الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016

الاقتصاد العراقي وتحديات السياسة المالية

د. حيدر حسين طعمة/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016

يتسع مأزق الاقتصاد العراقي مع استمرار موجات الهبوط السعري في اسعار النفط الخام وعجز الحكومة عن تأمين موارد مالية بديلة لدعم الموازنة والاقتصاد. يتزامن ذلك مع حرب ضروس مع عصابات داعش بحاجة لتمويل مفتوح لا موازنة تقشفية. الصدمة المزدوجة (النفط والارهاب) التي تواجه العراق تفرض عليه التكيف مع شحة الموارد وتفعيل القطاعات الاقتصادية البديلة كالصناعة والزراعة والسياحة وتحفيز القطاع الخاص، ليس فقط لتمويل الموازنة وانما ايضا لامتصاص البطالة وتشغيل الطاقات الانتاجية المعطلة والحد من الاعتماد شبه الكلي على الاستيرادات في تغطية الحاجة المحلية من السلع والخدمات.
في هذا السياق، يتوقع ان يكون للسياسة المالية دورا محوريا في برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي في البلد عبر الاستعانة باستراتيجية مالية تحاكي الواقع الاقتصادي في العراق وتعزز من تنويع الموارد الاقتصادية وتحد من الهدر الاقتصادي عبر ضبط ايقاع وكفاءة النفقات. مع ذلك، يجب الالتفات الى عدد من التحديات التي تحد من مرونة ادوات الحقيبة المالية في تحقيق اهدافها في الاقتصادات النفطية ومنها العراق، أبرزها:
التحدي الاول: نمط الانفاق الحكومي
أبرز التحديات التي تواجه العراق تكريس اعتماده على الانفاق الحكومي مصدرا اساسا للدخل العائلي وتحريك مختلف القطاعات الاقتصادية (الصناعية والزراعية والانشائية..) سواء بشكل مباشر عبر مشتريات الحكومة لمنتجات هذه القطاعات وما توفره من دخول لموظفيها او بشكل غير مباشر عبر الدعم والاعانات المقدمة لها. جوهر التحدي يكمن في مصادر تمويل الانفاق الحكومي، إذ ينكشف الانفاق الحكومي على الايراد النفطي بنسبة تفوق 90%، وتتصف الايرادات النفطية بثلاث عناصر تضع الانفاق الحكومي ومن بعده الاقتصاد العراقي على المحك.
العنصر الاول: التذبذب المستمر لأسعار النفط بسبب تداخل العوامل الاقتصادية والجيوسياسية في تحديده، وبالتالي فان الاعتماد على النفط في تمويل الانفاق العام يعني ربط الاقتصاد المحلي بعوامل خارجية.
العنصر الثاني: النفط مورد ناضب وهناك محاولات عالمية حثيثة للتخلي عن الوقود الاحفوري لصالح الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
العنصر الثالث: ارتباط الموازنة العامة بشقيها الايرادي والانفاقي بأسعار النفط في البلدان الريعية يجرد ادوات السياسة المالية من اداء الدور المطلوب والتكيف مع الازمات الاقتصادية والمالية بمرونة وكفاءة.
التحدي الثاني: الترهل والتضخم الوظيفي
اعتماد الموازنة الحكومية على توليد طبقة واسعة من شاغلي الوظائف الحكومية، تتسع باتساع الموارد النفطية في حقب الازدهار والنمو الاقتصادي ولا تضيق في حقب الركود والانكماش الاقتصادي، يزيد من المأزق المالي في البلد. فقد مارست الحكومات المتعاقبة خلال السنوات السابقة سياسة التوظيف الواسع غير المرتبط بالحاجة الفعلية أو بالإمكانات الاقتصادية القائمة أو المحتملة، في اقتصاد يعاني اختلالات بنيوية عميقة. وتقدر الاحصاءات (غير دقيقة) إن عدد العاملين في الحكومة تجاوز (5) مليون، فضلاً على وصول عدد المتقاعدين الى (2) مليون تقريبا. وبتراكم الاضافات في الرواتب والمخصصات يبلغ حجم الرواتب والمخصصات قرابة (44) مليار دولار سنويا، يمثل القسط الثابت تقريباً في الشق التشغيلي من الموازنة العامة. مما يعني إن الموازنة التشغيلية في جانبها الانفاقي أصبحت مقيدة (بقسط الرواتب الثابت علما انه يتزايد سنوياً). وبذلك حددت المرونة الانفاقية الحالية والمستقبلية، وحملّت السياسة المالية أعباء لا فكاك منها، لاسيما وأن كل الدراسات تشير إلى تدني انتاجية العاملين في القطاع العام.
