الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016

اتفاق الدوحة، النشأة والمصير وحل الدولتين (2)

الجمعة 19 شباط (فبراير) 2016 par د.عادل محمد عايش الأسطل

- اتفاق الدوحة، النشأة والمصير

أسفر لقاء الدّوحة، الذي تم بين حركتي فتح - حماس، بداية الأسبوع الماضي، عن اتّفاقٍ سياسيٍ، يُفضي إلى تنفيذ بنود المصالحة الوطنيّة التي سبق التوافق بشأنها على مدار لقاءاتٍ سابقة، على أن ذلك الاتفاق، سيخضع للتداول والتوافق عليه في المؤسسات القيادية للحركتين، كي يأخذ مساره إلى التطبيق على الأرض، وكان جاء في البيان الذي صدر في أعقابه، بأنه حصل في أجواءٍ أخويّة، حيث تدارس المجتمعون آليات وخطوات وضع اتفاقيات المصالحة موضع التنفيذ، ضمن جدول زمني يجري الاتفاق عليه لاحقاً.
ربما يكون هذا جيّداً، لكن ما يُقلل من شأنه، ويُحبط الآمال في أن يتمخّض عن أمورٍ ذات قيمة، هو أن الكثيرين وسواء كانوا سياسيين ومهتمّين أو من عامة الشعب الفلسطيني، لم يسعفهم الحظ في فهمه أو الركون إليه، وذلك تأسيساً على شعورها بأن هناك حركات وتعبيرات مُتبادلة لم تكن على ما يُرام.
فعلاوةً على أن الاتفاق لم يشهد أي توقيع خطّي من قبل الحركتين، فإن إعلان حركة حماس الذي يقول، بأنها توصلت مع حركة فتح، إلى اتفاق يتضمّن وحدة القرار، ورفع الحصار، وإنصاف الموظفين، ودعم انتفاضة القدس، وعلى أن الاتفاق لن يكون شاملاً، إلاّ بمشاركة الفصائل والشخصيات الوطنية الفلسطينية، لم يكن باعثاً في صميم حركة فتح، لإرسال أيّ مُباركات أو أيّة تأكيدات واضحة.
وبدلاً عنها، فقد سارعت إلى الإفراج، عن أن الاتفاق، شمل موافقة حماس على البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وبوضوح لا لُبس فيه، كما ضمِن موافقتها على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، تكون مرجعيتها السياسية لدى رئيس السلطة “أبومازن”، بُغية تسهيل التعامل معها دوليًاً، برغم أن حماس حرِصت مسبقاً على رفض أيّ اقتراحات على هذه الشّاكلة، أو أيّ آراء قريبة منها.
ما سبق يعني، بأن الاتفاق الحاصل، والذي عبّرت عنه كل حركة على طريقتها، هو وإن كانت خطوطه العليا غير متباعدة تماماً وخاصة في شأن نواياها الصادقة باتجاه إنهاء الانقسام، لكنه بدا عديم الفائدة، وسواء من حيث عدم تضمينه اهتمامات زائدة بما تريده الحركة باتجاه الأخرى، حتى في القضايا الأقل رئيسيّة، أو لتعمّدهما معاً، القفز عن قضايا جوهرية، باعتبارهما لا تستطيعان الخوض بشأنها، بسبب أنها تفجيرية، وهنا يمكن الحديث ترتيباً عليها، بأن الاتفاقٍ سيحوز ذات المصير الذي حازته الاتفاقات السابقة.
خاصةً وأن هذه القضايا، هي العمود الفقري للبرامج السياسيّة التابعة لكلٍ من الحركتين، والتي تُعبّر بوضوح كاملٍ، عن جوهر الانقسام الحاصل فيما بينهما، فحماس ما زالت - تبعاً لبرامجها - تؤمن بالمقاومة خياراً استراتيجياً، في الوقت الذي تتمسك حركة فتح بالتسوية السياسية، برغم توقّفها منذ أواخر أبريل 2014، ما يدل على أن هذه القضايا، هي التي أودت بكل الاتفاقات، التي تم الحصول عليها خلال المُدد السابقة، والتي انتهت باتفاق الشاطئ في ذات الفترة.
خلافاً لزعم الحركتين، من أنهما توصلتا بالفعل لاتفاق مهمّ ومُفعم بالأمل، فهناك أغلبيّة داخل الشعب الفلسطيني، لا تُؤمن كثيراً بذلك الزعم، كما أنها لا ترى بأن لديها أملاً، بأن يكون هناك اتفاقاً تصالحياً حقيقياً في المستقبل أيضاً، وذلك استناداً إلى أن الاتفاق الحاصل، ما هو إلاّ صيغة مُعادة لتجارب سابقة، والتي تم إحباطها بجدارة.
حتى في حال الافتراض بأن هذا الاتفاق حصل على توقيع- خطّاً وبصمةً-، وجرت الانتخابات في الموعد المقرر، وأسفرت – مِثالاً- عن فوز حركة حماس، وبغض النظر عن مسألة الاعتراف الدولي بفوزها، فهل ستقوم حركة فتح بإطلاق يدها لامتلاك السلطة، وباتجاه أن تواصل تحقيق بنود برامجها بحذافيرها؟ وسواء المُتصلة بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، أو المرتكزة على محو الطابع العلماني الفلسطيني؟ أم أنها ستُفضّل العودة إلى نقطة الصفر وبدء ممارسة الصراع من جديد؟
وإذا قلبنا الفوز- مثالاً- لصالح حركة فتح، فهل بالإمكان أن تقوم حماس بمبايعتها للحكم؟ وإعطائها الموافقة على مواصلة العملية السلميّة والتنسيق الأمني؟ وبالتنازل طواعية عن سلاح المقاومة؟ وبالسماح لها بردم الأنفاق، التي سكبت باتجاهها أثماناً باهظة وسواء كانت ماليّة أو بشريّة؟ أم أنها ستقوم بتحديث حالة الانقسام على نحوٍ جديد؟ وحتى في حال حصول فوزهما معاً، فهل يمكن لأحدٍ ما، تصوّر أن تسير العلاقات بينهما على وتيرة توافقية؟

