الجمعة 18 آذار (مارس) 2016

تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني

الجمعة 18 آذار (مارس) 2016 par د. عبد الستار قاسم

استنفرت وسائل إعلام النظام الفلسطيني ةالفاشل يوم فتحت ملفي القانون الثوري الفلسطيني والقانون الأساسي للسلطة الفلسطينية بخاصة قانون الانتخابات. استنفرت مذيعة تلفزيون فلسطيني وهي أبنة آل عياد من بيت لحم، وأخذت توجه الاتهامات ضدي جزافا. قالت إن المدعو عبد الستار قاسم يدعو إلى قتل رئيس السلطة الفلسطينية. لقد تصرفت بعنجهية وجهالة وكذلك فعل ضيفاها: الشيخ الذي نصب نفسه مفوضا لإلهيا، والأستاذ الجامعي الذي رضي لنفسه خيانة الأمانة العلمية ووجهته المذيعة بالطريقة التي أمروها باتباعها.
والآن عليكم أن تستنفروا مرة أخرى لأن جريمة تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني لا تقل عن جريمة تجاوز القوانين الفلسطينية، وعلى الشعب الفلسطيني أن يحاكم الذين عطلوا النمجلس التشريعي، كما أن عليه أن يحاكم الذين تجاوزوا القوانين الفلسطينية والميثاق الوطني الفلسطيني. حسب قناعتي، المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب عام 2006 لم يعد شرعيا لأن مدته قد انتهت، لكن إذا كان هناك من يرى أن رئيس السلطة شرعيا فإن عليه أن يعترف بشرعية المجلس التشريعي من باب أن “اللغوصة” تنطبق على الجميع. ويبقى موقفي أن عدم احترام القوانين والأنظمة واللوائح يسوقنا إلى الفوضى والتهاوي أمام كل التحديات وعلى رأسها تحدي الاحتلال.
السؤال المطروح هو: هلى هناك من دولة أو سلطة سياسية أو مجتمعية في الأرض تعمدت تعطيل مجلسها التشريعي والاستيلاء على صلاحياته من قبل السلطة التنفيذية؟ السلطة التشريعية هي السلطة الأولى في الدولة، واحترامها يعبر عن احترام الدولة لنفسها وشعبها وللجمهور الذي ذهب إلى صناديق الاقتراع ليختار. والسلطة التشريعية هي المجس الحساس جدا لحاجة المجتمع للقوانين وضبطها حتى تمنع الفوضى والاحتراب الداخلي. وتتعزز السلطة التشريعية بسلطة قضائية مستقلة لا تنحني لضغوط أو مصالح متنفذين.
انتخب الشعب الفلسطيني عام 2006 مجلسا تشريعيا وفازت حركة حماس بأغلبية المقاعد. عقد المجلس التشريعي جلسات قليلة، لكنه منع من الانعقاد بعد سيطرة حماس على قطاع غزة. ما جرى في غزة هو صراع بين حركتي فتح وحماس، ولا علاقة لهذا الصراع باختيار الشعب الفلسطيني الذي أفرزه صندوق الانتخابات. إذا تخاصم تنظيمان فإنه من غير المعقول أن يكبوا خصامهما على الشعب الففلسطيني. الشعب الفلسطيني غير مقتنع بأن الخصام قد أفرزته مصالح الشعب الفلسطيني، وإنما الشعب على قناعة أن المصالح الفئوية والفصائلية هي التي تطغى عادة على مصالح الشعب. قامت السلطة التنفيذية في الضفة الغربية بتعطيل المجلس التشريعي ومنعت انعقاده بالتوازي مع جلسات أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة. منذ سنوات