السبت 22 آب (أغسطس) 2015

إلى أين ستقود التهدئة الطويلة الأمد في غزة؟

السبت 22 آب (أغسطس) 2015 par رامز مصطفى

كثيرة هي التسريبات التي ازدادت هذه الأيام، حول قرب التوصل إلى تهدئة طويلة في قطاع غزة بين حركة حماس من جهة، وبين إسرائيل من جانب آخر. هذه التسريبات أضحت وكأنها في حكم المنجز، على اعتبار أنّ حركة حماس قد أكدت أنها أجرت مشاورات مع عدد من الفصائل الفلسطينية، في ما يتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار في غزة بموجب المبادرة المصرية في آب 2014، والتي بموجب الموافقة الفلسطينية و الإسرائيلية عليها توقف العدوان الصهيوني على أهلنا في القطاع، وأعلنت قوى المقاومة انتصارها في هذه الحرب الإجرامية، والتي استمرت 51 يوماً لم تُبق ولم تذر.

حركة حماس تعمّدت التعمية قبل أشهر حول الاتصالات والعروض التي حصلت أو نقلت إليها عبر وسطاء دوليين أو إقليميين، ويومها قيل عنها إنها دردشات، لم ترتق إلى مستوى المفاوضات غير المباشرة والموافقة على تهدئة طويلة. ومن جانبها السلطة الفلسطينية ورئيسها وفي ما يشبه الاستنفار السياسي والإعلامي وحتى الديبلوماسي للردّ على خطوة التهدئة الطويلة هذه، وما سيترتب عليها من خطوات وتداعيات. وهي أيّ السلطة ومنذ أشهر تعلن أنّ مفاوضات مباشرة وغير مباشرة تجري بين حماس و»إسرائيل»، حتى أنّ رئيس السلطة السيد محمود عباس قد أعلن أنّ اللقاءات قد عُقدت في إحدى الدول الأفريقية من دون أن يُسمّيها. أما «إسرائيل» وعلى لسان مصادر تنفي هذه التسريبات، بعكس بعض وسائل إعلامها التي تؤكد عن قرب التوصل والتوقيع على الاتفاق عبر الوسيط المتصهين طوني بلير، وكلّّ من تركيا ودولة قطر.

في العودة إلى البدايات حول تحقيق التهدئة الطويلة، فإنّ اتفاق القاهرة المتعلق بوقف النار في آب 2014، قد رحّل إلى المرحلة الثانية من استئناف المفاوضات الغير المباشرة بعد شهر من وقف الحرب العدوانية على غزة، بين وفد فلسطيني موحّد ووفد «إسرائيلي»، النقاط المؤجلة منه والمتعلقة بالميناء والمطار ورفع الحصار وإعادة الإعمار وملف أسرى صفقة شاليط. وكانت جملة من التصريحات والآراء والتوصيات والمقترحات، تؤشر إلى أنّ ثمة مرحلة جديدة سيشهدها قطاع غزة.

فالباحثان جلعاد شار وليران أوفك من «معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني» قالا: «إنّ إعماراً مدروساً وموزوناً لغزة هو من مصلحة الكيان حالياً لأنّ ذلك سيقلل من رغبة حماس في فتح مواجهة جديدة»، واعتبرا «أنّ المقاومة وضعت رفع الحصار وبناء الميناء خلال الفترة المقبلة كهدف أعلى ومستعدّة في سبيل ذلك لهدنة طويلة الأمد». وكان رئيس جهاز الموساد الأسبق شبتاي شافيط، قد رأى أنه «لا يمكن للعملية العسكرية التي انتهت ضدّ قطاع غزة، أن تحقق أهدافها ضدّ حماس، وأنه يجب العمل على تحقيق تهدئة طويلة الأمد قدر الإمكان». أما رئيس أركان جيش الاحتلال بيني غانتس فقد صرّح بعد انتهاء العدوان بقوله: «إنّ جيشنا سيساهم في إعادة بناء قطاع غزة، وندخل الآن في فترة زمنية صعبة سنقدّم خلالها العون من أجل ترميم القطاع».

وخلال اللقاءات التي عقدها مبعوث الأمم المتحدة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري مع ممثلين من حركة حماس، اقترح عليهم هدنة طويلة الأجل، تستمرّ حتى خمس سنوات، بغرض إعادة إعمار قطاع غزة، تحت إشراف حكومة الوفاق الوطني. وهذا ما عبّر عنه وزير التنمية الدولية البريطاني ديسموند، عندما أكد أنه «من الممكن تقديم المزيد من الدعم والمساعدات، ولكنها مقرونة بمدى التطوّر السياسي على الأرض». أما طوني بلير وفي كلمته أمام مؤتمر إعمار غزة الذي عُقد في مصر، قد قال: «نحن جميعاً نعرف ما يجب القيام به، وقف الصواريخ والأنفاق وكافة أشكال الترهيب».

