الأحد 27 أيلول (سبتمبر) 2015

“انتفاضة!” في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

الأحد 27 أيلول (سبتمبر) 2015

فرانكلين لامب -
(كاونتربنتش) 17/9/2015
- ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

مخيم شاتيلا الفلسطيني، لبنان- “ليس للفلسطينيين أي أصدقاء يعتمد عليهم يا أبا عمار! وقد أثبت هذا الصيف ذلك! أين هم العرب الذين بلا نفع؟ ثمة بعض عناصر”المقاومة“الأجنبية المزروعة التي تريد، خدمة لأهدافها السياسية في المهيمنة، لعب البطاقة الفلسطينية وارتداء كوفيتك والوقوف لالتقاط الصور شاهرين شارة النصر! هذا يثير اشمئزازي يا أبا عمار! الفلسطينيون يجب أن يعتمدوا على أنفسهم فقط. ويجب على منظمة التحرير أن تعود إلى شعار”ثورة حتى النصر!“ويجب عليك تأجيل خروجك من لبنان ويجب عليك حماية المخيمات. من دون البندقية لتحميهم، ماذا يفيد غصن زيتون ريغان”سوف نعيد إليكم معظم فلسطين إذا غادرتم بيروت؟“لا شيء يستحق أي شيء في رأيي!”.
هكذا كانت مناشدة الصحفية الأميركية، جانيت لي ستيفنز، لزعيم منظمة التحرير قبل 33 عاماً، المرأة الغاضبة ذات البصيرة النافذة والمنافحة عن الحقوق الفلسطينية من جيورجيا في ولاية اتلانتا. وفي ذلك الوقت، كانت ستيفنز موجودة في ملجأ عرفات الحصين الواقع على أربعة طوابق تحت الأرض في منطقة الفكهاني في جنوب بيروت، قبالة جامعة بيروت العربية. كانت هي وزملاؤها في مكان آمن من القنابل الأميركية التي أسقطها المعتدون الصهاينة مثل المطر لمدة 12 ساعة في ذلك اليوم، عندما عرضت قضيتها بهذا الالتماس. وكانت القيادة الفلسطينية تعد العدة لـ“الهرب” من لبنان (الكلمة التي استخدمتها جانيت لوصف “الخروج الكريم” المخطط لمنظمة التحرير الفلسطينية). وقد عارضت جانيت بقوة رحيل منظمة التحرير الفلسطينية عن لبنان في صيف العام 1982، مصرة على أنه سيتيح المجال أمام سلسلة من أعمال الإرهاب ضد مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين لم يكن لهم خيار سوى البقاء حيث هم، عالقين بعمق في المخيمات. وتقدمت جانيت بمناشدتها تلك بحضوري، وبحضور الراحل عماد مغنية، الذي كان عمره آنذاك 19 عاماً، مع أشخاص قليلين آخرين.
كان مغنية قد انضم إلى لثورة الفلسطينية وهو في الرابعة عشرة من العمر. ووفق المؤلف كاي بيرد، فإنه تلقى تدريباً عسكرياً من وكالة المخابرات الأميركية “سي آي إيه” كجزء من مبادرة أميركية “لإضفاء الاحترافية” على وحدة أمن عرفات. وكان قد منح وظيفة قبل عامين مع القوة 17 في منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اشتملت مهامها على وحدة للحرس الشخصي لعرفات. وبعد العام 1982، ونتيجة لخيبة أمله من منظمة التحرير الفلسطينية ومن مغادرتها لبنان، انضم عماد إلى حركة أمل الإسلامية التي سبقت ولادة حزب الله.
مثل العشرات من الشباب الآخرين، يدين مغنية بوظيفته لصديقه ومرشده “الأمير الأحمر” في منظمة التحرير الفلسطينية، علي حسن سلامة، الذي اغتيل بينما كان متجهاً لحضور عيد ميلاد بنات أخته عند الساعة الرابعة من مساء يوم 24 كانون الثاني (يناير) من العام 1979، في شارع في ضاحية فردان في بيروت.
