الجمعة 8 كانون الثاني (يناير) 2016

تل أبيب هي يافا

الجمعة 8 كانون الثاني (يناير) 2016 par أحمد الدبش

شاع استخدام فضائيات المقاومة اسم «تل الربيع» بديلاً عن «تل أبيب»، وتورط البعض عن جهل بالقول: «أن مدينة تل أبيب الصهيونية، هي مدينة تل الربيع الفلسطينية، وأن تل أبيب أُقيمت على أنقاض مدينة فلسطينية قديمة أسمها تل الربيع».
في هذا المقال نحاول الإجابة على التساؤل التالي: هل وجدت في بلادنا فلسطين فلسطين قرية أو مدينة تسمي بـ«تل الربيع»، إنشاء على انقاضها مدينة صهيونية تسمي بـ“تل أبيب”؟! فالمطلع ولو قليلاً ، على النصوص التاريخية يري جيداً أن هذا التسليم المطمئن ينطوي على خطأ تاريخي. فمغتصبة تل أبيب تأسست في عام 1909 على ضواحي المدينة التاريخية يافا، عروس البحر، التي يقول علماء الآثار إن عمرها يزيد عن خمسة آلاف عام. في المرحلة الأولى تأسست حارة واحدة كان اسمها «أحوزات بايت» على التلال شمالي يافا، وسمي الشارع الرئيسي لها باسم مؤسس الحركة الصهيونية، أي شارع هرتسل (اليوم في المنطقة الجنوبية للمدينة). في 1910 قرر المؤسسون توسيع الحارة وجعلها مدينة، واختاروا اسم «تل أبيب» (أي «تل الربيع»)، نسبة إلى رواية تيودور هرتسل (آلتنيولاند «الأرض القديمة الجديدة»)، وترجمها ناحوم سوكولوف إلى الإسرائيلية باسم (تل أبيب)، بمعنى (تل الربيع)، الاسم المأخوذ أصلاً من سفر حزقيال (3:15): «فَجِئْتُ إِلَى الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ تَلِّ أَبِيبَ، السَّاكِنِينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَحَيْثُ سَكَنُوا هُنَاكَ سَكَنْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَحَيِّرًا فِي وَسْطِهِمْ». يقول قاموس الكتاب المقدس أن «تل أبيب»، اسم بابلي معناه «كومة أو تل سنابل القمح». ويظن أن موقعها كان في موقع تل أبان الحديثة.
يقول شارون روتبارد ( أستاذ محاضر في «أكاديمية بلزيل للفنون والتصميم» في فلسطين المحتلة، وصاحب مقعد الفنون المعمارية في «كلية كير» في الهند)، في كتابه: «مدينة بيضاء، مدينة سوداء - أسلوب بناء وحرب في تل أبيب ويافا»، ما نصه: مدينة تل أبيب توسعت على حساب عروس البحر يافا عام 1948 عندما طرد الصهاينة عبر البحر أهلها، الذين بلغ عددهم عندئذ نحو مئة ألف نسمة. غرق كثير منهم، وقد ابتدعت اللغة الإنكليزية مفردة جديدة لوصف هذه الجريمة المزدوجة هي ((urbicide، أي «الإبادة المدينية». عاش الكاتب فترة طويلة في المنطقة، ما أهله للحكم على طريقة توسع تل أبيب، الذي تم عبر تدمير البيئة التي نشأت مدينة يافا فيها. قام الصهاينة بإزالة التربة السوداء على عمق مترين بهدف وضع أسس مدينتهم الجديدة المسماة «المدينة البيضاء».
إذن مغتصبة تل أبيب قامت على أنقاض يافا ، إلاّ أن هناك عدد من المناطق التي امتدت وتوسعت على أنقاضها ، أزيلت معالمها ، وحذفت الأسماء عن الخارطة ، وهي :- ( ساقيّة ، الجمّاسين ، أبو كبير ، سلمة ، صُمّيل ، الشيخ مونس ، المنشيّة ، سارونا ، السافِّرية ، العباسية ، عرب السوالمة ، فجة ، كفر عانة ، الحميدية ، يازور ، الخيرية ، بيار عدس ، أرسوف ، الحرم).
