الجمعة 4 أيلول (سبتمبر) 2015

من الأرشيف: الشعبية ضمن فصائل الموازنات...!؟

الجمعة 4 أيلول (سبتمبر) 2015 par أيمن اللبدي

القرار الوطني الفلسطيني المستقل، شعار رفعته قيادة الثورة الفلسطينية الثانية بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات، ودفعت الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وخاصة في لبنان ثمناً باهظاً لعدم صواب الاستخدام الذي جرى له، حيث كانت أحداث المواجهة السورية- الفلسطينية عام 1976 ومضاعفاتها، والتي كان منها الانشقاق الدموي الذي أصاب حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» عام 1983، واحداً من ثمارها المحرّمة.

القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ليس شعاراً فارغاً من محتواه أو مجرّد لافتة مناكفة مصلحية يجري استخدامها بين الفينة والأخرى، بحيث تؤدي بدلاً من تكريس المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني، والتي لا تنفصم بحال عن المصلحة القومية العربية الجامعة، إلى تسهيل الانقضاض على هذه المصالح والتلاعب بها من جهة، أو تسهيل حصار الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية الفلسطينية، تحت أغطية الإعفاء التي قد تكمن في التفسيرات المعرضة لها.

نعم من حق الشعب العربي الفلسطيني أن يكون له ولقيادته الوطنية الشرعية، قراره الوطني المستقل الكامل، بالإصرار على حقوقه الوطنية التامة، وبالثبات على النضال من أجل تحصيلها وتمكين الشعب العربي الفلسطيني من استعادة أرضه وعودة أبنائه وتقرير مصيره، فوق ترابه الوطني المحرّر، وذلك ضمن المظلة القومية التي يفترض أنها الإسناد والدعم لهذا المبدأ الثابت وهذا الهدف المقدس، حيث تعمل آلية وجود الشعب الفلسطيني على أرضه حربة وخط مواجهة مع العدو الصهيوني وحلفه الاستعماري، أما سوى ذلك فإن قرار الاستسلام أو التبعية أو الوكالة ضد مصالح الشعب العربي الفلسطيني، وضد مصالح الأمة العربية، ليس وطنياً ولا هو بمستقل.

عندما رفع الرئيس عرفات شعار القرار الوطني الفلسطيني « المستقل»، في وجه القيادة السورية التي كان على رأسها آنذاك الرئيس الراحل حافظ الأسد، كان ينقص هذا الشعار في حقيقة الأمر، مذكرة إيضاح بأن «التنسيق الاستراتيجي» الذي كان مجال البحث قبل أن تنحرف الأحداث نحو مواجهة مؤسفة ومؤلمة ومريرة، سيكون فيه الفلسطيني دوماً مستعداً أن يجلي بوضوح إصراره الشرعي والثابت تجاه الاستمرار في نضاله في أية لحظة، ولأن كماً كبيراً من المسكوت عنه في تلكم الأيام بقي دون جهد واضح تجاه هذه النقطة الجوهرية، فهمت القيادة السورية أن ثمة مخاطر متوفرة قد تحرف الثورة الفلسطينية عن جوهر أهدافها فكان الحصاد المؤلم.

حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» منذ انطلاقتها في العام 1965 تنفّست من الرئة السورية، ولولا هذه الرئة لما استطاعت الثورة الفلسطينية أن تختصر الوقت وأن تثبّت أقدامها لتكون ذلك «الرقم الصعب» الذي طالما طاب للشهيد ياسر عرفات أن يتغنى به، ولم تبدأ الرئة الثانية بالعمل إلا في عهد الرئيس الراحل الخالد جمال عبدالناصر، عندما وضعت مصر القومية العروبية كل إمكاناتها أمام الثورة الفلسطينية وحركة «فتح»، وهكذا فقط اكتمل نمو هذه الثورة وارتفع طائرها ليحقّق معادلة «الرقم الصعب»، وعندما حدث الاصطدام السوري –الفلسطيني في فترة ما بعد الخالد جمال عبدالناصر، كانت الرئة المصرية قد تعطّلت باكراً في وجود خلفه الرئيس السادات الذي تشير المصادر التاريخية أنه لعب دوراً في إذكاء هذا الاصطدام تحت ذات الشعار ولكن كما اتضح لاحقاً في ميزان الخلافات العربية وتقاطع مصالح الدول والأنظمة، لا سيما وهو قد بدا باكراً في مسألة تبديل الخيارات الكبرى وانتقاله لصالح 99% من أوراق الحل بيد امريكا، وكان جرآ تطبيق شعار «القرار المستقل» آنذاك هو الفخ الذي وقعت فيه الثورة .

