «داعش» في وجه وحدات الكرد السوريين في محافظتي الحسكة والرقة المتعاونين مع الجيش السوري؟ ألم تدعم تركيا، قبل ذلك، «جيش الفتح» (بقيادة جبهة «النصرة» المصنفة إرهابية لدى الولايات المتحدة، للاستيلاء على معظم محافظة إدلب في شمال غرب سوريا؟ ألم يغض طيران «التحالف الدولي» النظر عن أرتال «داعش» وهي تزحف عبر البادية لتسيطر على تدمر السورية، مدينةً وآثاراً؟
يعتقد بعض المراقبين أن ثمة تحولاً مرتقباً في مواقف أطراف الفريقين الثاني والثالث المنوه بهما من «داعش» ومن مسألة دعم التنظيمات الإرهابية سيظهر قريباً وذلك نتيجةَ الضربات المدوية التي سددها «داعش» واخوته ضد المدنيين والسياح في تونس، وضد المصلين في الكويت، وضد القضاء المصري بشخص النائب العام هشام بركات، وضد مواقع الجيش والشرطة في سيناء التي ذهب ضحيتها في الدول الثلاث مئات الشهداء والقتلى والجرحى من المواطنين والأجانب.
التحول المرتقب ليس أكيداً. حتى لو تحقق فإنه سيكون في مرحلته الأولى على الأقل، محدوداً لأسباب وكوابح عدة أبرزها ثلاثة:
أولها، أن الدول المعنية، بشكل أو بآخر، بمواجهة الإرهاب، يخوض معظمها حروباً ضد أنظمة إقليمية وجماعات قومية أو مذهبية يعتبرونها أشد خطراً من «داعش» وأخوته، بل يتحالفون مع تنظيمات متطرفة في مقاتلتها وذلك على النحو الذي يجري في سوريا والعراق.
ثانيها، أن الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، تنظر إلى مسألة الإرهاب ومعالجته من زاوية مصالحها الدولية والإقليمية ما يجعلها تتريث في حسم مواقفها من «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تلك التي تتعاون معها، بشكل أو بآخر، بانتظار تبلور الأثمان أو المكاسب التي ستحصل عليها لقاء فك ارتباطها بتلك التنظيمات. تركيا، مثلاً، وظفت جهوداً سياسية وعسكرية كبيرة في مناوأة سوريا ولن تقطع صلتها ب «داعش» و«النصرة» وأمثالهما ما لم تحصل على التعويض السياسي أو الاستراتيجي المناسب. مثلها الولايات المتحدة التي وظفت جهوداً وأموالاً وأسلحه لإضعاف القوى المتحالفة مع إيران في المنطقة، ولا يعقل أن تخرج من هذا الصراع خالية الوفاض.
ثالثها، أن مسألة مواجهة الإرهاب لا يمكن فصلها عن مسألة المفاوضات النشطة بين مجموعة دول 5+1 وإيران بشأن التوصل إلى اتفاق نووي نهائي. ذلك أن تداعيات وبالتالي تسويات وربما تحولات يمكن أن تنجم عنه ما يستدعي وضعها في الحسبان قبل البت في مسألة مواجهة الإرهاب. إن التوصل الى اتفاق مع إيران سيؤدي، بطبيعة الحال، إلى رفع العقوبات عنها وإيفائها أموالها المجمدة البالغة 30 إلى 50 مليار/بليون دولار. من شأن هذا التطور تعزيز قدرات إيران المالية وبالتالي التزامها المعلن بدعم حلفائها الإقليميين، مادياً وعسكرياً. ذلك سينعكس بالضرورة سلباً في البعض ما يتطلب إجراء محادثات وتسويات بين الأطراف ذات الصلة قبل نضج استعداد بعضها أو كلها إلى البت إيجاباً بضرورة الانخراط جدياً في مواجهة الإرهاب بعدما طاولت أذرعته العديد من الدول والساحات في الشرق والغرب.
غني عن البيان أن التأخير في تعبئة الجهود، جميع الجهود الإقليمية والدولية، لمواجهة الإرهاب سيوسع من فرص «داعش» وإخوته في استغلال التناقضات والاختلافات بين الدول والقوى المتضررة من الإرهاب، فيوسع تالياً نطاق وفعالية ضرباته المدوية ضدها. لذلك لن تنجح مواجهة الإرهاب ما لم تصبح مواجهةً عالمية. وهي لن تصبح عالمية ما لم يصبح «داعش» وأخوته خطراً عالمياً.
السؤال المطروح إذاً: متى يصبح «داعش» خطراً عالمياً؟ الجواب: عندما تتمكن الدول والقوى المعنية، دونما تأخير، من التوصل إلى معالجات وتسويات للأسباب والكوابح الثلاثة السابقة الذكر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2181719

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2181719 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40