والمجلس التشريعس لا يعمل، وأنيطت صلاحيات إصدار القوانين برئيس السلطة الفلسطينية. وهذا خرق كبير لإرادة الشعب ومصالحه، وهو عمل مدمر يؤدي إلى الكثير من الفوضى السياسية والمجتمعية، وبدل أن يتم تصحيح أوضاع الشعب الفلسطيني والسير نحو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ساهمت السلطة التنفيذية في تمزيق الشعب وبعثرة جهوده، وبث مشاعر الكراهية والبغضاء بين الناس. الآن يقع الشعب الفلسطيني تحت استبداد مرعب وطغيان، ولا يتلكأ بعضهم في القول إن الديمقراطية الفلسطينية لا مثيل لها في العالم. ليتهم وبالتحديد رئيس وزراء السلطة الذي أشاد بالديمقراطية الفلسطينية يشرح لنا كيف نكون ديمقراطيين ونحن نتعمد تعطيل المجلس التشريعي. عطل الاحتلال البغيض المجلس التشريعي عندما اعتقل أعضاءه، لكن الاحتلال معني بهذا الأمر لأنه يعتبر حركة حماس حركة إرهابية مقاتلة. لقد ضرب الاحتلال كعادته المبادئ الديمقراطية بعرض الحائط، ووقفت معه الدول الاستعمارية الغربية التي تنكرت للمبادئ الديمقراطية التي دأبت على الترويج لها. وحيث أن الاحتلال قد وقف ضد المجلس التشريعي، كان واجبنا الوطني يلزمنا جميعا بالوقوف مع هذا المجلس ونسهل له أعماله ليكون في ذلك تحديا كبيرا وحقيقيا للاحتلال. أما عندما قررنا تعطيل المجلس ظهر أمام العالم أن السلطة الفلسطينية والاحتلال يوزعان الأدوار، وتمت الإساءة بصورة خطيرة لصورة الشعب الفلسطيني الذي من المفروض أن يناضل من أجل حريته إذا أراد أن يتحرر من الاحتلال. تعطيل المجلس التشريعي يخدم من؟ ليت رئيس السلطة الفلسطينية يقدم لنا محاضرة يشرح فيها ديمقراطية هذا التعطيل والتزامه بالقوانين الفلسطينية والفوائد التي تعود على الشعب بسببه.
نعرف أن المجالس التشريعية في أغلب البلدان العربية لا تشرع، وهي أدوات بيد السلطة التنفيذية، ونعي تماما أنه من السهل شراء أعضاء هذه المجالس لتؤيد السياسات الفاسدة للحكام العرب. ونحن نعرف أن الملك أو الرئيس يستطيع حل المجلس التشريعي وقتما يشاء ويدعو إلى انتخابات جديدة خاضعة للتلاعب والتزوير. لكن هذه الدول ليست قدوتنا ولا هي المثل الأعلى الذي نحتذي به. الفلسطينيون تفوقوا استبداديا على الاستبداد العربي لأنهم أقفلوا المجلس التشريعي ومنعوه من الانعقاد. الحكام العرب خجلوا من إغلاق المجالس التشريعية، لكن قادة فلسطين الواقعين تحت الاحتلال لم يخجلوا من دوس إرادة الشعب الفلسطيني الانتخابية بأحذيتهم.
باختصار، تعطيل المجلس التشريعي جريمة كبيرة بحق الشعب الفلسطيني، ويجب تحديد المسؤول أو المسؤولين عن هذا التعطيل وجلبهم للتحقيق والمحاكمة. هذه خيانة عظيمة تطعن الشعب الفلسطيني وإرادته السياسية الحرة. على أعضاء المجلس التشريعي أن يجهروا بما جرى، وأن يوجهوا أصابعهم بوضوح إلى كل من عمل على تعطيل المجلس، والتحقيق إن شاء الله، آت والعقاب لا بد أن يحل بمن أجرموا.