أما الوزير الأميركي جون كيري وفي ذات مؤتمر إعمار غزة، فقال بوضوح وعن اقتناع عميق: «اليوم أقول إنّ الولايات المتحدة تظلّ ملتزمة كلياً وتماماً بالعودة إلى المفاوضات، ليس من أجل المفاوضات، ولكن لأنّ هدف هذا المؤتمر ومستقبل المنطقة، يتطلب ذلك». وأضاف كيري: «لا أعتقد أنّ أيّ شخص في هذه القاعة يريد أن يعود بعد عامين أو أقلّ إلى نفس المائدة للحديث عن إعادة إعمار غزة بسبب التقاعس عن التعامل مع القضايا الأساسية التي تؤدّي إلى تكرار النزاع».

وفي إشارة بالغة الدلالة والوضوح، صرّح رئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية السابق غيورا أيلاند إنّ «حماس ليست منظمة إرهابية مثل القاعدة، هي حركة سياسية انتخبت ديمقراطياً، وهي تمثل السكان الذين يدعمونها. ومصلحة حماس هي أولاً وقبل كلّ شيء حزبية، فهي تسعى إلى تحقيق شرعية دولية لحكمها في غزة»، وأضاف أيلاند: «صحيح أننا وحماس أعداء، لكنّ هذا لا يعني أنّ تضارب المصالح بيننا سيبقى بالمطلق، ولما كان هكذا فإنّ إسرائيل يمكنها أن تسمح لحماس أن تحقق مطلبها مقابل هدوء طويل المدى، والذي سيستمرّ إذا كنا سنخلق لحماس، إلى جانب الردع، حافزاً إيجابياً للحفاظ عليه أيضاً، حافز لا يتناقض بالضرورة مع احتياجاتنا الأمنية».

ولم تقف المؤشرات عند حدود التصريحات أو المقترحات في الجانب الدولي أو «الإسرائيلي»، بل تخطاه إلى تصريحات من قبل بعض قياديّي حماس. ففي أيلول العام 2014، أي بعد قرابة الشهر على وقف الحرب الصهيونية الثالثة على قطاع غزة، فجر الدكتور موسى أبو مرزوق قنبلة سياسية من العيار الثقيل. عندما صرّح في مقابلة مع قناة القدس الفضائية «أن لا مانع لدى حماس أن تتفاوض مع إسرائيل. وما كان في الماضي من المحرمات يمكن أن تتمّ تسويته اليوم». وتابع أبو مرزوق: «كما تقاوم الاحتلال بالسلاح، يمكن التفاوض معه من خلال الكلمات». وأضاف الدكتور أبو مرزوق في حينه «أنّ الحركة قد تذهب للتفاوض بضغط من شعبها في غزة». والأستاذ اسماعيل هنية بدوره كان قد صرح في رمضان الماضي «أن أبشروا، رمضان الماضي كان الزرع، ورمضان الحالي سيكون الحصاد، الفرج قريب، والمرحلة المقبلة ستحمل الخير لأهل غزة الصامدين». وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة، صرح بدوره: «إنّ إسرائيل وحماس، في طريقهما إلى التوصل إلى اتفاق تهدئة، يخفف عن سكان قطاع غزة المحاصرين، ويمنحهم فرصة لالتقاط الأنفاس».

نحن أمام احتمالية جدية تقودنا إلى مشهد جديد من مشاهد التغريبة السياسية الفلسطينية، في إعلان الاتفاق عن تهدئة طويلة بين حماس و»إسرائيل»، لم يعد معها عدد السنوات لعمر هذه التهدئة كثير الأهمية، بل ما سيترتب عليها. ولعلّ ما كتبه البروفيسور الصهيوني إيال زيسر في صحيفة «إسرائيل بيتنا» يُدلّل بوضوح إلى ما تسعى إليه «إسرائيل» والأسرة الدولية بدولها النافذة من وراء هذا الاتفاق المشوّه، وإلى أين سيقود. فكتب زيسر قائلاً: «إنّ هذه الأفكار تسعى إلى تأهيل حركة حماس، لتندمج في المنظومة الإقليمية الرسمية، القابلة لقواعد اللعبة. فتهدئة في غزة تُكرّس سلطة حماس هناك، لن تكون بمعزل عن تهدئة في الضفة الغربية. وبالتالي هو مخطط أيضاً لفرض تحوّل في حماس. وقد كانت نقطة علاقة حماس بجماعة الإخوان المسلمين، والطلب إليها توضيح ارتباطاتها الاقليمية مع الجماعة، جزءاً أساسياً من حوارات طوني بلير في غزة في شباط الماضي».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2166003

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع رامز مصطفى   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166003 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010