- بالإجماع، حل الدولتين ليس ناضجاً

لطالما اعتبرت دول العالم الغربي والذي تقوده الولايات المتحدة، بأن حل القضية الفلسطينية – الاسرائيلية، هو أحد أهم أولوياتها، حيث أعلنت في كل مناسبة عن استعدادها لبحث إمكانية مساهمتها في عملية التسوية، وكانت قد عملت في هذا الاتجاه وسواء بأشكالٍ منفردة كتقديم المبادرات والإجراءات التشجيعية للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أو جماعية، من خلال قيامها بتبني اللجنة الرباعية منذ العام 2002، حيث أطلقت ما عرف بخطة (خارطة الطريق) في أواخر أبريل/نيسان 2003، وذلك استناداً إلى رؤية الرئيس الأميركي الأسبق “جورج بوش” في أواسط 2002.
إلاّ أنها أخفقت إخفاقاً كبيراً، في كل مساعيها، وفشلت فشلاً ذريعاً، حيث وصلت إلى قناعة مُتقدّمة، بسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” الذي أوضح من خلالها، بأن مشروع حل الدولتين لم ينضج بعد، وسواء كان بالإشارة إلى تصلّب الفلسطينيين على مواقفهم، أو لعدم إبداء العرب استعدادهم لتقديم تنازلات جوهرية، بعدما أضاعوا آلاف الفرص التي يُعتبر تكرارها غير ممكناً. - ما يُمكن القول- إلى قيام تلك الدول بإبداء تراجعها بناءً على هذا النحو بحجة أو بأخرى.
فالولايات المتحدة – نفسها-، التي تعتبر راعية العملية السياسية، والتي أخذت على نفسها التكفّل بإيجاد تسوية نهائية ودائمة للقضية الفلسطينية، خارت قواها عن آخرها، منذ أن قام الرئيس “باراك أوباما” بإبلاغ العالم بأن السلام، لا يزال بعيداً، وكان اعترف صراحة بأن من المستبعد حصوله خلال الفترة المتبقية له في البيت الأبيض، والتي ستنتهي بعد عدة أشهر من الآن.
اللجنة الرباعية أقدمت على شطب نفسها – تقريباً- من لائحة المصلحين، بدى ذلك واضحاً، منذ مسارعتها بالتعلّق باستقالة مُمثلها “توني بلير” خلال العام الماضي، بعد ثماني سنوات عجاف، غلب عليها الفشل تلو الفشل، باعتبار أن مساعيها لم تأتِ بشيء، ما يعني أن حل الدولتين لا يزال بعيد المنال.
وحتى في هذه الأثناء، فإن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني” لم تتحدث مطلقاً أثناء لقائها مع “نتانياهو” أوائل الأسبوع، عن حل الدولتين ولا أي اقتراحات أخرى لإحياء عملية السلام، برغم ادّعائها بأنها تلقّت استعداده إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية "أبومازن“ لخوضها من جديد.
كما أن المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام “نيكولاي ملادينوف” الذي كان يعلن دائماً بأن منظمته ترغب في العمل مع كافة الأطراف من أجل حل يقوم على دولتين، وذلك في أقرب مهلة معقولة، أصبح الآن بعيداً عن التحدث عن ذلك السعي، إذ لم يتفوّه عن تلك الرغبة، حتى أثناء تجوله بين البيوت المهدّمة داخل قطاع غزة.
