بدأت تتصاعد، مؤخرا، واحدة من أهم الأزمات الداخلية في الحركة الصهيونية، والتي من شأنها أن تزيد من ظاهرة ابتعاد أبناء الديانة اليهودية في أوطانهم عن المؤسسات الدينية والصهيونية، وبالتالي ابتعادهم عن المشروع الأساس للصهيونية: إسرائيل. وتتمثل هذه الأزمة في سعي التيار “الديني الصهيوني” المتشدد إلى السيطرة على مؤسسات الحركة الصهيونية، وعلى قنوات الاتصال بين المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة والمجتمعات اليهودية في العالم. وهو سعي صدامي حتمي، على ضوء تنامي الأجواء الليبرالية المنفتحة في تلك المجتمعات، وشعورها بالضيق من الشرائع الدينية الصارمة التي تدفعها للابتعاد أكثر عن الدين.
فقد تبين في الأسبوع المنتهي أن حصول زعيم تكتل أحزاب المستوطنين في الكنيست، وزير التعليم نفتالي بينيت، على حقيبة ما يسمى “يهود الشتات”، لم يكن صدفة؛ بل كان في سياق سعي التيار الديني الصهيوني إلى السطو على مسار العلاقة بين إسرائيل ويهود العالم، ومن خلاله السطو على مؤسسات الحركة الصهيونية، بعد أن نجح في السيطرة على مفاتيح مهمة جدا في النظام الإسرائيلي الحاكم، ومن قبله الجيش.
ويرتكز هذا التيار الديني السياسي الأشد عنصرية وتطرفا، على قاعدة جماهيرية تزداد تشددا، هي الجمهور الأكبر بين المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وبات قوة مركزية في الحكم. وهو يتمدد في الأروقة الرسمية الأهم، ويختار الوظائف البرلمانية والحكومية بدقة، كي توصله إلى الهدف، وهو قيادة الحكم بشكل مطلق في مرحلة لاحقة، رغم الضربة الانتخابية التي تلقاها هذا التيار في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بفعل نجاح “الليكود” في اختراقه مرحليا.
وللتوضيح، فإن بين اليهود تيارين دينيين مركزيين: التيار الديني المتزمت “الحريديم”، المناهض من حيث الجوهر للصهيونية، ولكنه مقسوم بين انخراط في مشروع “دولة إسرائيل” ككيان عابر، وبين رفض الانخراط الكلي؛ والتيار “الديني الصهيوني” المنخرط في الحركة الصهيونية، وكانت له في بداياته نظرة أكثر ليبرالية دينية، ولكنْ مع السنين تزايد جرف التطرف فيه، حتى بات الليبراليون دينيا وسياسيا في صفوفه قوة هامشية جدا ليست ملموسة، بخلاف الماضي. بينما واقع حال هذا التيار في العالم هو العكس تماما، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية؛ المركز الثاني عالميا لأبناء الديانة اليهودية.
من باب الاختصار نقول: إن الصهيونية باتت تدرك في السنوات الأخيرة، تزايد ظاهرة ابتعاد أبناء الديانة اليهودية في العالم عن المؤسسات الدينية والصهيونية، خاصة بين الأجيال الشابة الناشئة، وبنسب تصل إلى 50 % وما فوق، ممن لا يشعرون بانتماء يهودي، وهم في غالبيتهم يتجهون إلى الزواج من ديانات أخرى، ما يكون فاتحة على الأغلب، للانقطاع كليا عن اليهودية، وبما يعني من ناحية الصهيونية، تراجع أعداد القواعد اليهودية التي هي على استعداد للتفكير ذات يوم في الهجرة إلى إسرائيل.
وبموازاة ذلك، يتسع بين اليهود المتمسكين بيهوديتهم، التيار الديني الليبرالي، والرؤى الليبرالية للمجتمع، كي يكون بإمكانهم الاندماج أكثر في مجتمعاتهم الوطنية حيث دولهم، ونخص بالذكر الولايات المتحدة وفرنسا التي تعد المركز الثالث لليهود في العالم. إلا أن المؤسسة الدينية الإسرائيلية المتشددة ترفض تلك التوجهات الليبرالية وتتصدى لها، وترفض أن يكون لها موطئ قدم في إسرائيل. وفي المقابل، يعرف قادة الصهيونية أنه من دون الاعتراف والقبول بالتيار الليبرالي، فإن الصهيونية ستحاصر أكثر بين اليهود، ما سيزيد من أزمتها. ومن هذا المنطلق، يشعر قادة الوكالة اليهودية (الصهيونية) بضيق شديد من سطوة نفتالي بينيت وتياره على مسار العلاقة بين إسرائيل ويهود العالم، من خلال برنامج “تعزيز الهوية اليهودية” لدى يهود العالم.
بدايات الأزمة التي قرأناها في الأيام الأخيرة، كانت رسالة قادة الوكالة اليهودية-الصهيونية لبنيامين نتنياهو، تبلغه فيها رفض التعامل مع بينيت وبرنامجه. وما نستطيع قوله منذ الآن، إن ما يبدو كأزمة تدور حاليا على “نار هادئة”، من شأنها أن تتحول مع السنين الى صدام عنيف وانفجار حتمي داخل المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، والحركة الصهيونية ككل، ومن نتائجهما المتوقعة جدا، والتي كانت قد وردت قبل سنوات في بحث في جامعة حيفا، أن العلمانيين اليهود سيزيد ضيقهم، ما سيدفعهم إلى الهجرة بوتيرة أكبر من الكيان الإسرائيلي.
السبت 15 آب (أغسطس) 2015
الأفعى الصهيونية تأكل ذيلها
السبت 15 آب (أغسطس) 2015
par
برهوم جرايسي
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
25 /
2165950
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف برهوم جرايسي ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2165950 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 12