الجمعة 29 كانون الثاني (يناير) 2016

التصعيد الأوروبي، ظاهرة مُشوّقة لإسرائيل !

الجمعة 29 كانون الثاني (يناير) 2016 par د.عادل محمد عايش الأسطل

إحدى المسائل المهمّة التي حازت على اهتماماتنا كفلسطينيين هذه الايام، هي الخطوة التصعيدية التي بادر باتخاذها الاتحاد الأوروبي، والمتجهة ضد سياسة إسرائيل التوسعيّة، والتي انتهت - بعد مخاضٍ عسير-، إلى وضع تقسيمات بين إسرائيل كـ (دولة)، وبين الأراضي الفلسطينية، والواقعة ضمن حدود عام 1967، في أيه اتفاقيات مُقبلة، وكان بدأ الاتحاد خلال الشهر الماضي بالمصادقة على تنفيذ خطة وسم المنتوجات الناشئة داخل المستوطنات، باعتبارها خطوة هامّة، جاءت في أعقاب تبلور تقديراته، بأن من شأنها الحيلولة دون هدم حل الدولتين، المقترح أمريكياً والمُرحّب به من قِبله منذ أزلٍ طويل.
كانت الخطوة واضحةً للعيان، بأنها جاءت كنتيجة مباشرة للإصرارات الإسرائيلية بشأن الاستمرار بنشاطاتها التوسعيّة الاستيطانية، وبدون إعطاء أيّة آمال بوقفها، وبناءً على المخاوف المترتبة عليها، وخاصة التي تمس مصالح الاتحاد السياسية والاقتصادية، وقد سبق أن أوشك على اتخاذ قرارات ضد إسرائيل، في أعقاب انطفاء الوميض الخافت بالنسبة إلى العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد إعلان فشل مفاوضات الأشهر التسعة، التي قررتها واشنطن للتوصل إلى حلول نهائية، والتي انتهت بنهاية أبريل/نيسان 2014، باعتبارها سبب إفشالها.
وإن كان للأسباب السابقة، مقداراً من الصحّة، لكنها لم تكن هي الحافزة، التي جعلت الاتحاد يقوم بتنفيذ تصعيداته – ضمن المسموحات الأمريكية- باتجاه إسرائيل، وفي ضوء عِلمه، بأنها تخشى على مصيرها أولاً وقبل كل شيء، وهي على استعداد لفعل المعجزات لاستمرارها متواجدة ومتنامية، وإن كانت تلك المعجزات، لا تتفق مع مواقفه أو المواقف الدوليّة المُعلنة بشكلٍ عام، ولعلمهِ أيضاً، بأنها مشروع استيطاني في الأساس، خاصة وهو يشعر خلال كل دقيقة، بأنها تعمل جهدها في تعظيم الاستيطان وتطويره، وتُشجّع عليه بتصميمٍ شديد.
صحيح بأن توقف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كان من الدواعي الرئيسة للانزعاج الأوروبي، باعتباره حاثّاً لإسرائيل بضرورة عدم الابتعاد عن طاولة السلام، وإشعاراً للعرب والفلسطينيين بخاصة، بأن لدى الاتحاد مصداقيّة سياسية واضحة، وخاصةً باتجاه أولئك الذين لا يزالون يتحدثون عن العملية السياسية، وعن التطبيع مع إسرائيل، باعتباره ينحاز بكل دولهِ إلى جانبهم، ولو كانت هناك مفاوضات، لكانت انتفت دواعيه الانزعاجية تماماً، وذلك بالنظر إلى قيامه بتعليق إنذارات باتجاه إسرائيل كان لوّح بها، وذلك عندما اصطفّت أمام الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات في أغسطس/آب 2013.
الأمر الأكبر والذي زاد الاتحاد انزعاجاً وإقداماً على تصعيداته، هو شعوره بأذرع إسرائيل المختلفة، تلتف حول عنقه، وهي تلك العاملة باتجاه جلب الجماعات اليهودية من أنحائه، وبطريقة يراها مستفزة ومؤذية في آنٍ معاً، باعتبارها تهدد بُنية وهيكلة دولهِ الاجتماعية والاقتصادية، وربما تصِل إلى تهديد مصيرها أيضاً، وفي ظل رؤيته لعشرات الآلاف من اليهود الذين هاجروا طواعيةً، واستقرّوا داخل المستوطنات المُقامة في أنحاء الأراضي الفلسطينية، في مُقابل استقباله لطوفانات متتالية من المهاجرين العرب والأفارقة.
في إسرائيل واليسار بذاته، وبرغم تظاهرهم بالغضاضة من خطوة الاتحاد التصعيدية وما سبقها من خطوات، إلاّ أنهم لا يؤمنون بها، وسواء باعتبارها ناتجة عن سياسة خاطئة، أو على أنها رمزيّة وذات دلالة واهية، وهم يُجمعون، وفي حال كانت جدّية، على أن مضارها ستشمله في المقام الأول، على أن إسرائيل ليست جنوب أفريقيا، وليست مجرّد دولة، بل هي امبراطورية نادرة وقادرة داخل المنطقة الشرق أوسطية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” قد أشار إلى دول الاتحاد، بأن عليها التحالف مع إسرائيل، كما تفعل الدول الخليجيّة، بدلاً من إحداث سياسات غير عقلانية، وإجراءات لا قيمة لها، وهذا يعني أن إسرائيل لا تقمعها أيّة تصعيدات، ولا تردعها أيّة إجراءات، عن مُضيّها في مسارها الاستيطاني على نحوٍ خاص.
سيما وأن هذا المسار لديها ليس نظرياً، فهو موجود عندها منذ الأزل وما قبل وجود الدولة، وسيستمر - تبعاً لاعتقاداتها- في المستقبل أيضاً، باعتباره حاجة إسرائيليّة بحتة، ومطلباً يهودياً محضاً، بل وترى أن التصعيد الأوروبي باتجاه عرقلة نشاطاتها الاستيطانيّة، قد خلق لديها ظاهرة مُشوِّقة للغاية، وكأنما يدعوها إلى إنشاء تصعيدات مُقابلة تكون أكثر شِدّة، وأعمق تصميماً، وسواء كانت بالنسبة لمسألة الاستيطان، أو باتجاه جلب اليهود والمستوطنين.

