الثلاثاء 24 آب (أغسطس) 2010

طائر الكوندور يبسط جناحيه فوق المنطقة العربية.... تداخل بين عملاء امريكا وجواسيس «إسرائيل»

الثلاثاء 24 آب (أغسطس) 2010 par خليل قانصو

يقول المناضل مارتين ألمادا من الأورغواي، في مقابلة نشرتها صحيفة «الأومانيتية Lhumanit»، في 17 آب (اغسطس) 2010، انه يجب عمل كل شيء حتى «يتوقف الكوندور عن التحليق». فمن وجهة نظره، أن سجن غوانتنامو هو دليل على استمرارية خطر الكوندور. تدل على ذلك أيضاً السجون السرية في اوروبا، التي انتشرت بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.

والكوندور كما هو معروف، طائر من فصيلة الجوارح، يعيش في مرتفعات أمريكا الجنوبية، ولكن ذكره صار منذ سبعينات القرن الماضي، يرتجع امام الذاكرة «الخطة كوندور» التي اتبعتها انظمـة دكتاتورية في ست دول أمريكية لاتينية، كان حكامها يصغون إلى مبعوثي الولايات المتحدة الأمريكية لما قدمته لهم من تسهيلات للاستيلاء على السلطة. وكان أشهرهم بينوشيه، الذي دبـّر انقلاباً عسكرياً وأطاح في 11 ايلول (سبتمبر) 1973 بحكومة الرئيس سلفادور أليندي. الذي ما أن أنتخب رئيساً للبلاد حتى قادت الولايات المتحدة الأمريكية حملة شعواء ضد تشيلي. فاستخدمت الرشى لبث الفوضى في البلاد، وتعطيل حركة النقل البري، ودست العملاء لتنفيذ الاغتيالات السياسية، كما أنها قاطعت، هي وحلفاؤها في الغرب، صادرات تشيلي وامتنعت بوجه خاص عن شراء النحاس المستخرج من مناجمها.

أما «خطة كوندور»، فانها لا تختلف من حيث الجوهر، عن العمليات التي تدور في أكثر من مكان في الراهن، تحت عنوان «الحرب ضد الإرهاب». لقد انطلقت هذه الخطة من تشيلي غداة سقوط سلفادور أليندي وموته في القصف الجوي على قصر الرئاسة. وكأن وصول هذا الرجل إلى السلطة بعد نضال طويل، تعاقبت أجيال على رفده، مثـّل في نظر الولايات المتحدة الأمريكية، «جريمة» «قدح في الذات الملكية»، لا تغتفر. فاتخذت من ذلك ذريعة للانتقام، بكل الوسائل، ومن دون مراعاة للحقوق والقوانين والقيم. في هذا السياق، تفتقت قريحة وزير الخارجية الأمريكية آنذاك هنري كيسينجر، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير أثناء ولاية الرئيس نيكسون عن «خطة الكوندور»، التي شكل، في ذلك الوقت، حلفاؤه وأعوانه في الأنظمة الدكتاتورية، في تشيلي والأرجنتين والبراغواي والبرازيل وبوليفيا والأورغواي، قوتها الضاربة. وتوخياً للاقتضاب، لقد قضت هذه «الخطة» بممارسة ما يمكن أن يطلق عليه تسمية «ارهاب الدولة»، أي أن يحرم مناهضو السلطة القمعية والهيمنة الأمريكية، من صفتهم الانسانية، فتلغى حقوقهم المدنية، وتـُسقط عنهم الضمانات التي يوفرها القانون للمواطنين بوجه خاص، ولكل انسان على وجه العموم.

تمظهر ذلك، بملاحقة الناشطين السياسيين، الذين هم من أصل لاتيني أمريكي، ليس في بلادهم فقط وانما في كل البلدان التي لجأوا إليها أيضاً. لقد طالت يد القتلة عدداً كبيراً منهم، في كل أنحاء أمريكا اللاتينية، وفي الولايات المتحدة الامريكية، وفي بلدان أوروبية. كانوا يـُخطفون فلا يـُعثر لهم على أثر، أو يخرّون صرعى في الشوارع برصاص يطلقه مجهولون، أو يـُلقى بهم من الطائرات في مياه المحيط. «يطيرون نحو الموت». كان المقاتلون الجزائريون الأسرى، يموتون عندما يـُؤخذون «لجمع الحطب». ومن هؤلاء الناشطين من مات تحت التعذيب. والتعذيب عرفه الجزائريون أيضاً. لم يكن المكافحون من أجل الحرية هم المستهدفين، وحسب، بل كان مستهدفاً أيضاً جميع الأفراد الذين كان يـظن رجال مخابرات هذه الأنظمة الديكتاتورية أن من المحتمل أن يتحولوا إلى مقاومين. هذه هي فلسفة الترحيل والتجميع في المعسكرات، التي اعتمدها المستعمرون في الجزائر، وطبقها أيضاً المحتلون «الإسرائيليون» في جنوب لبنان سنة 1982، فاختطفوا الفتيان من البيوت وجـزوا بهم في معسكر انصار الشهير.

