الجمعة 7 آب (أغسطس) 2015

تداعيات الاتفاق النووي من وجهة نظر أميركية

الجمعة 7 آب (أغسطس) 2015 par زياد حافظ

جلسة استماع لجنة القوات المسلّحة في الكونغرس في 29 تموز/يوليو 2015كانت مثيرة ومعبّرة عن ذهنية النخب الحاكمة في الولايات المتحدة تجاه الاتفاق حول الملفّ النووي بين مجموعة الخمسة زائد واحد والجمهورية الإسلامية في إيران. فعلى مدى أكثر من ساعتين ونصف أدلى ثلاثة خبراء في الشأن الدولي بشهادتهم حول تداعيات الاتفاق على أمن ومكانة الولايات المتحدة في العالم وخاصة في منطقة شرق الأوسط. وتلت الشهادات الثلاثة أسئلة من قبل أعضاء لجنة القوات المسلّحة حول الاتفاق عكست ذهنية النوّاب من جمهوريين وديمقراطيين حول الموضوع.
الخبراء الثلاثة هم مايكل سينغ ومايكل ايزنستاد من معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى وجون الترمان نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية. من الواضح أن شهادتي الخبيرين من معهد واشنطن كانتا سلبية تجاه الاتفاق كما هو متوقع من مؤسسة تابعة للوبي الصهيوني أيباك بينما كانت شهادة الترمان أكثر توازنا وأكثر موضوعية خاصة في شرح ملابسات الاتفاق وموازين القوة في المنطقة وفي العالم التي اعتبرها ما زالت تميل لمصلحة الولايات المتحدة.
ما يمكن استنتاجه من تلك الجلسة هو أن إرادة الإدارة في تسويق الاتفاق واضحة وقوية وإن كانت درجات الحماس لها متفاوتة. كما أن البدائل للاتفاق كما يطالب بها خصوم الاتفاق ليست إلاّ المزيد من العقوبات على الجمهورية الإسلامية أو في الحد الأدنى عدم رفع العقوبات. واعتبر ايزنستاد أن عدم طرح الخيار العسكري من قبل الولايات المتحدة أضعف القوة التفاوضية مع إيران بينما لم يشاطره الرأي الترمان الذي اعتبر الاتفاق “مناسبا” (adequate). طبعا لم يكن هذا التأييد مثيرا بل عكس ذهنية النخب الحاكمة التي اعتبرت أن ما حصل من اتفاق هو أحس ما كان ممكنا في الظروف الراهنة. طبعا، هذا يثير نقطة حسّاسة وهي هل ستستمر الولايات المتحدة بعد فترة من الالتزام ببنود الاتفاق وخاصة عند مجيء رئيس جديد إلى البيت الأبيض؟
أما خطاب الإدارة الأميركية للكونغرس فلا يغيب عنه بعض الالتباس. فمن جهة هناك من يعتقد أن الجمهورية الإسلامية في إيران دولة مارقة ولا يمكن الوثوق بها وتشكل تهديدا وجوديا للكيان الصهيوني فلا يمكن الموافقة على الاتفاق بشكله الحالي بل لا بد من الاستمرار بالعقوبات أو المزيد منها أو حتى الذهاب إلى الحرب. هذا ما يمكن استخلاصه من شهادتي ايزنستاد وسينغ وهناك داخل الإدارة من يشاطرهما الرأي خاصة عند اللذين سرّبوا للكيان الصهيوني تفاصيل المفاوضات وهم من الفريق المفاوض! وهذا ما يدعو إليه كل من ليندساي غراهام وجون مكين ومايك هوكابي على سبيل المثال وليس الحصر.
أما الخطاب الثاني الصادر عن البيت الأبيض فهو أن الجمهورية الإسلامية في إيران دولة مارقة ولا يمكن الوثوق بها وبالتالي وضعنا آليات الرقابة والتفتيش لمنعها من أي اختراق وأن رفع العقوبات هو تدريجي ويمكن العودة إليها متى شاءت الولايات المتحدة عند أول خرق. وقد أشار جون الترمان أن لجنة التفتيش والرقابة مركّبة بشكل واضح ليميل إلى وجهة نظر الولايات المتحدة! الغريب في كل ذلك أنه لم يتقدّم أي خبير ولا أي نائب عن تقديم الأدلّة عن خرق إيران للمواثيق الدولية وأو عن الإخفاق بأي التزام. ما زال الحكم على نوايا افتراضية غير موثقة هو ما يحرّك الخطاب الأميركي المعادي لإيران ولكن يقين الموقف الأميركي هو الاعتراض على موقف إيران من الكيان الصهيوني ودعمها لحركات المقاومة للكيان. إن تخلّت إيران عن فلسطين فستصبح بين ليلة وضحاها حبيبة الولايات المتحدة وتفتح لها كل الأبواب بما فيه التخصيب النووي كما تشاء! يعتقد البعض في الإدارة أن الاتفاق سيشجّع أطرافا في إيران على الضغط على الحكم بالشكل التي تريده الولايات المتحدة وحتى على تغيير توجّهات النظام. هذه هي أحدى الحجج التي تروّجها الإدارة لتسويق الاتفاق!
علّق بعد النواب على مخاوف تعود إلى تفكّك قد يحصل بين حلفاء الولايات المتحدة في الانضباط في مواجهة إيران كما أي روسيا والصين بالمرصاد للولايات المتحدة في المنطقة. يذكّر الترمان أن كل من روسيا والصين، وهما على خلاف حاد مع الولايات المتحدة في العديد من القضايا والملفات، إلاّ أنهما تعاونا بشكل ملموس مع الولايات المتحدة في المفاوضات مع إيران. لذلك لا داعي للتخوف من فكّ الارتباط بين الحلفاء في مواجهة إيران وإن كان كل من المانيا وبريطانيا وفرنسا لاهثة وراء الصفقات مع الجمهورية الإسلامية! وها هو وزير خارجية فرنسا في طهران يستبق منافسيه الألماني أو البريطاني! أما الترمان فيعتبر أن كل من روسيا والصين ستضمنان إيران من الالتزام بتعهّداتها إثر الاتفاق النووي.
