الأحد 27 أيلول (سبتمبر) 2015

أيلول الفلسطيني المشبع بخيبات الأمل

الأحد 27 أيلول (سبتمبر) 2015 par رامز مصطفى

ليس من باب المبالغة إذا ما قلت إنّ شهر أيلول من بين أشهر السنة، هو الشهر الفلسطيني بامتياز، لكثرة الأحداث المتصلة بالقضية الفلسطينية منذ نحو خمسة عقود، والتي شكلت محطات وتحوّلات خطيرة في مسار القضية وعناوينها الوطنية. ولعلّ أحداث أيلول من العام 1970 في الأردن والتي انتهت بخروج الثورة الفلسطينية، قد شكلت المنعطف الاستراتيجي في انزلاق الثورة الفلسطينية بفصائلها نحو مخرجات قد أثرت بشكل مباشر على القضية، حيث خسرت عمقها الاستراتيجي الأهمّ كقاعدة ارتكاز أساسية في الصراع مع العدو الصهيوني وكيانه الغاصب. والسبب يعود أولاً إلى أنّ الأردن بحدوده مع فلسطين المحتلة هي الحدود الأطول بين حدود الدول العربية الأخرى المحيطة بفلسطين، وثانياً أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين هناك هو الأعلى بين أعداد اللاجئين في كلّ من سورية ولبنان ومصر والعراق.

والحدث الأخطر الذي أدخل القضية الفلسطينية في منزلق التصفية لعناوينها الوطنية، هو التوقيع على «اتفاقات أوسلو» في الثالث عشر من أيلول من العام 1993، حيث تمّ الاعتراف الرسمي من قبل منظمة التحرير بـ«إسرائيل»، والتنازل بموجبها عن 78 بالمائة من أرض فلسطين لصالح الكيان الغاصب، وترحيل قضايا اللاجئين – القدس – المستوطنات – الترتيبات الأمنية – الحدود – العلاقات والتعاون مع الدول إلى مفاوضات الحلّ النهائي.

لقد مضى على الاتفاق المشؤوم 22 عاماً، وفرت لـ«إسرائيل» الوقت الكافي والمريح من أجل الانقضاض على عناوين الحلّ النهائي الآنفة الذكر، والمثقوب سقفه الأوزوني بالإيقاع «الإسرائيلي». فالقدس تقف على مسافة ليست ببعيدة عن ابتلاعها بالتهويد، والسيطرة الزمانية على مسجدها الأقصى، الذي يتعرّض هذه الأيام إلى تثبيت السيطرة المكانية عليه من خلال الاقتحامات اليومية التي تُقدم عليها وبشكل منتظم قطعان المستوطنين الصهاينة، المدعومين بالمطلق من نتنياهو وأجهزته الأمنية.

أما قضية اللاجئين فمن المؤكد أنّ ثمة مخططاً يجري تنفيذه من أجل شطبها وإلغاء القرار الأممي 194، بالاستناد إلى المبادرات والرؤى التي وضعت في سياق إيجاد حلول لقضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث صيغت هذه الرؤى والمبادرات بشراكة قلسطينية و«إسرائيلية»، كان أحد أطرافها كلّ من رئيس السلطة السيد محمود عباس قبل أن يتسلّم رئاسة السلطة، وياسر عبد ربه أمين سرّ اللجنة التنفيذية المُقال من قبل أبو مازن لأسباب لا تزال مجهولة. ليدخل شطب العديد من المخيمات في لبنان وسورية وقبلها الفلسطينيون في الكويت والعراق على خط شطب الملف وإسقاط حق العودة، وقد دخل تهجير وهجرة اللاجئين الفلسطينيين عاملاً إضافياً في برنامج شطب وإنهاء ملف اللاجئين بما يُريح «إسرائيل»، ويبعد عنها شبحاً لطالما شكل بالنسبة إليها مصدر قلق استراتيجي بل ووجودي.

والحديث عن الاستيطان حدّث ولا حرج، فقد ازداد أضعافاً مضاعفة بعد اتفاق «أوسلو»، فالاستيطان في الضفة الغربية يلتهم الأرض الفلسطينية هناك كما النار في الهشيم، وهو يخرقها في الطول والعرض، ليجعل إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة مع بقاء المستوطنات أمراً مستحيلاً. ناهينا عن الجدار العازل الذي يتلوّى فوق الأراضي الفلسطينية كما الأفعى، وهو بدوره قسّم العديد من القرى إلى قسمين، بل وقسّم العائلات وباعد في ما بينها.

