السبت 21 آب (أغسطس) 2010

وثائـق فيتنـام هزمـت أميركـا مـن الداخـل فمـاذا ستفعـل وثائـق «ويكيليكـس»؟

السبت 21 آب (أغسطس) 2010 par هيفاء زعيتر

«الصورة نفسها، والأحداث نفسها والنهايات ستكون نفسها». هكذا يرى تشومسكي صورة الحروب التي تخوضها أميركا. تتعدد السيناريوهات والخطابات، تستعرض أميركا جهوزيتها، تحشد مشاعر الدعم والتأييد في حروب نهايتها معروفة سلفا، وثمنها باهظ، لا بل خيالي.

الرأي العام الأميركي لم يعد يحتمل المغامرات. وهذا ما يخيف الإدارة الأميركية ويجعلها شديدة الحرص في ما تظهره من «حسن أداء» في معاركها. لكن الرياح غالباً ما تعاند السفن. فقد أثار موقع «ويكيليكس» الجدل واسعاً، إذ لم تفرغ قضية التسريبات التي نشرها من زخمها حتى الآن. فبعد رزمة الوثائق السرية التي ظهرت إلى العلن، يعتزم الموقع نشر 15 ألف وثيقة سرية جديدة عن النزاع في أفغانستان، غير مبال بتحذيرات البنتاغون و«ما سيلحقه من ضرر أكبر» من ذاك الذي تسبب به بنشره 92000 وثيقة قبل عشرة أيام، وضارباً عرض الحائط ما أثاره من جدل في الأوساط الاميركية والأفغانو ـ باكستانية في آن.

كثيرون في الولايات المتحدة تخوفوا من الوثائق المسربة أو سارعوا إلى نقدها سواء لجهة موعد نشرها او القالب الذي قدمت فيه، إلا أن الكل أجمع على «ضعف» هذه الوثائق التي تعود إلى ما قبل ست سنوات من الحرب في أفغانستان. ولفهم مدى ضعف ما قدمه موقع «ويكيليكس» يمكن، على سبيل المثال، كما قال مراسل جريدة «لوموند» الفرنسية في واشنطن، مراجعة تفاصيل «معركة وانات التي وقعت في 13 تموز 2008 عندما أحاط عدد كبير من مقاتلي حركة طالبان بقاعدة اميركية في قرية وانات التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من أفغانستان، سقط في ذلك الهجوم 9 قتلى أميركيين و27 جريحاً مقابل العديد من القتلى الأفغان والجرحى المدنيين» قائلاً ان التقرير الذي نشره موقع «ويكيليكس» عن المعركة يبدو ركيكاً في عرضه للحادثة، مقابل ما أقره الجيش الأميركي من معلومات تحت ضغط العائلات الأفغانية».

من جهته آدم وينستون، الذي أمضى عشرة أشهر، بين الفترة الممتدة من تشرين الأول في العام 2008 حتى تموز من العام 2009، كمتعاقد مع القوات الأميركية في مجال الإعلام والتواصل ويشغل اليوم منصب رئيس تحرير في مجلة «ماذر جونز» الأسبوعية المعروفة بانتمائها الى اليسار الأميركي فيعقب بقوله في مقابلة له مع «لوموند» الفرنسية : «لا يوجد ما هو مهم في هذه الوثائق. أنا أعرفها جيداً وقد رأيت الآلاف منها في العراق». «هذه الوثائق بمعظمها هي تقارير لنشاطات محدودة، متاحة لأي فرد من الجيش حتى للمتعاقدين. ويستطيع قراءتها مئات الأشخاص في مئات الأماكن». إلا أن وينستون لا ينفي أهمية هذه الوثائق بالمطلق ويضيف ان هناك فئتين من المعطيات المقدمة في الوثائق قد تكون ذات منفعة «الفئة الأولى تتلخص بالتوجيهات الاستراتيجية التي تعطى للمسؤولين والتي تدل على آلية إدارة الحرب من قبل الإدارة الأميركية والفئة الأخرى هي التقارير حول لقاء المسؤولين الأميركيين مع المسؤولين الأفغان والتي تعطي صورة عن المناخ السائد في أرض المعركة. وويكيليكس لم يكشف إلا عن 16 وثيقة من أصل 92000 في هذا الإطار».

وتتابع التحليلات مسهبة حول فاعلية هذه الوثائق ومصداقيتها فعندما يتعلق الأمر بالكشف عن وحشية الجيش الأميركي والعمليات السرية في أفغانستان وباكستان، لم يعد هناك في حقيقة الأمر الكثير مما هو جديد في هذه السجلات، ولا ما يمكن أن ينافس التسريبات التي تقدمها وسائل الإعلام العريقة التي تتمتع بحد كبير من المصداقية.

كما لا يوجد في تقارير «ويكيليكس» الكثير للتنافس مع تسريبات عمليات القتل الأميركي الجماعي للمدنيين، وانتهاك حقوق الإنسان التي كشف عنها نظام حامد كرزاي نفسه، أو مراسلون جريئون وناشطون في المنطقة، او ما تنشره بعض المجلات من مقالات حول جنرالات أو شخصيات بارزة في الحرب واعترافاتها بشأن إخفاقات الجيش الأميركي فيها.

