الجمعة 12 شباط (فبراير) 2016

الهبات الشعبية والتكتيك “الإسرائيلي”

الجمعة 12 شباط (فبراير) 2016 par علي بدوان

سَبَقَ انطلاقة الهبات الشعبية الفلسطينية الأخيرة، وقبل وقتٍ منها إجراء الانتخابات “الإسرائيلية” للكنيست العشرين وفوز نتنياهو بحكومته الرابعة في آذار/مارس 2015، حيث لم تُشكّل تلك الانتخابات وبنتائجها التي رَسَت عليها مُجرد تطور سياسي، بقدر ما كانت إنجازًا أيديولوجيًّا في الجوهر والصميم، إذ عَبرَ نتائج تلك الانتخابات بات اليمين في “الكيان الصهيوني الإسرائيلي” الأكثر تطرفًا، ليس في موقع السلطة فقط، بل إن الجوهر الفكري الأيديولوجي، وتداعياته المجتمعية كان لها الغلبة في التأثير على الرأي العام “الإسرائيلي” من ناحية، وإعادة رسم البيئة “الدستورية” والقانونية في “إسرائيل” على قاعدة هذه الأيديولوجيا المُنسجمة تمامًا مع الأفكار الأكثر تطرفًا، وقد عَزَزَّ تهاوي ما يسمى “قوى اليسار الإسرائيلي الصهيوني” حتى قبل وصول اليمين المُتطرف إلى الحكم، من صعود اليمين الفاشي، وساعده على فرض إرادته وبرامجه على الحياة السياسية والاجتماعية في الكيان الصهيوني، فتهافت هذا اليسار وقع في حضن اليمين الفاشي، في حكومة يقودها عتاة اليمين الديني المُتطرف.
إن صعود قوى التطرف في “إسرائيل” دفع نحو توتير الأجواء، وارتفاع منسوب القمع الفاشي ضد الشعب الفلسطيني في الداخل، وهو ما دفع بدوره نحو اندلاع شرارات الهبات الشعبية التي باتت تَقُض مضاجع حكومة نتنياهو خشية من تمددها وتحولها لانتفاضة ثالثة عارمة تحرق الأرض تحت أقدام جنود الاحتلال ومستوطنيه.
حكومة بنيامين نتنياهو عملت وما زالت على تَجَنُّب إيصال الأمور لحدود الانفجار خشية من عواقب الأمور، بالرغم من التهور العام لسياساتها، ووجود حالة واسعة من التَجَنُّح اليميني داخلها، وهي حالة تُشَجّع قيام جيش الاحتلال بأعمال انتقامية ضد الفلسطينيين، حيث تعالت أصوات العديد من أعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي والمعارضة بانتقاد نتنياهو، مطالبين إياه بمزيد من القمع وتوفير ما يسمى بخطة “مكافحة الإرهاب”.
إن ما يثير الهلع والقلق المتزايد في “إسرائيل” أن الهبات الفلسطينية المتتالية هي نتاج جيل ما بعد أوسلو؛ حيث إن (55%) من سكان الضفة الغربية والقدس هم أقل من سن الثلاثين. الجيل الذي اعتقد البعض بأنه يَحمِلُ عقلية مُختلفة، عقلية التسوية والرضوخ للواقع. بما في ذلك أعضاء ومنتسبو الأجهزة الأمنية والعسكرية للسلطة الفلسطينية، الذين كان آخرهم الشهيد الرقيب أول أمجد السكري. إن تلك المخاوف دفعت العديد من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية “الإسرائيلية” للتحذير من مخاوف وقوع عمليات تبادل لإطلاق النار بين “الشرطة والجيش الإسرائيلي” من جانب والشرطة الفلسطينية من جانب آخر، مُعتبرين أن “هنالك عدة طرق يُمكن أن تنزلق الأحداث فيها إلى أعماق لا رجعة فيها”.
وفي هذا السياق لا ننفي وجود أصوات “إسرائيلية” تعتقد بضرورة تهدئة الأوضاع مع الفلسطينيين تفاديًا لانفجارات لاتُحمد عُقباها، حيث كَتَبَ المحلل العسكري (أليكس فيشمان) على صفحات (يديعوت أحرونوت) قائلًا “الأوضاع في القدس والضفة تقترب من مفترق طرق، فإما أن نسير لجهة تهدئة الأوضاع وتكريس حياة طبيعية في الضفة الغربية مع رفع غالبية القيود المفروضة على الفلسطينيين والدخول في مفاوضات، وإما أن نتجه إلى مواجهة شاملة ستجرف معها قطاع غزة”. وزاد عليه معلق الشؤون السياسية في صحيفة (يديعوت أحرونوت) ناحوم برنياع للقول “يُمكن للحكومة الإسرائيلية أن تُطلق على ما يَحدُث في الضفة الغربية والقدس ما تشاء من أسماء، لكن الاسم الحقيقي لما يجري، هو انتفاضة فلسطينية ثالثة، تُنذر بالأخطر”. مُحملًا في الوقت نفسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو “مسؤولية الانتفاضة الجديدة، بعدما قَتَلَ أي أمل موجود لدى الفلسطينيين”. مُضيفًا أن “نتنياهو آمن بأن الوضع الراهن كما هو عليه سيستمر إلى الأبد، وأنه قادر على فعل أي شيء دون رد فعل فلسطيني… وأنه سوف نجففهم ونحاصرهم ونستوطن أراضيهم ونسيطر عليهم، أما هم فسيطأطئون روؤسهم ويستسلمون”.