اليوم لنا أن نستذكر هذه الحقبة لنسأل، ترى هل كان ذلك التفسير وذلك الخيار الذي اتخذته قيادة الراحل عرفات في مصلحة الشعب العربي الفلسطيني؟ هل كان أيضا مستقلاً بالتحديد على ضوء الاتجاه الثوري والوطني لفهم الاستقلال في هكذا خيار وقرار وشعار أيضا؟ وهل كان من الممكن أن تكون عليه الأحداث على صورة مغايرة لو تم ترشيد الصدام وتوفير الوقت والصراحة التامة في مسألة الخيارات الوطنية الفلسطينية وحساباتها الوطنية والقومية؟ هذه مجموعة مبدأية من الأسئلة لاشك أن ثمة كومة كبيرة منها تتوفر اليوم، وإذا كان من الضروري أن تكون المراجعة مبكرة، فإن المراجعة اليوم تأخذ طابعاً وجوبياً مع بوادر تكرار أنواع جديدة من الأفخاخ القاتلة أمام مستقبل الشعب الفلسطيني نفسه.

تجربة المقاومة الوطنية في لبنان أثبتت أن المقاومة تستطيع الحفاظ على قرارها الوطني المستقل، في ذات الوقت الذي تحظى فيه بالحصانة والمناعة والإسناد القومي، وإذا كان هذا الإثبات لفائدة المقاومة اللبنانية وقواها وعلى رأسها حزب الله اللبناني، فإنه أيضا لفائدة القيادة السورية والدور السوري في هذه المعادلة، ومن الطبيعي أن تأخذ مسألة طبيعة الحلف الاستراتيجي الذي يضم إبران وسوريا تفسيراتها وتعليلاتها في الطريق إلى فحص نجاح هذه التجربة، ولكن العوامل الرئيس التي لا بد من الإقرار بأن الضمان الأول والأخير في التحكم بضوابط هذه العلاقة كان ولا زال في يد قيادة المقاومة اللبنانية وجماهيرها أولا وآخراً، وبالتالي القدرة على إبقاء القرار الوطني المستقل اللبناني، مستقلاً ولبنانياً في آن.

اليوم عندما يحاول السيد محمود عباس الذي يقف على رأس شرعيات مطعون فيها جميعاً، وأولها بالطبع الشرعية الفتحاوية، وفي محاولة جديدة لاستخدام ذات الشعار هذه المرة عبر اللجنة التنفيذية التي جرى تركيبها بصورة أيضا لا تنم عن فقدان الشرعية والمصداقية، والتي تسند أمانة سرها إلى السيد ياسر عبدربه المعلوم موقعه التفريطي المثبت، عندما يحاول اليوم رفع ذات الشعار في وجه فصائل المقاومة الفلسطينية التي لا زالت على عهد المقاومة وإدانة نهج التسوية والتفريط، والتي تتخذ من دمشق أو تونس مقراً لها، إنما يعيدون الأغنية الشيطانية ذاتها هذه المرة ولكن بصورة اكثر سذاجة، ذلك أن القرار الوطني المستقل اليوم قد نضجت صورته بشكل واضح لا لبس فيه، وغدت ترجمته الوحيدة هي موقع الحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية، والإصرار على تحصيلها بعيداً عن التوريط والتفريط الذي يقاد اليوم باسم هذه اللجنة وباسم هذه الفصائل التي تواطأت مع عباس على تمرير الصيغ الملتبسة التي كانت تقف يوما عندما كانت فصائل حقيقية وممتلكة لموقفها ضدها بوضوح.