كانت نظرية بينوشيه، دكتاتور تشيلي وصنيع هنري كيسينجر، ترتكز على الحذر من الديمقراطية «لأن وراءها الشيوعية». آنذاك كانت الفزاعــة تسمى «الشيوعية». تم تدمير أفغانستان في المرة الأولى بحجة القضاء على «الشيوعية». سامح الله الذين نصبـّوا أنفسهم أولياء على العباد، وكأن محمداً ليس آخر الأنبياء، فحللوا «الجهاد» إلى جانب الولايات المتحدة. جعلت «خطة كوندور» الرعب يتملك الناس، عندما رأوا كيف تنتهك الأعراف والشرائع، وقـُضي على جيل كامل من الوطنيين في أمريكا اللاتينية، وأزيلت شيئاً فشيئاً اثار الانجازات التي تحققت في قطاع التعليم والصحة والعمل الجمعي، السياسي والنقابي. هـُدِمت البنية الوطنية، حتى يضطر الناس للعودة إلى نقطة الصفر. كم من الوقت يلزم لتعويض الخسائر التي تنتج عن السياسات الخاطئة، وعن الاحتلال، وعن بقاء العملاء في غيـّهم؟

تخطرلك هذه الأفكار، وأنت تتابع الأحداث في البلاد العربية، من ساحة إلى ساحة، والمواقف التي تصدر عن هذا الزعيم أو ذاك الوزير، والتي تـُدهشك أحياناً، دهشة تبلغ حدّ الذهول لما يكتنفها من غموض، فتكاد أن تكون عبثية، أو أنها تعبير عن نـزعِِ ِ الحياة، وأفول الكينونة. يتساءل المرء، امام الإعلانات المتلاحقة في لبنان، عن كشف العملاء واعتقال بعضهم وفرار آخرين، وبالنظر الى الوظائف التي كانوا يقومون بها في مؤسسات الدولة اللبنانية نفسها، عن حقيقة هذه الدولة. وهنا يتوجب التذكير، بأن المستعمرين «الإسرائيليين»، لم يواجهوا أي مقاومة تـُذكر من قبل أجهزة الدولة في سنة 1982، عندما توغلت قواتهم في الأراضي اللبنانية، حتى وصلت إلى بيروت. وبالمناسبة نفسها كان تصدي، الفصائل الفلسطينية للغزاة مهزلة ومأساة وكارثة في آن ولكننا لسنا بصدده.
ولا حاجة لسرد بعض الوقائع التي شهدناها في العاصمة بيروت، في ظل دبابات المحتلين «الإسرائيليين»، كانتخابات رئيس للجمهورية، والمفاوضات التي جرت بين الدولة اللبنانية من جهة وبين دولة المستعمرين «الإسرائيليين» من جهة ثانية، رغم أنه لم يقع بينهما أي صدام. يقول جورج قرم : «ظنت الولايات المتحدة الأمريكية، أن سياستها الخارجية حققت نصراً كبيراً، عندما جعلت الحكومة اللبنانية توقع في 17 ايار (مايو) 1983، اتفاقاً بينها وبين «اسرائيل»». فما أود قوله، هو ان هذه الدولة التي ينخرها الفساد، أخفقت في مجال التطوير والإنماء وتتقاعد وتتقاعس أيضاً عن الدفاع، والتضحية عندما يتعرض الشعب والتراب الوطني لخطر أو عدوان.

ولكن، كثرة العملاء الذين ينشطون في مختلف قطاعات الدولة، وقد لا تتميز الدولة اللبنانية عن غيرها في هذا المجال إلا من حيث درجة تغلغل هؤلاء العملاء والمرافق التي يستخدمونها، تدل على الأرجح أن هذه الدولة هزيلة ومفككة، إلى حد أنها تحولت بحكم حالتها وليس بالضرورة بسبب سياسة واعية أقرتها، إلى مرتع لعملاء مخابرات الدول الأجنبية. ينبني عليه أنه من المتوقع، دائماً، حتى لو أن قادتها او بعضهم على الأقل، يربأون بأنفسهم عن ذلك، أن تمثل احتمالية خطر ليس على الناس الذين يعيشون في ظل سلطتها وحسب، ولكن على الذين يعيشون في الجوار أيضاً. بمعنى أوضح، عندما يكون قادة الدولة فاسدين أو مفسدين أو تنقصهم الكفاءة وصلابة الالتزام بالمبادئ، فضلاً عن افتقادهم للبصيرة فإن ذلك يؤدي إلى تبدل دور الدولة، فبدل أن ترشـّد جهود الجمع الوطني، بقصد زيادة النمو وتحقيق الرخاء والأمان، تصير خطراً عليه وترهن الأجيال القادمة.