فرنسا، والتي تعتبر من الدول الأكثر حماساً بالنسبة لإيجاد نهاية لملف الصراع، وصاحبة المبادرات والمقترحات والتهديدات ضد إسرائيل، أصبحت الآن أكثر فتوراً باتجاه مبادرتها الأخيرة، وخاصة بعد أن استقامت لأن تنشرها أمام “نتانياهو” فيما إذا كانت ستلقَ القبول لديه.
من جانبها أعلنت مستشار ألمانيا “أنجيلا ميركل” بعد لقاء قصير مع “نتانياهو” خلال اليومين الفائتين، بأن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لدفع فكرة حل الدولتين الى الأمام، لكن يمكن القيام ببعض التحسينات الموضعية.
هذه الدول وفي صميمها، بأن إسرائيل هي من تعوق تطبيق حل الدولتين، إلاّ أنها لم تقُم بالتخلّي عن دعمها وتأييد سلوكها، فبالنسبة لواشنطن فقد أعلنت في كل مرّة، عن مواصلتها القيام بتعهداتها باتجاهها، وبخاصة في شأن تمكينها لأن تكون أكبر قوة في الشرق الأوسط.
وأكّدت من جهتها، مجموعة الدول الأوروبية على ضرورة توسيع العلاقات الثنائية معها، وسمحت بعرض ما أمكنها من مساهمات وسواء كانت اقتصادية وأمنية وعسكرية وغيرها، وكانت ألمانيا قد زودت إسرائيل بعقود عسكرية ضخمة، بما فيها غواصات الدولفين الهجومية المتطورة، والتي لم تدفع إسرائيل أثماناً لها، وقررت بريطانيا بأنه يُحظر عليها مقاطعة إسرائيل، حتى لو تعلق الأمر بالمستوطنات، وكانت أطرافاً غربية زارت الأسبوع الماضي إسرائيل، قد أوضحت عن أن إقامة دولة فلسطينية غير ممكن وغير منطقي، على المدى المنظور على الاقل.
الشي اللافت، هو اليسار الإسرائيلي، الذي كان يُعوّل عليه الكثيرون، بقلب السياسية اليمينية، باتجاه التوصل إلى تسوية، أصبح الآن وكأن مسّاً قد أصابه، حيث بدا منقلباً حتى على برنامجه السياسي، الذي كاد بفضله الفوز برئاسة الحكومة خلال انتخابات الكنيست الإسرائيلية الأخيرة، وذلك حين أعلن زعيمه “إسحق هيرتسوغ” بأن حل الدولتين ليس مناسباً الخوض فيه، الأمر الذي دعا “نتانياهو” إلى مُخاطبته قائلاً: إن أفضل شيء بالنسبة لك، هو أنك صحوت من الحلم.
ربما يعود كل ما سبق، إلى قوّة “نتانياهو” المميزة في المماطلة والإقناع معاً، وسواء على الصعيدين المحلّي والدولي، وبالمقابل انهيار المحيط العربي أمامه، نحو الرغبة في توديع الماضي العصيب، باتجاه إنشاء علاقات تعاونية، باعتبارها أكثر ربحاً له من تلك المكاسب التي يأمل بتحقيقها من أن يبقَ الصراع محتدماً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2180945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عادل الاسطل   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2180945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40