أثار بعض النواب مسألة تداعيات الأموال التي ستستفيد منها إيران بعد رفع العقوبات من دعم اقتصادها ودعم “الإرهابيين من حماس وحزب الله”. هذا ما أكّده ايزنستاد من خلال شهادته. لكن الترمان قلّل من أهمية ذلك معتبرا أن الاقتصاد الإيراني صغير جدا فلا يتجاوز الناتج الداخلي الإيراني ناتج ولاية مريلاند الآتي منها! فالأموال التي ستعود إلى إيران، وإن كانت مهمة نسبيا، لن تزيد بشكل ملموس قدرة إيران على المزيد من “التدخّل” في شؤون دول المنطقة. في هذه النقطة بالذات اعتبر سينغ أن ضخّ عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الإيراني سيسبب تضخما في الأسعار ولذلك “ستبقى تلك الأموال خارج إيران لفترة غير قصيرة إلى أن يستطيع الاقتصاد الإيراني على استيعابها”!
اما الجلسة المسائية لجلسة الاستماع فحضرها رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي. شهادة ديمبسي كانت هامة إذ أعرب للجنة التي لم تخف سلبيتها تجاه الاتفاق أن الاتفاق مع إيران يقلّل من احتمال إقدام الجمهورية الإسلامية على بناء القنبلة النووية. من الواضح أنه يؤيّد الاتفاق وان غاب عنه الحماس في ذلك الدفاع. كما أعلن عن نصيحته للبيت الأبيض على إبقاء لأطول فترة من الزمن العقوبات على إيران. لكنه بالمقابل فنّد الادعاءات أن الأموال التي ستدفق على إيران من رفع العقوبات ستذهب لتمويل “المنظمات الإرهابية” كحزب الله وحماس!
أما وزير الدفاع أشتون كارتر فاعتبر أن الاتفاق لن يمنع الولايات المتحدة من الهجوم على إيران إذا اقتضى الأمر ذلك! الملفت للنظر أن رئيس هيئة الأركان لم يشاطره الرأي واعتبر أن الهجوم على إيران بمثابة عمل حربي يؤدّي إلى إعلان الحرب! بات واضحا التناقض بين أركان المؤسسة الحاكمة مما يدّل مرّة أخرى أنه ليس هناك من رأي واحد داخل الإدارة وليس هناك من تنسيق أو ضبط إيقاع مواقف المسؤولين. فإلى حدّ ما تشبه الإدارة “حارة كل من أيدو للألو!” التقليل من احتمال قيام حرب وفقا لخطاب المؤسسة العسكرية المتمثلة بمارتن ديمبسي وليس بوزير الدفاع لا يلبّي رغبات الصقور في الكونغرس الذين يعتبرون الحرب غاية في حد نفسها. لكن هذا التناقض يصب في خانة عدم الحماس عند أطراف عديدة، باستثناء الرئيس الأميركي نفسه، في الدفاع عن الاتفاق. الرئيس الأميركي يريد ذلك الاتفاق لتكريس مكانته في السياسية الخارجية كرئيس استثنائي استطاع فتح العلاقات مع كل من كوبا ومن إيران. لكن لا يتوارى الرئيس الأميركي عن اتهام إيران بالتفريط بأمن المنطقة وتهديد دول الجوار لها وأنه لا يثق بها!
أما الرأي العام الأميركي فيميل بشكل واضح للموافقة على الاتفاق بنسب 54 بالمائة من تأييد و43 بالمائة من رافض للاتفاق. لذلك نرى حملة دعائية على شاشات التلفزيون الأميركي تدعو الأميركيين لعدم الموافقة عليه بحجج واهية. بصمات اللوبي الصهيوني واضحة ولكن الأخير مهدد بخيبة أمل حقيقية خاصة إذا ما صحّت استطلاعات الرأي العام التي عرضها موقع “موندو وايس” اليهودي الأميركي المناهض لسياسات الكيان واللوبي الصهيوني. ويضيف الموقع أن اليهود الأميركيين بدأوا بالتراجع عن حماسهم تجاه الكيان وأن أكثرية الثلثين للشباب اليهودي الأميركي لا يؤيد سياسات الكيان. كل ذلك يدلّ على أننا على أبواب تحوّل كبير في الرأي العام الأميركي وخاصة عند الجالية اليهودية تجاه سياسات الكيان مما سيضعف قدرة اللوبي على وأد الاتفاق مع إيران. حتى هذه الساعة لم يتمكن الجمهوريون واللوبي الصهيوني من حشد الأصوات داخل الكونغرس لتجاوز حق النقض للرئيس الأميركي الذي سيمارسه فيما لو أقدم الكونغرس على رفض الاتفاق. لكن السؤال يبقى ماذا بعد أوباما وكيف سيتصرّف الرئيس الأميركي المقبل؟ وهل يمكن الوثوق بالولايات المتحدة في الاستمرار في التزاماتها خاصة وأن تاريخها مليء بحوادث نقض الاتفاقات؟ هذا هو الرهان الذي تخوضه الجمهورية الإسلامية ومعها محور المقاومة والممانعة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع زياد حافظ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010