علينا أن نتذكّر أن الفصائل الفلسطينية التي رفعت يوماً عقيرتها تجاه رفض الانشقاق الفلسطيني داخل حركة «فتح»، وأدانت في موقف واضح وصريح قرار الراحل ياسر عرفات في مسألة الذهاب تجاه صرف شيك مسألة القرار الوطني الفلسطيني المستقل في الصرّاف المصري ومن ثم اتجاه التسوية السياسية، وأدانت الاقتتال «الفتحاوي» ومعارك طرابلس، وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اليوم تقف موقفاً غريباً وعجيباً في ذيلية واضحة تجاه تكرار ممجوج لشعار الاستقلالية في القرار، وذلك في ترجمة أخرى ليس ضبابية الحال كما كانت يوم رفع الشهيد عرفات هذا الشعار، ولكن في ترجمة واضحة لا لبس فيها هذه الأيام تعني تمليك هذا القرار عبر خواء سياسي لا يملك إلا استمرار في ما هو ليس سوى استلاب وفقدان خيارات حقيقية باسم عملية «سلام» وخيار المفاوضات العبثية ومسرحياتها البائسة التي تغطي عمليات العدو الحثيثة في التهويد والمصادرة والعدوان الدائم.

اليوم لا نتحدث عن الفصائل المعذورة ، ولا حتى عن الجبهة الديموقراطية - هي للأسف باكراً كان الرهان على وضعها ومواقفها خاوي الوفاض- التي باتت بلا لون ولا طعم ولا رائحة ، ولكننا نتحدث عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للأسف الشديد ولشديد الخيبة ، التي يقبل السيد عبدالرحيم ملوح ممثلها في اللجنة التنفيذية مسرحية الاصطفاف ضد رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير، وأحد مؤسسي العمل الوطني الفلسطيني المعاصر، وأحد الضمانات الوطنية التي ظلت قيادة عرفات تدعم وجودها على الثوابت الوطنية حماية لأفخاخ المستقبل، في عملية رخيصة لانتزاع ضمانة وطنية ووضعها في يد السياسات المقامرة ونهج التوريط ، ذلك حينما يحتج السيد ملوح في جلسة سابقة على اتخاذ موقف بوضع اليد على هذه الدائرة جزءاً من عملية تهريب القرار الوطني الفلسطيني لماكينة أوباما- نتنياهو، فإنه أثبت أنه كان يحتج لأنه لم يكن طرفاً في قرار محمود عباس المباشرة في هذه القرارات لوحده وإنما كان يحتاج شراكة على هذا التوجه، واليوم ينال السيد عبدالرحيم ملوح والجبهة الشعبية ملفاً جديداً في المنظمة الموجهة بقرار لا مستقل ولا وطني وهو مستعد أن يكون ضمن خانة فصائل الموازنات وأن يكون عصا غليظة في يد الباطل ضد الحق، والريبة ضد اليقين، والمغامرات الفاشلة ضد الحصانة الوطنية، تماماً كما فعل السيد تيسير قبعة من قبل في تامين عقد الجلسة غير البريئة للمجلس المركزي بمن حضر في رام الله تمهيداً لإلقاء المزيد من الأوراق على طريق الحرق في يد قيادة ثبت أنها فاشلة تماماً في رعاية الوحدة الوطنية فضلاً عن تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، قيادة تقر بنفسها على لسان محمود عباس أنها فشلت في إدارة «م.ت.ف» طيلة الفترة الماضية،وما لم تقله هذه القيادة أنها استخدمت هذه المنظمة شاهد زور دوماً.

نظن أن الفصائل قد باتت قريبة من لحظة الحقيقة اليوم، وأن العطب الوطني مع تفشي الخراب والعلل إلى هذا المستوى قد صار عامأ بحيث أنه ضرب أسس شرعية التمثيل والتعبير، وأن هذه الشرعية المعطوبة لا يمكن التستر عليها أو تغطيتها بعد الآن، وبالتالي فإن تجديد الشرعية وتثبيت حقيقتها هو ملك للشعب العربي الفلسطيني، وأن الطريق الوحيد لهذا العنوان يكون في مؤتمر وطني فلسطيني شامل يضم كافة القوى والفصائل والمستقلين، يقوم بالمراجعة والتجديد وانتخاب القيادة الشرعية، ويعيد صياغة الوطني والاستقلالي في قرارات هذه القيادة نحو مستقبل آمن للشعب العربي الفلسطيني وقضيته الوطنية المقدسة.

نشر المقال بتاريخ : 13/9/2009



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2165825

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165825 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010