وكانت امرأة ألمانية، أريكا تشامبرز، التي مثلت دور فنانة وناشطة مؤيدة لفلسطين، لكنها كانت في الحقيقة عميلة للموساد وتعيش راهناً في إسرائيل، على تقاعد لعملاء الموساد ممول أميركياً، قد راقبت مرور سيارة سلامة أسفل شرفتها الواقعة في الطابق الثامن، فضغطت على زر لتنسف سيارة ملغومة من طراز فولكسفاجن خنفساء، والتي كانت مركونة في المكان.
ما تزال كلمات جانيت ستيفنز لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية عرفات منبئة وصحيحة اليوم، تماماً مثلما كانت عندما قالتها قبل ثمانية أشهر من وفاتها يوم 18 نيسان (أبريل) من العام 1983. الآن أيضاً، لم يتواجد الكثير من الأمل في المخيمات الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة مع وصول الناشطين الأجانب إليها للتضامن، كما يفعل الكثيرون سنوياً، في إحياء ذكرى أكثر من 3000 ضحية سقطوا في مجزرة صبرا وشاتيلا في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1982.
لقد أفرزت الأزمة السورية في العام الماضي الكثير من الضغوط الديموغرافية والاقتصادية الهائلة غير المنظورة على لبنان وعلى كل واحد من المخيمات الفلسطينية التي يبلغ عددها نحو دزينة، وعلى نحو دزينتين أخريين من “التجمعات”. وتوثق دراسات حديثة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي كل مؤشرات نوعية الحياة الاجتماعية-الاقتصادية الفعلية، والتي تبين حقيقة أن ما يقرب من ربع مليون فلسطيني يعيشون فعلياً في لبنان يستمرون في الغرق أعمق في هوة تزداد قتامة.
وليس سكان المخيمات الفلسطينية هنا مستثنين من آثار السياسة والعنف القادمين من سورية. فثمة بعض الميليشيات والحركات الإسلامية التي تتقاتل في الجوار، والتي تقوم بتحريض سكان المخيمات والضغط عليهم لحمل السلاح والانضمام إلى ميليشيات دينية وعلمانية مختلفة.
صحيح أن بعض القوى الأجنبية تسعى للتأثير على تطورات الأحداث في سورية ولبنان من خلال تقديم الأسلحة، والمال والأيديولوجيا. ولكن، وكما يسمع بشكل متزايد في سورية وغيرها، فإن “لداعش الكثير من الأمهات”. مما يعني أن من منتهى التبسيط والسخف الإصرار على أن خلق قبول للمجموعات الإسلامية “ومتبني الإرهاب” هو أيضاً مؤامرة أخرى من السعوديين والإيرانيين ومجلس التعاون الخليجي والأتراك و/أو الأميركيين والاتحاد الأوروبي والناتو وآخرين. إن الأمر أكثر تعقيداً بكثير مما تؤكد المجموعات المحيرة من ناقلي المياه للسادة الذين يدفعون الأموال. وفي الحقيقة، وكما كرر رئيس إيران حسن روحاني قبل بضعة أيام، فإن بعض الممولين يتوافرون على ذكاء كبير بمقدار النصف، وهم يصابون بالصدمة لمعرفة أن الشر الذي تقوم بنشره المجموعات التي ربما ساعدوها –على أمل تحقيق نتائج إيجابية- أصبحت الآن تستهدفهم وتخطط لتدميرهم.
لقد تحولت المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة إلى نوع من البكتيريا أو الفيروس الانتهازي. وربما تظل نائمة وغير ملاحظة لفترات طويلة. لكنها إذا تلقت كمية معينة من الضوء، وبعض الأكسجين ودرجة حرارة دافئة وشيئاً ما لتتغذى عليها وتستطيع أن تلتصق به، فإنها قد تنمو بسرعة وتتجسد، بينما تمتلك وتستكمل مع مرور الوقت قدراتها المميتة.