- الجامعة العربية الصهيونية

لم تكن الجامعة العربية يوما على مستوى تطلعات المواطن العربي، وكانت في الغالب مخيبة للآمال. لم تستطع الجامعة العربية إنشاء كيان اقتصادي عربي متماسك، وعجزت عن حل الأزمات التي عصفت بالوطن العربي على مدى عشرات السنوات. وغالبا كانت تلجأ إلى دول خارجية مثل الولايات المتحدة أو إلى أحلاف مثل حلف الأطلسي لحل هذه الأزمات. فشلت الجامعة العربية بإنشاء قوة عسكرية عربية موحدة تواجه التحديات العسكرية الخارجية، وفشل أعضاؤها في الالتزام بمواثيق الجامعة المختلفة والتي بقيت حبرا على ورق. لم تستطع الجامعة العربية إلزام أعضائها بمواثيقهم التي وقعوها وأوهموا الشعوب العربية بأنهم حريصون على مصالح أبنائها. الخلل ليس كله في مبنى الجامعة العربية وأمينها العام، إنما ينبع الخلل أساسا من ميثاقها الهش الذي يترك الخيارات مفتوحة أمام الأعضاء ليتصرف كل منهم كيفما يشاء وكيفما تقتضي مصالحه. لم يكن ميثاق الجامعة العربية يوما قاعدة للاتفاق العربي ولا للوحدة العربية ولا للتضامن العربي أو العمل العربي المشترك. الميثاق يفتح الأبواب أمام التسيب السياسي والقانوني والأخلاقي والشذوذ عن تطلعات المواطنين العرب. تكونت الجامعة العربية على هيئة ميثاقها وهي هيئة مشوهة قاصرة عاجزة.
إذا نظرنا إلى المنظمات الدولية والإقليمية لن يكون من الصعب علينا الاستنتاج بأن الجامعة العربية هي أفشل المنظمات العالمية بالتوازي مع منظمة الدول الإسلامية. خطت المنظمة الأفريقية خطوات إلى الأمام فيما يتعلق بالتنسيق بين الدول الأفريقية، أما الجامعة العربية لم تستطع الانطلاق إلى الأمام وبقيت حبيسة الصراعات الداخلية العربية التي تنشب عادة بين الأنظمة العربية. لقد أفسدت الأنظمة العربية الجامعة العربية، وعملت دائما على اختيار أمين عام مشلول على شاكلتها.
تحمست الدول العربي عام 1944 لقضية فلسطين وقررت قبل إنشاء الجامعة العربية أن قضية فلسطين قضية عربية وأن المحافظة على حقوق شعب فلسطين ليست شانا فلسطينيا فحسب وإنما هي شأن عربي. ووقفت الدول العربية في الأمم المتحدة ضد تقسيم فلسطين، كما وقفت مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد عام 1974، وضغطت لكي تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني كان أهمها قبول منظمة التحرير عضوا مراقبا في الجمعية العامة، وتأييد الجمعية العامة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. كما أن الدول العربية تبنت إقامة جيش فلسطيني على إثر قرار التقسيم سمي الجهاد المقدس بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني، والتزمت بحشد قواتها لتحرير فلسطين فور خروج آخر جندي بريطاني من فلسطين. أي أن الجامعة لعبت دورا إيجابيا إلى حد ما تجاه القضية الفلسطينية قبل قيام الكيان الصهيوني. لكن هذه الدول أو الأنظمة ارتدت عن حماسها للقضية أثناء الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة غربية أثناء حرب عام 1948.تقدمت أغلب الجيوش العربية في ساحة القتال أثناء الحرب، وكان من المتوقع أن يستمر تقدمها حتى تخليص فلسطين من براثن الصهاينة، لكن هذه الجيوش أخذت تنسحب من مواقعها بعد انتهاء الهدنة، الأمر الذي أشار إلى تواطؤ القيادات السياسية العربية مع الدول الغربية لفتح الطريق أمام قيام إسرائيل. ارتدت الجيوش العربية وعلى رأسها جيوش الأردن والعراق ومصر، وتموضعت في أماكن معروفة الآن بأنها حدود الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد تراجعت الجيوش العربية تاركة خلفها مناطق للصهاينة أوسع من المناطق التي خصصها قرار التقسيم. خصص قرار التقسيم للصهاينة حوالي 53% من مساحة فلسطين الانتدابية، بينما انسحبت الجيوش العربية من مواقعها لتترك للصهاينة ما يقرب من 76% من المساحة.
