الخميس 19 آب (أغسطس) 2010

القيمة الكبرى لخطاب المقاومة

الخميس 19 آب (أغسطس) 2010 par د. علي محمد فخرو

للمؤرخ البريطاني اللورد أكتون قول بليغ مفاده أن الحرية ليست وسيلة لغاية سياسية، إذ أن الحرية هي غاية السياسة كلها. وإذا كانت المقاومة، المسلحة والسلمية، هي من أجل دحر غاصب مستوطن كالحركة الصهيونية في فلسطين أو إجلاء مستعمر محتل كالجيش الامريكي في العراق، فانها في النهاية مقاومة هذا أو ذاك من أجل الحرية. من هنا فان المقاومات العربية في فلسطين والعراق ولبنان والمقاومة الإسلامية في أفغانستان يجب أن ترفع من مستوى الوسيلة لتصبح غاية السياسة وروحها في الزمن الذي نعيش.

وإذن فعندما يلقي قائد المقاومة في الجنوب اللبناني السيد حسن نصر الله خطابه الأخير بشأن ضرورة توجيه أصابع الإتهام للكيان الصهيوني كفاعل مجرم رئيسي في حادثة مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، فانه يلقيه باسم حركة مقاومة مسلحة شعبية تحررية، هي في صدام تاريخي مع عدو همجي محتل وتوسعي، وليس باسم حزب سياسي يمارس العمل السلمي العادي. وعليه فان المراقب يعجب من طريقة التعامل مع ذلك الخطاب في وسائل الإعلام العربية.

نحن هنا لا نشير إلى الجهات المرتبطة فكراً ومصالح بالمشروع الصهيوني الأمريكي والحاقدة على كل مقاومة عربية تحاول أن تقف أمام ذلك المشروع الاستعماري، فهؤلاء لهم منطقهم الذي يسعى دوماً إلى نقد وتجريح وتشويه كل خطاب وكل موقف للمقاومة مهما كان يشع بالبطولة والرجولة والنقاء الثوري. وإنما نتحدث عن الذين سارعوا إلى طرح الأسئلة المشككة أو الناقدة حول ذلك الخطاب سواء أكان ذلك بقصد أو بدون قصد، وبالتالي تعاملوا مع ذلك الخطاب وكأنه برنامج أو موقف سياسي لحزب عادي في ظروف عادية.

فأن يسأل أحدهم مثلاً عن أسباب تأخير كشف تلك المعلومات المهمة التي جاء بها الخطاب لبضع سنوات فانه يجهل منطق المقاومات المسلحة التي يجب أن تخضع كل المعلومات التي تجمعها لمنطق اللحظة المناسبة لكسب هذه المعركة أو تلك أو لإرباك العدو في وقت تحدده المقاومة. إن الطلب من المقاومة في أن تكون شفافة سيعني إعطاء الفرصة لاختراقها، فالمقاومات الناجحة تحتاج حتماً إلى أن تلتف بالغموض المتعمد لإبقاء أعدائها في حيرة دائمة. ولذلك فانتظار الجواب على السؤال هو نوع من العبثية إبان معارك التحرير الوطنية الكبرى.

لكن ما يوجع القلب هو إنزال ذلك الخطاب المقاوم المحرج للعدو الصهيوني، والفاضح للمحكمة الجنائية الدولية في تخبطها الإنتهازي الموجه من بعض دول الغرب للضغط على هذه الجهة العربية أو تلك.. إنزال الخطاب إلى مستوى المماحكات القانونية والسياسية والمذهبية التي تموج بها المنطقة العربية. إن ذلك الإنزال يبتذل روح التحدي لأعداء هذه الأمة التي اتصف بها ذلك الخطاب ويضعف من وهجه التحرري الرافض للخضوع لمنطق الكذب والإفتراء الامريكي، منطق ذرف دموع التماسيح اللئيمة على حادثة اغتيال بشعة لا تخصها من قريب أو بعيد، وإنما تخص لبنان وأرض العرب في الدرجة الأولى.

إن الذي تابع مستوى ومحتوى الإتصالات التلفونية بالمحطات التلفزيونية العربية التي ناقشت الخطاب، والذي قرأ ما كتبته بعض الصحف العربية، يكتشف أمراً خطيراً في الساحة النضالية العربية. إنه يكتشف قدرة عجيبة عند البعض على عدم التفريق بين قيمة الخلافات الفرعية، من مثل الخلافات المذهبية أو الاختلافات حول تحالفات المقاومة اللبنانية مع هذه الجهة أو تلك، وقيمة الصراع التاريخي البالغ الأهمية بين المشروع الصهيوني الأمريكي والأمة العربية. إن تقييم خطاب لمقاومة باسلة، هي في صراع حياة أو موت مع هجمة بربرية بالغة الحقارة والخطورة، من خلال الخلافات السنية الشيعية العبثية أو الموقف السياسي من جمهورية إيران الإسلامية في هذه الساحة أو تلك أو ضعف العلاقة بين المقاومة وهذه الدولة العربية أو تلك..... إن مثل هذا التقييم هو نوع من العبث بقضايا الأمة الكبرى وإضاعتها في جحيم خلافات هامشية لا تتعب بعض قوى هذه الأمة من نبشها والتلذذ بالعيش تحت ظلالها.

هناك خطابات تاريخية لا يتعامل معها كورقة أدبية أو مقالة صحافية إنما يجب أن توضع في سياق قائليها التاريخية. إن إخضاع اللاعادي بمنطق العادي خطأ جسيم في حياة الأمم. خطاب المقاومة اللبنانية كان من النوع التاريخي لأنه كان جزءاً من مسيرة نضال تضحيات جسام من قبل شعب لبناني في الجنوب، قبل بالموت والدمار والدموع في سبيل الحرية وفي سبيل كرامة الوطن. ولأنه كان كذلك احتاج أن يتعامل معه بروح ومنطق ومستوى تلك التضحيات الجسام وإبعاده عن سفاسف الحياة السياسية اليومية العادية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165937

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165937 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010