وعن الحدود فليس هناك حدود أصلاً، وقد جعلت الإجراءات «الإسرائيلية» من الحدود والحديث عنها أمراً مضحكاً ويدعو إلى السخرية، فالحدود مع الأردن ومنطقة الأغوار أعلن «الإسرائيليون» مراراً أنّ الانسحاب منها أمر خارج النقاش في أية مفاوضات، وقطاع غزة حصاره محكم من قبل «إسرائيل»، والمعابر تحت سيطرتها باستثناء معبر رفح المغلق في أغلب الأوقات، وهو يقع تحت المسؤولية المصرية.

وآخر «إبداعات» أيلول الجاري، ما أُشغلت الساحة الفلسطينية به على مدار أيام، من هرج ومرج سياسي حول عقد المجلس الوطني الفلسطيني، في ظلّ غياب المصالحة الفلسطينية لصالح انقسام سياسي حادّ، يُراد له أن يصبح بعد السياسي انقساماً جغرافياً. هذا الهرج الذي توقف بعد أن ارتفعت الأصوات من داخل حركة فتح وخارجها من أغلبية الفصائل والشخصيات والنخب الفلسطينية، والتي تزامنت مع ضغوط دولية وإقليمية على رئيس السلطة السيد محمود عباس. وقد ترافق هذا الهرج مع الحديث عن قنبلة أبو مازن السياسية التي سيحملها معه إلى الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر أيلول الجاري، وقد كثرت التكهّنات حول هذه القنبلة الافتراضية أقله حتى الآن. وقد تقاطعت بعض هذه التكهّنات عند إعلان أبو مازن عن حلّ السلطة وإعلانها دولة تحت الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني، ولكن الجميع تقاطع واتفق عند تراجع أبو مازن استجابة للضغوط التي بدأ الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية ممارستها عليه، وهو في الأغلب سوف يستجيب لها كما هي عادته عند كلّ منعطف.

كلّ ذلك يجري بعيداً عن مشاركة الفصائل أو اللجنة التنفيذية للمنظمة التي تغيّب أبو مازن عن اجتماعها الأخير عمداً، حتى لا يُحرج نفسه للإجابة عن الأسئلة التي كانت معدّة له من قبل البعض.

وفي الوقت الذي يتلهّى فيه البعض الفلسطيني في تقطيع الوقت وإشغال الساحة الفلسطينية من خارج سياق العمل الجادّ والمسؤول في لملمتها بهدف مواجهة التحديات التي تكبر ككرة الثلج في طريق القضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية، تعمل حكومة الكيان الصهيوني برئاسة نتنياهو على تسريع وتيرة عملها في مدينة القدس بهدف السيطرة النهائية على المسجد الأقصى بعد فرض التقسيم الزماني والسعي إلى فرض التقسيم المكاني، من أجل بناء المزعوم على أنقاضة، وهم بدأوا في بناء كنيس على حائط البراق. يجري ذلك في ظلّ صمت عربي وإسلامي مطبق إلاّ من رحم ربي، وكأنه تسليم للأمر الواقع الذي يحاول الصهاينة فرضه علينا، ويُترك الشعب الفلسطيني وحيداً في معركة الإبقاء على القدس والمسجد الأقصى فلسطينياً وعربياً، حيث يتصدّى المرابطون والمرابطات هناك وبشجاعة نادرة للغزوة التلمودية الصهيونية على عاصمتنا الأبدية مدينة القدس.

ومن بين عتمة أحداث أيلول ونفقه المظلم، يطلّ العلَم الفلسطيني من بين الأعلام المرفوعة على مباني ومؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة ليحقق نصراً معنوياً يحتاج إلى الكثير من الخطوات ليصبح سياسياً بامتياز، فلا يُعقل أنه في الوقت يطحن فيه العدو الصهيوني عناويننا الوطنية الواحد تلو الآخر، لا يزال البعض الفلسطيني يضع الشروط والشروط المضادّة في مواجهة بعضه البعض لتحقيق المصالحة فلسطينية، وهي على الأغلب لن تكون أكثر من تقاسم للمغانم والغنائم إذا كانت لا تزال في الأصل موجودة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع رامز مصطفى   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010