ان أوجه الشبه بين الأوضاع في لبنان خصوصا، وفي بعض البلاد العربية عموما، من جهة، وتلك التي سادت في سنوات السبعينات من القرن الماضي، في أمريكا اللاتينية من جهة ثانية، كثيرة أو تكاد لا تختلف إلا من حيث الشكل والدرجة العالية التي بلغتها في ديار العرب. فمن نافل القول أن خطر الاغتيال يتهدد كل ناشط في لبنان، يناضل من أجل عودة اللاجئين الفلسطينيين، إلى وطنهم الذي طردهم منه المستعمرون «الإسرائيليون» سنة 1948. وليس تجنياً القول، ايضاً، بأن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، تساهمان، كل طرف بحسب طريقته، إلى جانب «إسرائيل»، في التضييق على المناضلين والمقاومين في لبنان. وليس مستبعداً أن تكون عناصر من المرتزقة، الذين يعملون في الشركات الأمنية الأمريكية، من نوع «بلاك ووتر» مثلاً، التي تعيث فساداً في العراق وأفغانستان فتقتل الناس في الساحات وتخرب البنيان، قد دخلت إلى لبنان هذا من ناحية. أما من ناحية ثانية، فإنه لا يخفى أن الساحة الفلسطينية غنية بالأحداث، التي تثبت، أن صيد المناضلين والمقاومين مرخص به ومفتوح بصورة دائمة أمام الجنود «الإسرائيليين» وأعوانهم في الأجهزة الأمنية التي أشرف على تشكيلها وتجهيزها خبراء عرب وأمريكيون وأوروبيون.

وعندما تعلم، أن مثل هؤلاء الخبراء، كانوا في أمريكا اللاتينية، يقدمون النصح في إطار «الخطة كوندور». ينسقون عمل رجال المخابرات المحليين ويزودونهم بالمعلومات ويغطون تحركاتهم ويسهلون وصولهم إلى المناضل ـ الهدف، المطلوب خطفه أو قتله أو تعذيبه، بالأساليب التي كشف الأمريكيون أنفسهم، بالصوت والصورة عنها، لنعرف أنها متبعة في بغرام وغوانتنامو وأبوغريب، لعلنا نعتبر ولا شك أنها متبعة أيضاً في السجون والمعتقلات «الإسرائيلية»، كما يروي السجناء انفسهم، ولكن المستعمرين «الإسرائيليين» يتمتعون بحصانه، تمنع التحقيق فيما يفعلون. وعندما تعلم أيضاً، أن مرتزقة فرنسيين من أعضاء منظمة «الجيش السري الفرنسي»، التي تميزت بارتكاب أعمال إجرامية في المراحل الأخيرة من حرب الجزائر، التحقوا في تلك الفترة باجهزة مخابرات الانظمة الديكتاتورية الأمريكية اللاتينية، وأن التجربة الفرنسية في مواجهة حرب العصابات، كانت تـُدرس في معاهد المخابرات البرازيلية، على يد أحد الجنرالات الفرنسيين السابقين، الذي أثار ضجة كبيرة بعد صدور كتاب له كشف فيه عن الممارسات الشنيعة التي كان يتعرض لها المقاتلون الجزائريون الأسرى. عندما تعلم بكل هذا، تأخذك الحيرة ويساورك الشك، في أن تعدد التسميات لا يعني بالضرورة الاختلاف والفرق. فما يجري من اغتيالات وتفجيرات في لبنان وفلسطين والعراق مماثل لما نتج وينتج عن «خطة كوندور» التي رسمت في أمريكا اللاتينية باشراف وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسينجر.

وأخيراً، ليس مستبعداً أن يكون الحديث عن الديمقراطية وعن العدالة الدولية التي سوف يحكم بها قضاة نصبتهم حكومات تنتهك القانون ولا تقبل المثول أمام المحاكم، مجرد خداع ألفاظ. فمن المحتمل أن طائر «الكوندور» يحلق في سماء المنطقة العربية، منذ أن وطأت أرضها قدما الوزيرة كوندليسا رايس.

يعرف الكثيرون أن «الخطة كوندور» هي قيد التنفيذ في بلاد العرب أيضاً، ولكنهم فضلوا الصمت. كيف يمكن تمييز سياسة الولايات المتحدة الامريكية من سياسة المستعمرين «الإسرائيليين»، بعد اشتباك «الشجرة» في العديسة بين عناصر من الجيش اللبناني وقوة «إسرائيلية».

هل هناك فرق بين العملاء الذين تجندهم الولايات المتحدة الأمريكية وأؤلئك الذين يعملون مباشرة لحساب المستعمرين «الإسرائيليين»؟ إذا كان البعض، لا يرى مثل هذا الفرق، وإذا كان على صواب، وأغلب الظن أنه على صواب، فإن وراء الأكمة ما وراءها. وتلك الطامة الكبرى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2178808

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178808 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40