ويقول أوري سافير في صحيفة “معاريف” “إن التاريخ الحديث لم يصمد أمام أي احتلال لشعب آخر، لقد قضى الاستعمار نحبه، ومصير فلسطين المستقلة سيكون مشابهًا لمصير الجزائر وفيتنام وإرادة الشعوب تفوق في نهاية الأمر كل قوة عسكرية، وعلى الجانب الآخر”. كما كَتَبَ ايريس ليغال على صفحات “هاآرتس” “أن (إسرائيل) تسير باتجاه الفاشية، إننا أمام ذروة جديدة من الفظاعة الفاشية”.
ورغم هذا الموقف أو ذاك، إن كل المُعطيات تُشير بأن هناك عدم رغبة، وقدرة، وتَحَمُّل من قبل “إسرائيل” لإعادة اجتياح واحتلال عميق لمدن الضفة الغربية كما حَدَثَ في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى صيف العام 2000 بعدما انهارت مفاوضات كامب ديفيد الثانية في تموز/يوليو 2000، عندما نفذت “إسرائيل” عملية (السور الواقي) ربيع العام 2002 والتي انتهت بمحاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله، حيث انتظرت “إسرائيل” عامًا ونصف بعد اندلاع الانتفاضة قبل أن تَحتَل مُدن الضفة الغربية.
إن من المُرجح جدًّا لجوء سلطات الاحتلال حال اندلاع المواجهات الشاملة بما في ذلك العمل العسكري الفلسطيني المقاوم إلى شن عملية عسكرية قاسية في الضفة الغربية بتكتيكات جديدة مُختلفة كليًّا عما جرى أثناء المواجهات مع الفلسطينيين إبان الانتفاضة الكبرى الثانية، وستشمل تلك التكتيكات على فرض حصار طويل على عموم المدن والبلدات الكبرى، والقيام بحملات اعتقال لآلاف الشباب ونشطاء التنظيمات. والعودة إلى نهج الاغتيالات للشخصيات القيادية السياسية والعسكرية التابعة لعموم القوى والفصائل، وتسييد نهج الإعدامات الميدانية لنشطاء الانتفاضة وشبابها. وبالفعل اتخذ مجلس الوزراء “الإسرائيلي” المصغر (الكابينيت) في اجتماعه بعد وقوع عملية مستعمرة (إيتمار) ومقتل الحاخام المُتطرف في القدس قبل عدة أشهر، مجموعة من القرارات المُعلنة وغير المُعلنة. ومن القرارات المُعلنة تم التأكيد على هدم منازل منفذي العمليات الفدائية، وتعزيز قوات الشرطة وحرس الحدود في القدس المحتلة، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي والفيسبوك واعتقال المُحرضين, وتكثيف الاعتقالات الإدارية ضد المواطنين، وفرض غرامات مالية وأحكام سجن على الفتية الذين يتهمهم الاحتلال بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على سيارات المستوطنين، وإبقاء الوضع القائم في المسجد الأقصى على ما هو عليه، مما يعني استمرار السماح للمستوطنين باقتحام المجلس ومنع المصلين تحت سن 50 عامًا من دخول المسجد.
أخيرًا، نحن أمام وضع فلسطيني يفور على مرجل الغليان في الداخل، وهو ما يفترض بالجميع في الساحة الفلسطينية إعلاء صوت العقل والمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وتجاوز العصبيات التنظيمية والفصائلية، والاستعداد الموحد لمواجهة استحقاقات المرحلة التالية، والتي ربما ستكون قاسية على الفلسطينيين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165410

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165410 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010