وبعد قيام الكيان الصهيوني، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني من غزة في 1/تشرين أول/1948 الاستقلال الفلسطيني وتشكلت أول حكومة فلسطينية سميت حكومة عموم فلسطين بقيادة أحمد حلمي عبد الباقي. هذه الوزارة لم تعمر طويلا، إذ أرسلت القاهرة للحاج أمين الحسيني القائد الفلسطيني آنذاك للحضور للقاهرة واحتجزته، ثم قامت القوات المصرية بدخول قطاع غزة واعتقلت أحمد حلمي عبد الباقي وأعضاء حكومته واقتادتهم إلى القاهرة، وهدمت بذلك البذرة الأولى لإقامة الدولة الفلسطينية.
ضاعت فلسطين واستمرت الجامعة العربية بالإعلان عن مواقفها الحريصة على قضية شعب فلسطين, لكن هذا لم يكن يصمد أمام سياسات الدول العربية التي كانت تزمجر كثيرا وتتوعد الكيان الصهيوني دون أن تقوم بالاستعدادات المتناسبة مع هذا التهديد والوعيد. فأصيب الفلسطينيون بصدمة كبيرة عام 1967 عندما هزم الكيان الصهيوني الجيوش العربية في ساعات محدودة. لقد اتضح للعرب وللفلسطينيين زيف الوعود العربية وكذب الجامعة العربية.
أخذت مصر تتجرأ بعد اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني على ترشيح أمناء عامين للجامعة العربية من المتصهينين المصريين ذلك لأن ميثاق الجامعة العربية ينص على أن الأمين العام للجامعة يجب أن يكون مصريا. رشحت عمرو موسى الذي كان وزير خارجية حسني مبارك للأمانة العامة، ووافقت عليه الأنظمة العربية وهو الشخص الذي كان يقيم علاقات مع بعض رجالات الكيان الصهيوني، وكان يمارس هواية التطبيع مع الكيان. ولا ينسى العالم منظره عندما تخلى عن أردوغان في مؤتمر دايفوس وتركه يغادر القاعة وحيدا. وخلف نبيل العربي عمرو موسى والذي عرفت عنه علاقاته مع صهاينة وانحيازه لدول عربية تابعة للولايات المتحدة، ووقف ضد إيران ومختلف قوى المقاومة العربية. ثم تبعه بطل التخاذل العربي وهو أحمد أبو الغيط. أبو الغيط يدافع عن تعويض الفلسطينيين عن وطنهم الذي فقدوه. وربما هو لم يكن يعي تماما مضمون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين. القرار ينص على حق العودة وتعويض من لا يريد العودة. عرب كثر يفهمون القرار على أنه تعويض عن وطن ولا يدركون أن حق العودة هو الأساس في القرار. وأبو الغيط هو الذي يمسك بيد ليفني التي كانت وزيرة خارجية الكيان، وهو الذي بقي صامتا عندما أعلنت أمام الإعلام في القاهرة أن الكيان الصهيوني سيهاجم غزة عسكريا. لم ينبس أبو الغيط بأي اعتراض مما حدا ببعض الناس تفسير صمته أنه موافقة على ضرب غزة. واتضح بالفعل بعد ذلك أن مصر حسني مبارك ومعها عدد من الأنظمة العربية قد أيدت الكيان في هجومه على غزة وتمنت عليه إنهاء المقاومة الفلسطينية.
أبو الغيط من المتصهينين العرب، وربما يسعى أثناء عمله إلى ضم الكيان الصهيوني إلى مجلس الجامعة العربية إن رغب الكيان بذلك. وهو بالتأكيد لن يجرؤ على اتخاذ قرارات أو التنسيق مع مجلس الجامعة لاتخاذ قرارات دون أن يأخذ بالحسبان المصلحة الصهيونية.
هنيئا للعرب بجامعة عربية متصهينة، وليكتب التاريخ هذا العهر العربي الذي لا ينضب والذي نرى ممارسات عربية تؤكده كل يوم. وتعيين أبو الغيط أمينا عاما يكشف تماما سياسة النظام المصري القائم حاليا تجاه القضية الفلسطينية وغطرسة الصهاينة المدعومة عربيا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 104 / 2178015

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالستار قاسم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178015 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40