وكان الموقع قد نشر في وقت سابق مشاهد فيديو مروعة لجنود أميركيين يطلقون النار من مروحية أباتشي على 15 شخصاً من بينهم صحافيون من وكالة «رويترز»، وقد سُمعت أصوات الضحكات من أفراد طاقم المروحية وهم يقولون، «واصلوا إطلاق النار». وقد أثار الشريط المصور ضجة في وسائل الإعلام الغربية على ما تقول صحيفة «لوموند». كما نشر موقع «ويكيليكس» عام 2007 دليل الجيش الأميركي، لإرشاد الجنود إلى كيفية التعاطي مع السجناء في «كامب دلتا». وأبدت مجموعات حقوق الإنسان قلقها لدى اكتشاف أنه بحسب توجيهات رسمية، يمكن حرمان السجناء من إمكانية الخضوع لمعاينة الصليب الأحمر لمدة تصل إلى أربعة أسابيع. كما أظهر الموقع أيضاً أنه يمكن للمساجين أن يحصلوا على «مكافآت خاصة» إذا ما أحسنوا السلوك والتعاون. وتلك «المكافأة»، كانت عبارة عن رزمة من ورق التواليت.

هذا ونشر موقع «ويكيليكس» أكثر من 1,000 بريد أرسلت على مدى 10 سنوات من قبل العاملين في وحدة البحوث المناخية في جامعة «إيست أنغليا» البريطانية، بدا أنها تظهر تورط علماء في «خدع» من أجل الإسهام في دعم الحجج التي تقول ان الاحتباس الحراري حقيقي ومن صنع الإنسان.

وحرصاً على سلامة الجهات التي تزوده بالمعلومات يخبئ الموقع هويات مصادره ويحصل على المعلومات بطريقة مشفرة. لكن ما روجت له وسائل الإعلام عن هوية من سرب الجزء الأكبر من الوثائق يشير إلى أن المحلل العسكري الأميركي، برادلي مانينغ، الذي يواجه حالياً تهمتين جنائيتين لهذا السبب هو المسؤول.

[**مقارنة تفرض نفسها : هل يتكرر ما حدث في فيتنام؟*]

مع هذا الانكشاف للعدد الهائل من الوثائق عن حرب دائرة في بؤرة بعيدة وخطرة فرضت المقارنة نفسها : أعادت تسريبات الوثائق السرية عن الحرب في أفغانستان الى الذاكرة مشاهد عن تسريبات «أوراق البنتاغون» في العام 1971 أيام الحرب في فيتنام، والتي حشدت الرأي العام في مشهد لم يسبق له مثيل وكانت بمثابة نقطة تحول في مسار الحرب في فيتنام بدأ بتقديم الرئيس الاميركي حينها، ليندون جونسون استقالته. دانيال ايلسبيرغ هو من وقف وراء عملية التسريب. هذا الاقتصادي اللامع الذي بدأ العمل في العام 1958 في منظمة مهمتها القيام بالأبحاث والخدمات السرية استطاع أن يرسم بشكل فعلي بداية الطريق لخسارة عسكرية وسياسية محتمة للولايات المتحدة. إيلسبيرغ كان يعرف فيتنام جيداً. ففي العام 1967، شغل منصب المساعد الخاص لسفير الولايات المتحدة هناك، كما عمل في خدمة رئيس مجلس الأمن حينها، هنري كسينجر الذي كان يتولى ملف الهند الصينية. مقتنعاً بأن ما تقوم به بلاده هو جريمة بحق الديموقراطية والسلام العالمي، قرر إيلسبيرغ أن يفضح ادعاءات وأكاذيب الجهاز السياسي والعسكري الأعلى في البلاد. وقد تعرض بعدها لمحاولات عدة لإيقافه إلا أن أياً منها لم ينجح لا سيما بعد وصول الوثائق الى كافة وسائل الإعلام حينذاك.

في هذا الموقف ما يتقاطع مع ما يجري الآن. والمفارقة في الأمر أن إيلسبيرغ اليوم، 79 عاماً، متفرغ للدفاع عن برادلي مانينغ المتهم الأول في تسريب الوثائق الى موقع «ويكيليكس». ويقول في مقابلة له مع صحيفة «لو موند» الفرنسية ان جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس» وبرادلي مانينغ هما بطلان حقيقيان.