المسببات وراء جذب بعض هذه المجموعات للشباب والآخرين في مخيمات لبنان هي العوامل نفسها التي يعاني منها الناس في المنطقة منذ عقود، والتي تكثفت مؤخراً. ومن الأمثلة، بين أخريات، هناك الافتقار إلى الوظائف، والفقر المنتشر والمتعمق، والشعور بفقدان الأمل، والافتقار أيضا إلى السيطرة على حياة المرء ومستقبله، والساسة الفاسدون الذين لا يقدمون الخدمات العامة بينما يعملون على إثراء أنفسهم؛ والأجهزة الأمنية العبثية والشرطة والقوات المسلحة التي تستخدم القبضة الحديدية، والتي يعتقد على نطاق واسع بأنه يتم نشرها بشكل انتقائي لخدمة أغراض سياسية.
لكن الأمر الذي يعد مميتاً بشكل خاص في مخيمات لبنان هو الطائفية السمية المتزايدة، السنية-الشيعية، والطائفية العرقية-القومية. وبالإضافة إلى هذه المشاكل، توجد في المخيمات الفلسطينية في لبنان مياه صنابير غير نقية ومالحة، ومياه تصريف صحي طافحة، وحالات انقطاع للتيار الكهربائي بمعدل عشر مرات في اليوم الواحد. وعموماً، لا توجد إنارة في الشوارع، وثمة القليل من الطرقات المرصوفة، مع تذمر العديد من السكان بازدياد وظهور إمارات السخط والامتعاض. وفي الأثناء، تتزايد معدلات الجريمة وتعاطي المخدرات وحالات العدوى والأمراض القابلة للانتقال، وأمراض التنفس لدى الأطفال، والعنف المحلي والتسرب من المدارس وحمل المراهقات.
يُنظر في المخيمات إلى حالة النشاط المدني القائمة الآن والتي طال انتظارها في عموم لبنان، على أنها نفحة من الهواء النقي، والتي تتناغم دعواتها إلى إحداث تغيير عميق وانتفاضة، مع الرفض المنتشر لمن يُعتبرون ساسة فاسدين لا يمكن إصلاحهم في لبنان. والعديد من هؤلاء أمراء حرب سابقين، والذين أصبحوا يعتبرون حاليا أمراء سياسيين بفضل الحصانة التي منحوها لأنفسهم، والتي كان يمكن أن يكونها من دونها في السجن مدى الحياة، وهم يظهرون يومياً في نشرات “الأخبار” التلفزيونية ويجترون الهراء. هذا في حين يعملون على تعميق الانقسامات الطائفية للحفاظ على مكانتهم المخصوصة في “طائفية الواسطة”.
ويشمل هذا تكثيف الحرب الدينية السنية-الشيعية التي شرعت في الانتشار في داخل المخيمات. وقد وجدت دراسة حديثة للمجموعة الناشطة “طلعت ريحتكم”، والتي تسعى إلى إسقاط الساسة الفاسدين، أن ما يقترب من 90 % من سكان لبنان الذين شملتهم الدراسة يريدون استبدال القادة الحاليين، وهم يعتقدون أن الحاجة قد تمس إلى العصيان المدني الجماعي للتخلص من هؤلاء القادة. وفي الأثناء، يريد العديد من اللاجئين في المخيمات التعويل على طاقة النشاط المدني التي تكشفت مؤخراً لدى المجموعات الجديدة، من أجل تحصيل حقوقهم السياسية الخاصة.