ومن هذه القرى التي قامت على أنقاضها مغتصبة تل أبيب، قرية الشيخ مونس، والذي أرخ لعملية اقتلاع سكانها المؤرخ شلومو ساند، (أستاذ محاضر في «جامعة تل أبيب» في فلسطين المحتلة)، في خاتمة كتابه: «اختراع أرض إسرائيل»، تحت عنوان «القرية كأمثولة والذكرى كعبرة». وأهدي كتابه هذا «إلى ذكرى سكان قرية الشيخ مونّس الذين اقتلعوا في الماضي البعيد من المكان الذي أعيش وأعمل فيه في الحاضر القريب».
ويستذكر المؤرخ شلومو ساند، في تصريح للجزيرة نت، (07/04/2012)؛ كيف ضربت العصابات الصهيونية حصارا على القرية طيلة أسابيع لتجويع وترهيب أهاليها حتى تمت السيطرة عليها دون أن تتدخل قوات الانتداب البريطانية. ويقول ساند إنه منذ بدأ عمله محاضرا في جامعة تل أبيب قبل ربع قرن ومشاعر الضيق تساوره، لأن الجامعة تقوم على أنقاض قرية مهجرة تمحو ذكرها مؤسسة أكاديمية رفيعة، ويضيف «أحرص في بداية كل مساق أكاديمي على التوضيح أن كل ذاكرة جماعية هي عملية هندسة ثقافية بدوافع سياسية».
تقول المؤرخة راحيل هارت، في مقال بعنوان «الصراع على الأرض حول يافا وتل أبيب»، عن أحياء تل أبيب التي نبتت “في الرمال”، وعلاقتها بيافا: «أحياء أحوزات بيت، نحالات بنيامين، وحفراه حاداشاه توحدت بعد تأسيسها بفترة قصيرة، في نوع من الاحتجاج على يافا. وأحياء أخرى أقيمت الواحدة تلو الأخرى، أعطت سكانها الإحساس بمدينة عبرية تنمو على رمال شاطئ البحر، وتدير شؤونها بشكل مستقل عن يافا. كانت علاقة تل أبيب بيافا تركيبة خاصة من الوراثة والاحتكار، المحو والإحساس بالذنب ووضع الأقنعة، منذ ولادة نفيه تسيدك من رحم عروس البحر، لم تتوقف تل أبيب عن الهروب من يافا أو الارتباط بها. وتصرفت بالضبط مثل مخترعها وأبيها الروحاني تيودور هرتسل الذي كان مصمماً على الهروب من يافا، وبدلاً من أن يبقى يومين في المدينة في انتظار سفينته العظيمة التي ستأخذه لمبتغاه، فضّل الصعود إلى سفينة رديئة أخذته للاتجاه المعاكس».
ومنذ عام 1950 ضمّت بلدية تل أبيب مدينة يافا لسلطتها، وأصبحت بلدية واحدة تسمى بلدية تل أبيب ــ يافا، يشكل فيها السكان العرب ما يقارب 2% من السكان. ومنذ اللحظة الأولى وضعت بلدية تل أبيب ــ يافا مخطط تهويد المكان، فغيّرت كل أسماء شوارع مدينة يافا إلى أسماء عبرية لقيادات الحركة الصهيونية أو أسماء غريبة عن المكان لا تمتّ له ولتاريخه العربي العريق بأي صلة. كما عملت على تغيير الطراز المعماري للمكان من خلال هدم جزء كبير من المباني القديمة، وهدم أحياء وقرى بكاملها.
وأخيراً، أتمني أن يكف اعلام المقاومة عن استخدام مصطلح «تل الربيع»، الذي هو تعريب لمعني «تل أبيب»، فالاسمان لمسمي واحد. فمغتصبة «تل أبيب / تل الربيع»، هي بعض قرى مدينتنا الخالدة يافا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 1133 / 2178424

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178424 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40