إلا ان العديد من المتابعين لما يحصل في قضية «ويكيليكس» يرون أن ظروفاً جمة تغيرت في المناخ العام إعلامياً وسياسياً واستراتيجياً وجماهيرياً عما كان سائداً أيام الحرب على فيتنام. بروس ريدل الذي أمضى 29 عاماً في وكالة الاستخبارات الأميركية الـ «سي.آي.إيه» يعتبر، في مقابلة له مع صحيفة «لوموند»، أن ضعف وثائق «ويكيليكس» إزاء أوراق البنتاغون كامن في طبيعة الوثائق والجهة التي سربتها «فوثائق ويكيليكس المسربة قوامها تقارير إدارية تكتيكية محدودة المواعيد، وتتضمن كماً هائلاً من الإشاعات والتقييمات، الواردة في ثنايا الوثائق، والمتناقضة بين بعضها البعض، في مقابل تاريخ موثق عن الحرب في فيتنام مكتوب بواسطة عدد قليل جداً من النخبة من أرفع المستويات. في حين ان «ويكيليكس» قام بالعكس : نشر شظايا متناثرة عن «رواية تتكرر يومياً» كتبها عدد لا يحصى من المشاركين علاوة على أنهم لا يشغلون مواقع هامة»، وعن إمكانية أن تغير هذه الوثائق الرأي العام والطريقة التي تتناول بها وسائل الإعلام الموضوع يجيب ريدل بأن «انكشاف الوثائق أثقل جو الانهزامية العام في الولايات المتحدة، إلا أن الشعور الطاغي باستحالة انتصار أميركا في حربها في أفغانستان لم يكن وليد وثائق ويكيليكس فحسب».

وبعيداً عن أوراق البنتاغون لم تنجح وثائق «ويكيليكس» بتقديم ما يشبه الصور التي نشرت عن سجن أبو غريب التي اعتبرت فضيحة العصر. وعن رأيه بالوثائق الـ 15000 التي يعتزم «ويكيليكس» نشرها وما إذا كانت تحمل من جديد فيقول «إن حملت هذه الوثائق صوراً لمجزرة معينة، فهذا قد يغير المعطيات». وفي سؤال أخير طرح عليه حول قدرة وثائق «ويكيليكس» أن تحدث تغييراً على الأمد البعيد يجيب بأن السياق مختلف كلياً للحديث عن الموضوع، «فعندما نشرت أوراق البنتاغون في العام 1971 كانت الحركة الشعبية السائدة ضد الحرب ناشطة جداً في حين أن فكرة الانهزامية اليوم مسيطرة وبهذا يكون الجواب الوحيد هو النصر في أفغانستان وما عدا ذلك فالأوضاع في تدهور مستمر وقد تؤتي وثائق ويكيليكس ثمارها حينها».

ويجزم كثيرون باستحالة أن تحقق هذه الوثائق (وغيرها) ما حققته أوراق البنتاغون. فالقوات الاميركية في فيتنام كانت تواجه تهديدات عسكرية متمثلة بترسانة الصواريخ وبالقوة التقليدية الهائلة لحلف وارسو في حين أنه اليوم بات أعضاء حلف وارسو أعضاء في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده أميركا. ويقول جون بايك محلل الأمن القومي الأميركي في موقع «غلوبال سيكيوريتي دوت أورج» على الانترنت : الولايات المتحدة أصبحت أقل خوفاً من استخدام قواتها في الخارج وذلك على الرغم من عدم إقرار الخدمة الإجبارية اليوم في الولايات المتحدة لإمداد القوات الأميركية بما تحتاج اليه الحرب ضد أفغانستان.

وقد يكون هناك دور كبير لوسائل الإعلام، فقدرة وسائل الإعلام على متابعة الأحداث في التو واللحظة تجعل من موت جندي ما أو من أبسط الأحداث خبراً أما في حرب فيتنام فقد احتاج الشعب الأميركي أكثر من عام حتى يعرف بأخبار المجزرة التي ارتكبها الأميركيون حيث قتل أكثر من 300 فيتنامي. وكان وقعها ثقيلاً جداً على الرأي العام الأميركي. كما يوجد لوسائل الإعلام اليد الطولى في حشد مشاعر الأميركيين ضد «الإرهاب»، لا سيما بعد احداث 11 أيلول، من خلال تعزيز فكرة أن طالبان مسؤولة عن غالبية القتلى من المدنيين في أفغانستان «قتال طالبان هو النهاية في حد ذاته، ويستحق ما يبذل لأجله من دم ومال أميركيين» كما ذكرت صحيفة «الغارديان»، موردة في مقالها ما يعزز اهمية القيام بالحرب، ويعطي صورة عما تقوم به وسائل الإعلام لشرعنتها «إيران مشاركة في حملة سرية مكثفة لتسليح وتمويل وتدريب وتجهيز متمردي طالبان، وأمراء الحرب الأفغان تحالفوا مع القاعدة والانتحاريين لاستئصال القوات الغربية والبريطانية من أفغانستان» والآن بما أن الولايات المتحدة وأوروبا صعدتا من العقوبات على إيران إلى درجة أن الخطوات التالية قد تفضي إلى الحرب، تقدم هذه التصريحات خدمة للداعين والمروجين لهذه الحرب. وتتعدد أسباب الاختلاف في النظر الى نتائج كل من وثائق «ويكيليكس» و«أوراق البنتاغون» وذلك لما هو حاصل من تداخل في الاقتصاد العالمي بالإضافة الى أسباب جيوبوليتكية متغيرة وقد يبقى أهم الأسباب، غياب قوى الرأي العام الناشطة التي تحمل لواء التغيير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 166 / 2166076

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166076 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010