- على هامش دافوس، تحدٍ غير صائب !

ليس مفاجئاً أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” أثناء مشاركته في فعاليات المنتدى الاقتصادي (دافوس- سويسرا)، بانتقاد السياسة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي حيال إسرائيل، كما لم يكن غريباً، أن يُطالب مسؤولته للسياسة الخارجية “فيدريكا موغيريني” بوجوب تبنىّ السياسية التي تنتهجها الدول العربية (المعتدلة) تجاه إسرائيل، على اعتبار أن لدى إسرائيل علاقات ديبلوماسية قويّة مع تلك الدول، وهو بالضرورة لا يقصد كل من مصر والأردن باعتبارهما تقيمان علاقات ثنائية بناءً على اتفاقيتي سلام، (كامب ديفيد 1979، ووادي عربة 1994).
“فيدريكا” أيضاً أدلت بردود غير مفاجئة أيضاً، وسواء من حيث تأكيدها بأن الاتحاد هو أكثر اهتماماً بإسرائيل من أي وقتٍ مضى، باعتباره يشعر بمخاوفها إزاء (التحريض الفلسطيني)، أو بشأن خطواته التي قام بتمريرها، وسواء الخاصة بوسم منتوجات المستوطنات المتواجدة في السوق الأوروبية، أو بإنشاء تقسيمات بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية في أيّة اتفاقيات مقبلة، باعتبارها تجيء تحت بنود تقنيّة، وخاصة بحماية المستهلك الأوروبي، ولا يُقصد بها مقاطعة إسرائيل أو إرهاقها.
لكن الذي كان مُفاجئاً هو، قيام أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكبير المفاوضين الفلسطينيين د.“صائب عريقات” بإعلان تحدّيهِ لـ“نتانياهو” فيما إذا كان قوله صحيحاً، والخاص بأن لإسرائيل علاقات دبلوماسية قويّة مع الدول العربية، باعتباره محض أكاذيب، حيث قال: أتحدّى “نتانياهو” بالكشف عن أي تحسن في علاقة إسرائيل مع أي دولة عربية.
لقد بدا “عريقات” جادّاً في تحدّيه، وبأنه على ثقة تامّة، من اقتحامه لـ “نتانياهو” والفوز عليه، بسبب تأكّده من أن علاقات دبلوماسية كهذه ليست متواجدة، وهي مستبعدة جداً، وأن ادّعائه بشأنها، هو مجرّد هلوسات فقط، باعتباره لديه أن لو كان هناك شيء منه صحيحاً، لكان سارع بتبيان تلك العلاقات والافصاح عنها.
وفي ضوء انتهاء المدة المقررة الممنوحة أمام الخصم – نتانياهو- وبعد استماعه إلى إعلان التحدّي، وتأخّره عن إعطاء جواب قانوني أو أخلاقي، فإن من المتبع إعلانه كخصمٍ (خاسر)، ما يعني أنه كاذب في كل ما قاله وما بدر منه، وأن ادّعائه باطلاً ولا أساس له، ويلزمه تحمّل المسؤولية.
قد يكون هذا الحكم مستساغاً للوهلة الأولى، لكن إذا ما تم فحص كل ما نشأ عليه، وسواء كان بصورة رياضية أو ميتافيزيقية، فستبرز شواهد واقعة وحقائق دامغة، لا يمكن تغطيتها أو القفز عنها بسهولة، والتي من شأنها أن تقلب الفوز الكبير، إلى خسارة مفعمة بالاكتئاب والحسرة.