التحدي الثالث: المثبتات التلقائية والركوب المجاني
لا تتعدى الايرادات الضريبية في أفضل الاحوال 1% من اجمالي ايرادات الموازنة العامة في العراق في حين يفوق الانفاق الحكومي على السلع والخدمات العامة 50% من اجمالي النفقات الحكومية. هذه الحقائق اضعفت التفكير بالمثبتات التلقائية كأدوات اضافية للسياسة المالية تسهم في استيعاب وتلطيف الصدمات النفطية لصالح بروز ظاهرة الركوب المجاني. اذ تتسع هذه الظاهرة في المجتمعات الريعية لتبلغ المجتمع جله، كمحجمين عن المساهمة في تمويل كلفة السلع العامة، وتمتعهم بميزات تلك السلعة مجاناً مثل خدمات الأمن والدفاع والصحة والتعليم والطرق السريعة وغيرها.
إن مخاطر الركوب المجاني في الامم الريعية، يؤسس بمرور الوقت ظاهرة سياسية غير مرغوبة تتمثل بمقايضة الحصول على السلع العامة من خلال الركوب المجاني بالصوت الانتخابي مما يؤدي الى تدني الديمقراطية السياسية. ولكن من اللافت للنظر إن الأنموذج السياسي العراقي الراهن يوفر للمواطن التمتع بالحقوق الدستورية في ممارسة الديمقراطية والركوب المجاني في آن واحد. وإن مخاطر استمرار هذا التلازم في المدى البعيد سيكون اما على حساب التضحية بالنمو الاقتصادي او الديمقراطية من اجل حصاد شيء من الرفاهية الاستهلاكية على مدى الحقب القصيرة (1).
التحدي الرابع: فقدان الرؤية الاستراتيجية في اعداد الموازنة
غياب الرؤية الاستراتيجية للسياسات المالية أحد أبرز اسباب تعثر الاقتصاد العراقي خلال السنوات السابقة، فقد غيبت البرامج الاقتصادية عن ابواب النفقات والايرادات الحكومية التي تضمنتها موازنات الاعوام السابقة، رغم الوفورات النفطية التي حققها البلد لغاية العام 2013، لصالح الزيادة المذهلة في النفقات التشغيلية (الاستهلاكية) من جهة، وضعف الرقابة على ادارة وتنفيذ النفقات الاستثمارية بكفاءة من جهة اخرى. ومن الضروري ان تتضمن الموازنات القادمة برامج اقتصادية تحاكي واقع الاقتصاد العراقي وطبيعة الازمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها البلد بسبب احادية التصدير، ويؤسس لنمط جديد في ادارة الملف الاقتصادي يجنح الى تنويع الموارد وتحفيز القطاعات الاقتصادية الزراعية والصناعية والسياحية والنهوض بالقطاع الخاص للحد من احادية الاقتصاد العراقي واتكاله المزمن على المورد النفطي. وقد تكون الصدمة المالية الحالية فرصة لإعادة التنظيم المالي وتشديد الرقابة على المال العام ومكافحة الفساد والعمل على تقليص النفقات غير الضرورية التي أدمنت عليها الحكومة بسبب الريع النفطي.
يتطلب الوضع الراهن قيام الحكومة بعدة إجراءات، لعل أبرزها: ضبط الإنفاق الحكومي، وإصلاح النظام الضريبي من خلال سن عدد من القوانين التي تسهم في توسيع الأوعية الضريبية وتحديد أسعار جديدة للضرائب تنسجم والمقدرة التكليفية للمواطن مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم إثقال كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والعمل على إعادة هيكلة الصناعات المملوكة للدولة والتحول التدريجي نحو القطاع الخاص، إذ تكشف الموازنات العامة السابقة أن دعم وتمويل هذه الصناعات لم يحسن من أدائها الاقتصادي فما زالت أغلب المشروعات العامة غارقة في الخسائر. أما بالنسبة لتفعيل القطاعات غير النفطية، فهذا يتطلب خطة لتنويع مصادر الإيرادات عبر تحفيز القطاعات غير النفطية في البلد.
* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