يكمن الخطر في المخيمات الفلسطينية، مثل مخيم عين الحلوة، في ارتفاع وتيرة العنف. ففي يوم 11 أيلول (سبتمبر) الحالي، ألقيت ثماني قنابل يدوية في ضواح مختلفة من المخيمات. كما فتح عدة رجال مسلحين النار، من مكان مجهول فيما يبدو، طبقاً لشهود عيان. وقتل عدة أشخاص في الشهر الماضي خلال شجار بين مسلحين من حركة فتح، وجند الشام، وفتح الإسلام. ويشكل مخيم عين الحلوة الذي يقع بالقرب من مدينة صيدا موطناً لما يقرب من 800 ألف لاجئ فلسطيني، بما في ذلك ما يقدر بنحو 10 آلاف فلسطيني هربوا مما تبدو حرباً أهلية في سورية، وفق مسؤولين في المخيم. وتبقى القوى الأمنية الفلسطينية المشتركة التي تم تشكيلها في العام 2014 للإشراف على مخيم عين الحلوة عاجزة وغير فعالة إلى حد كبير.
اللعب باستخفاف بالورقة الفلسطينية، بينما يتم التآمر على سحق وإذلال وتشريد واستفزاز وتهميش وحرمان الفلسطينيون في لبنان من حقهم في القانون الإنساني الدولي ومعظم الحقوق المدنية للعمل وشراء منزل في البلد، هو المعادل لتنزه “قادة” لبنان في جبل فيزوف. وما كان قد حدث وراء في العام 79 بعد الميلاد في بومبيي وهيركولانيوم قد يحدث تماماً هنا، بينما يتسلل التكفيريون إلى داخل المخيمات. وقد تنفجر الأوضاع التي ما تزال مقفلة على الأزمة منذ وقت طويل.
في الأثناء، سيفعل “القادة” السياسيون في لبنان، الذين يفركون أيديهم وينعون العدد المتنامي من “التكفيريين الإرهابيين” الذين يعملون على إقناع اللاجئين الفلسطينيين بالانضمام إلى “القضية الإسلامية المقدسة لتحرير فلسطين”، سيفعل هؤلاء “القادة” حسناً إذا شرعوا في تأمل السنوات الخمس الماضية في هذه المنطقة، بالإضافة إلى 67 سنة من قمع الفلسطينيين في لبنان.
يتراكم الضغط في المخيمات الفلسطينية في لبنان بينما ترتفع درجة الحرارة السياسية بشكل يومي. ويستطيع أولئك الذين يثرثرون بأن فلسطين هي القضية التي تسري في عروقهم، والذين يوزعون صوراً شخصية “سيلفي” لأنفسهم وهم يضعون الكوفية، كما يفعل بعض الساسة هنا، يستطيع هؤلاء المساعدة في تفادي كارثة وشيكة على أساس ما يجري في سورية.
إحدى الطرق هي التوقف عن منع انتخاب رئيس، ولم شمل البرلمان في لبنان. وعندما يجتمع النواب لاقتسام كعكة الأجندة التشريعية، أن يعمل الأعضاء لقاء جزء من رواتبهم الضخمة. وفي تسعين دقيقة وحسب، يستطيع برلمان لبنان إلغاء قانون العام 2001 العنصري الذي يحظر امتلاك المنازل للفلسطينيين، وأن يعطي بعد ما يقرب من سبعة للجيل الثالث من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الحق نفسه في العمل وفي امتلاك المساكن، والتي يضمنها لبنان لكل قارئ لهذه الكلمات منذ اللحظة التي تطأ فيها قدمه/قدمها التراب اللبناني أو مدرج مطار بيروت.
لا يريد ساسة لبنان عموماً هذا الأمر، كما لا يريده “داعش” أيضاً. وتسعى كلتا المجموعتين إلى إبقاء الفلسطينيين في لبنان مقموعين، خدمة لأغراضهما السياسية الخاصة.
إن حرمان الفلسطينيين من العدالة وعدم منحهم الحقوق المدنية الأساسية في لبنان يجهضان السلام في هذه المنطقة، فيما تقوم العناصر “الارهابية التكفيرية” باستغلال هذه الحقيقة لتأسيس قواعد لها في مخيمات لبنان.
يتم هذا بينما يعد الجهاديون العدة لقيام “انتفاضة” تروج فكرة “ثورة حتى النصر” في الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا التي لقيت التشجيع من الصهاينة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2177692

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

2177692 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40