الأحد 19 تموز (يوليو) 2015

لماذا يعادي المحافظون الأميركيون العلم والعلماء؟

الأحد 19 تموز (يوليو) 2015 par حسني عايش

تدل الاستطلاعات العامة التي تجري في أميركا بين الحين والآخر، أن ثقة معظم الأميركيين بقادة العلم أقوى منها بأي قادة آخرين، سوى قادة المؤسسة العسكرية. غير أنه في دراسة في العام 2012، أجراها غوردون جوشات من جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، تبين أن الثقة بالعلم والعلماء في تراجع مثير عند من يصفون أنفسهم بالمحافظين السياسيين، وأنهم يبتعدون عن المجتمع العلمي. وقد سميت هذه الظاهرة بظاهرة “الذكي الأحمق”. بينما ثقة الليبراليين بالعلم لم تهتز. وفي تفسير هذا التحول السلبي للمحافظين نحو العلم، تُذكر الأسباب أو العوامل التالية:
1 - بروز اليمين كحركة سياسية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
2 - قيام المحافظين بصنع نسختهم الخاصة للحقيقة العلمية وغيرها، وتقوية التعاون مع مؤسسات بحث خاصة على شاكلتهم، مثل مؤسسة التراث (Heritage Foundation) ومعهد كاتو (Cato Institute)، وهدفهم من ذلك الرد على “تخرصات؟” الجامعات والعلماء والمثقفين.
3 - صياغة المحافظين عالماً إعلامياً بديلاً، يتمحور حول قناة فوكس وراديو لمباو المحافظين، حيث يتعرض للهجوم عدد من القضايا المسيسة، مثل ارتفاع درجة حرارة الأرض أو الاحتباس الحراري، ونظرية التطور، وبحوث الخلايا الجذعية، وغيرها. إنهم يعتبرون عالم العلم والجامعات ميداناً ليبرالياً معادياً ومتحيزاً، يجب عليهم التصدي له بعالم معرفة مضاد. وبما أن الأمر كذلك، فإن من الطبيعي أن تتراجع ثقة الناس بالعلم ومؤسساته، وبخاصة عند المحافظين الأكثر تسيساً.
4 - التفسير السيكولوجي للخلاف والاختلاف. فتحت السطح، توجد “مقررات” سيكولوجية قوية لهذا الخلاف والاختلاف، وتفسيرات سياسة وسوسيولوجية فوق السطح، ما يجعلنا بحاجة الى التفسيرين. لقد أصبح الذين يصفون أنفسهم اليوم بالمحافظين، مختلفين عما كانوا عليه في الأمس؛ في العام 1974 مثلاً. لقد صاروا اليوم أكثر صلابة وخشونة وانغلاقاً عقلياً. وعليه، لم تعد أميركا منقمسة سياسياً، بل نفسياً أيضاً؛ ففيها فريق يرى العالم ملوناً، وفريق آخر (المحافظون) يراه أسود وأبيض. إنهم يتمسكون بمعتقدات ثابتة، وهي أصولية مسيحية في الأعم الأغلب، تتجمع في الحزب الجمهوري و“حزب الشاي” الجديد. وبكلمات أخرى، لقد تغيرت هوياتهم النفسية بمرور الوقت، وهم عادة سلطويون.
كانوا إبان ما يسمى بالصحوة الدينية يدّعون أن جميع الأجوبة، بما في ذلك العلمية، موجودة في الكتاب المقدس. أما اليوم، فقد تجاوزوا ذلك بإنكار العلم نفسه لاختلافه مع ما هو موجود في الكتاب المقدس أو مع مصالحهم، مثل التلوث والاحتباس الحراري، لأنهما يوجبان عليهم الإنفاق للتخفيف منهما.
5 - لقد دفع هجوم المحافظين المتناغم على الليبرالية، الطبقة الوسطى من البيض التي أيدت “الصفقة الجديدة” (The New Deal)؛ وهو الإصلاح الداخلي الذي قام به الرئيس فرانكلين روزفلت بمرحلتيه (1933-1934، 1935-1941) إلى الكفاح من أجل حقوق الإنسان، ثم حقوق المرأة، فحقوق المثليين. وفي الوقت نفسه، أدت تعبئة المسيحيين المحافظين السياسية إلى إقامة صلة أكثر قوة بمن يصفون أنفسهم بالمحافظين وإلى اعتناق الأصولية المسيحية.
وبموجب هذه النظرية المفسّرة لصعود المحافظين ورفضهم لموقف العلم من بعض القضايا، لم ينشئ المحافظون مراكز بحوث فقط للرد على العلماء، بل هاجموا الجامعات حيث يوجد الليبراليون والعلماء، وتعاونوا في ذلك مع المراكز ووسائل الإعلام المتماثلة معهم.
6 - نزعة البشر -عموماً- الى رؤية العالم بالأسود والأبيض، ما يجعل كثيراً منهم يصف نفسه بالمحافظ. وعندما يُرى العالم بطريقة سلطوية، فإن الأكثر احتمالاً رفضه لمعارضيه الأيديولوجيين كالعلماء وغيرهم من دون مساومة، ووصف الخصوم بالآخر أو بالجماعة الأخرى (أو الضالة)، فلا يقدرون الفرق الدقيق وأسلوب التفكير والكتابات العلمية وبالتالي الليبرالية، فالسلطويون معروفون بعدم تسامحهم مع اللايقين الذي هو دم الحياة في العلوم.
إنهم ليسوا بحاجة لأي جديد في العلوم لا يتفق مع أيديولوجيتهم السياسية. وهم عندئذ ليسوا مخطئين بل أسوأ؛ لأنهم مخطئون ومتأكدون من أنفسهم أنهم غير مخطئين أبداً. إن من غير المحتمل في نظام ديمقراطي التقاء السلطوية مع العلم، ومثله التقاء السلطوية مع الليبرالية، فالاختلاف بين طريقتيهما في التفكير والوجود عميق جداً، والصراع بين العلم والسلطوية لا يعود الى أيام جاليليو فقط بل إلى أبعد من ذلك.
أخيراً، لا نستطيع حل أو فهم مشكلة من دون معرفة مصدرها. وفي هذه الحالة، فإن مصدرها سياسي وسيكولوجي معاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2180645

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حسني عايش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2180645 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40