- صناعة التطرف والرؤوس الشيطانية

عدنان الصالحي/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

التطرف، مصطلح يُستخدم للدلالة على كل ما يناقض الإعتدال، زيادة أو نقصاناً، وعادة ما يستعمل لوصف المنهجيات التي تستخدم العنف والتحريض وبث الكراهية في المجتمعات سواء كانت بعناوين دينية او سياسية أو اجتماعية. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لفكر ما.
ليس هناك طائفة دينية او عرقية او قومية بعينها تدعو نفسها بالمتطرفة، كما انه لا يوجد حزب سياسي يدعو نفسه بمتطرّف يميني أو متطرّف يساري، غير ان مواقفه وايديولوجياته ومنهجيته في الخطاب والتصرف هي من توضح صورته.
التطرف على كل مستوياته ينبع من اختلال وظيفي اقتصادي وفكري، تؤججه وتوجهه قناعات دينية هكذا يصف علماء الاجتماع.
ولعل ابرز الجهات التي تصنّف بأنها متطرّفة هي (النازية-الفاشية- منظمات التكفير الإسلاموية- الحملات الصليبية- التمييز العنصري أي التفرقة بين الشخص الأبيض والملون- الصهيونية- اللجان الثورية والتصفية الجسدية ليبيا- الراديكاليون السياسيون يدعون بالمتطرّفين أحيانا، بالرغم من أن مصطلح راديكالي يعنى به التوجه إلى جذر المشكلة أصلا.
وفي كلا الاحوال يعتبر اللجوء إلى العنف (بشكل فردي أو جماعي) من قبل الجهة المتطرفة بهدف فرض قيمها ومعاييرها، أو بهدف إحداث تغيير في قيم ومعايير المجتمع الذي تنتمي إليه وفرض الرأي بالقوة، هو أحد أشكال الإرهاب، والإرهاب المنظم.
والقول بأن التطرف هو أحد أوسع الأبواب التي تؤدي إلى الإرهاب يحتمل الكثير من الواقعية خاصة بعد أن ثبت أن 95% من حالات الإرهاب، والإرهاب المنظم، التي اجتاحت العالم خلال الخمسين عاماً الماضية كانت نتاجاً للتطرف.
واذا ما استثنينا ضحايا الحربين العالميتين، فإن أرقام ضحايا التطرف هي الأعلى في تاريخ الحروب.
فالحروب الصليبية استخدمت التطرف كقاعدة لتكفير المسلمين، كذلك قامت حروب دموية بين المسيحيّين الكاثوليك والمسيحيّين البروتستانت في إيرلندا وقبلها ارتكب المسيحيّون البيزنطيون مذابح بشعة بحق المسيحيّين في مصر. بسبب التطرف أيضا.
اما العنف بين أتباع المذاهب الخمسة في الدين الاسلامية، ولعل آخرها وأبرزها الاحتراب في العراق للاعوام (2006 – 2008).
اما ما ارتكبه “داعش” او ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من مجازر وفظائع بحق الايزيديين والمسيحيّين والتركمان والشبك والشيعة والسنة فيكاد يفوق الخيال بالكم والتفنن بالاساليب.
المنطق القائل بأننا كلما تقدمنا في الزمن ازددنا تطورا، يبدو انه يشمل جميع النواحي الحياتية فمع وجود كل تقنيات الابداع البشري في التواصل وتقريب المسافات وتجاوز المشاكل التقنية والفنية، الا ان هذا التطور لم يمنع الفكر المتطرف من ان يكون مسخرا له فان نهايات القرن العشرين شهدت انتشارا واسعا للتعصب الديني، والفكر المتطرف ادى الى صراعات مذهبية وخصوصا في شرق المنطقة العربية، وصارت وسائل التواصل مساحات لترويج الافكار المتطرفة او للصراع الفكري وبث مقاطع ومشاهد مروعة لعمليات القتل.
العالم اليوم يكاد يشتعل في اغلب مناطقه ان لم نقل جميعها وهذا التوقد في الدول والتهيئة للاشتعال حتى تلك البعيدة عن مناطق الصراع ناتج من وجود عدة عوامل غير ان اهمها ينحصر في امرين:
الاول: تهيئة مناخ التطرف من خلال عوامل عدة اهمها (الاعلام المقلوب) كونه يزيف الحقائق وينمي روح الكراهية ويركز على أصوات المتطرفين ويحاول صدمهما الواحد الاخر، وكما هو معروف بأن اغلب الحروب تبدأ بحرب اعلامية تتصاعد لتغذي الحروب الداخلية او الاقتتال الطائفي او حتى الصراع المسلح.
الثاني: وجود أمراء الحروب وتجار السلاح الذين يمكن وصفهم (بالرؤوس الشيطانية) تلك الرؤوس التي تهيأ وتخطط وتساعد على اشعال الحروب من اجل مصلحتها الخاصة ومن ثم تنسحب عنها لتترك شعوب تلك المنطقة تواجه مصيرها المحتوم لتنتقل الى موقع آخر وهكذا...
وعلى هذين العنصرين ينشط العالم بشكل مجنون فالتقارير الاخيرة لمنظمات دولية تؤكد ان اغلب الدول تنفق مليارات الدولارات من اجل تحصين وضعها الداخلي من هجمات المتطرفين سواء بالانفاق العسكري او الاجتماعي لتحسين دخل الفرد وحمايته من الانجرار لهذا الوباء او حماية المناخ الذي اعتبر اساس مهم لنمو التطرف.
وكمثال على ذلك أفاد تقرير لوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) ان الاستراتيجية العسكرية الاميركية الجديدة تضع “الحرب الطويلة” ضد التطرف في طليعة اولويات الجيش الاميركي في المرحلة المقبلة متقدمة على مخاطر “حرب تقليدية” مع الصين او روسيا.
في منطقة الشرق اوسط العربية تكاد الصورة تتركز أكثر وتتخذ تداخلات معقدة فحركة (الربيع العربي) الاحتجاجي الذي اطاح بنظام القذافي في ليبيا سرعان ما اعتلت صهوته حركات التطرف لتحوله الى حرب واقتتال داخلي رغم ان غالبية السكان للبلاد هم من طائفة واحدة تقريبا، كذا الأمر في مصر التي تدخل الجيش لينهي النزاع في موضوع شرعية حكومة مرسي من عدمها لكن الأمر سرعان ما تحول الى نشاط مسلح بشكل هجمات متفرقة في هذا البلد.
وكذا الامر في سوريا الى درجة تكاد تختفي أي صورة من صور الحديث عن وجود معارضة معتدلة نتيجة تورط اغلبها بجرائم حرب او نشاط مسلح متطرف ضد طائفة ما او اقلية او ضد بعضها البعض.
وعودا على بدء وفي مجال محاربة التطرف على انه الاساس المغذي للإرهاب والتكفير، فقد عقدت الدول الكبرى عشرات المؤتمرات الكبرى لمناقشة مواجهة التطرف ووضعت الكثير من التدابير والاحترازات الامنية والتوصيات الاجتماعية والدينية وحتى المناخية في محاولة منها لتطويق هذا الوباء والحد من خطورته.
ولكننا لم نسمع ولحد الان ان هذه الدول ناقشت وبشكل صريح وواضح كيفية مواجهة او تحديد وتحجيم (الرؤوس الشيطانية) أي العنصر الاخر الاهم في تزويدها بالسلاح وهم تجار السلاح، وحتى الحديث عن ضرورة منع تدفق السلاح للجهات المتطرفة لا يعدوا ان يكون بشكل عناوين عامة لا تحدد بمسميات واضحة او شركات معينة وتبقى القضية مجهولة العنوان، وببقاء هذين العنصرين مطلقين العنان أي (الاعلام المقلوب المتطرف والرؤوس الشيطانية) فأي حديث عن إمكانية السيطرة على الارهاب او الحد منه لا يعدو ان يكون حديث اللعب على جروح الشعوب او تسفيه الموضوع الى درجة تضييع معالم حلوله.
* مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

(1) - مظهر محمد صالح، الاستراتيجية المالية العراقية بين المدخل الصعب والمخرج الامثل



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 81 / 2176790

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ملفات  متابعة نشاط الموقع قضايا اقتصادية   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2176790 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40