سيما وأنه في علم الكل، بأن “نتانياهو” ليس مُلزماً بقبول التحدّي ولا حتى بالمدافعة عن ادعائه، بسبب مبررات كثيرة، وأهمها: أن سعيه إلى تحقيق انتصار في هذا الوقت وهذه الظروف، لا يهمّه كثيراً ولا يبحث عنه، حتى برغم ضمانه له، خاصةً وأن المكاسب التي يجنيها من عدم قبوله التحدّي، هي بالنسبة له أكبر بكثير من التي سيتلقاها عندما ينزل إلى الميدان، وفي ضوء أن براهينه (الفالجة) مقيّدة باشتراطات، تغلب عليها طوابع السرّية، وهو مُرغم بالتزامها.
بغض النظر عن علاقات إسرائيل الكبيرة، بكل من مصر والمملكة الأردنية، والتي لا تنتهي لحظة، دون أن يتفاخر بها “نتانياهو” والإسرائيليين بشكل عام باعتبارها عصيّة على الإطاحة بها أو الانتقاص من أحجامها، فإنه يجب الانتباه جيّداً إلى الاقترابات الإسرائيلية - العربية الكبيرة، والتي لا تحتاج إلى توضيح أكثر، حيث أنها بلغت بوضوحها، أن مهّدت لدولة السودان الشقيقة، والتي تُعتبر من الدول الأواخر، التي تفكر في إنشاء علاقات مع إسرائيل، بأن تعلن عن استعدادها للنظر في الإقدام على تلك الخطوة وتعزيزها، وإن بحجة رفع الحصار المفروض عليها.
وإن كان من بواعث الضرورة، التماس العذر المناسب للسيد “عريقات” باعتبار تحدّيه يهدف إلى تبرئة الدول العربية المعنيّة، من مسألة إقدامها على إنشاء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل الاحتلالية، وخاصة قبل إعلان موافقتها على المبادرة العربية، القائمة منذ 2002، والتي تنص في حال قبولها، على الاعتراف العربي بكيانها، وبإنشاء علاقات تطبيعية معها، وبالمقابل تجريم “نتانياهو” ومن ثمّ تدفيعه الثمن المناسب، جراء ادعائه المفترى، أو لمنعه من الثرثرة على حساب الغير على الأقل.
لكن كان الأجدر به، وقبل وقوعه في غير المُفيد، أن لو قام بتمرير ذلك الادعاء الغاشم، وأن لو أمسك عن ذلك التحدّي، باعتباره تحدياً غير صائباً، وفي ضوء أن لا دولة عربية، قامت باتجاه تفنيده والقدح به هو بمفرده، أو أيّة ادّعاءات إسرائيلية سابقة، على الأقل لاعتبارات خاصة بمجريات الصراع، إذ كان الأوْلى له، أن يقيم جهده على الفحص، لأجوبة تلك الدول، بعد سؤالها أولاً، فيما إذا كانت لا تقيم علاقات مع إسرائيل، أو أنها لا ترتبط معها بأيّة اتصالات تعاونية، وخاصة تلك التي تؤثّر سلباً على مجريات القضية الفلسطينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2178523

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عادل الاسطل   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178523 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40