الجمعة 13 أيار (مايو) 2016

عائشة والجمل

الجمعة 13 أيار (مايو) 2016 par د.احمد جميل عزم

تجولت وأصدقاء لي، هذا الأسبوع، في معرض فلسطين للكتاب برام الله. وكان مما أسعدنا في المعرض، وجود خليجيين وعرب آخرين، بعضهم بزيهم الشعبي؛ وشعرتُ أني أتنفس هواءً “يقتل” الحصار، وأنا أخرج محملا بكتب الناشرين العرب.
صادفنا لدى خروجنا قبواً تحوّل إلى معرض؛ إذ تدخل قبواً مظلماً ومجسّماً لزنازين الاحتلال، وممرات سوداء، وأشباه مراحيض، و“إكسات”، أي زنازين التحقيق. وبعد أن تضيق أنفاسك -أتذكّر أحد طلابي يخبرني كيف تلاحقه الثمانية عشر شهراً التي قضاها في المعتقل في أحلامه- تصل معرضاً صغيراً، هو معرض نادي الأسير.
أحاول الآن تذكر المعرض “القبو”؛ بعض السيدات والفتيات في المعرض تعرفهنّ من مناسبات “ثقافية” سابقة، وتخجل أن تقول “أهلا وسهلا”. تخبرك إيمان نافع، أنّ هذه الرسومات لنائل، فيلوح لك طيفه.
رأيت نائل عقب إطلاق سراحه العام 2011، بعد قضائه ثلاثة وثلاثين سنة في المعتقل، ِبرفقَة إيمان -وهي أسيرة محررة أيضاً- في محل رُكَب المشهور، للبوظة، برام الله، وقد تزوجا حديثاً، وبدأ يدرس التاريخ في الجامعة. وألقيتُ عليهما التحية -وهو لا يعرفني- فرد واقفاً بابتسامة جميلة وتَحيّة. وهو الآن في المعتقل ثانية، منذ العام 2014.
في المعرض، تخبرك إيمان عن قميص الشيخ أحمد ياسين البرتقالي المعروض، الذي كان يلبسه يوم إطلاقه من الأسر.
وتخبرك سيدة منقبة عن الكُتب التي كتبها الأسرى. وستعلم بعد خروجك قصة هذه المرأة الأسطورية، ولن تكتب عنها اليوم، ولكنك تعرف أنّ الجبال تشهق وهي ترى القصة.
من بين الكتب التي أخجل إخبار السيدة أني قرأتُ نحو نصفها، تُخرِجُ قصة أطفال، كتبها الأسير المحرر الروائي والقاص وليد الهودلي. ومباشرة، تأتي صورة وليد، وصورة زوجته عطاف عليان (أم حمدي) بنقابها، وقصة طويلة؛ شهداء عيد الحب بقبرص في شباط (فبراير) 1988؛ حمدي التميمي وأبو حسن بحيص، ومروان كيالي، وقد فجّر العدو أجسادهم. وقد أعدت عطاف لعملية هدفها ضرب القيادة السياسية الإسرائيلية. تخبرك السيدة الآن أنّه عندما كانت عائشة، طفلة وليد، تزوره في السجن، كان يريد إخراجها من جو السجن، ويمضي معها وقتاً جميلاً فيخبرها قصة للأطفال، ويترك نهايتها معلقة، حتى تتشوق للزيارة التالية، وتفكر فيها. لستُ متأكداً هل أخبرتني القصة هكذا، أو أني سمعتها وفهمتها أنا على هذا النحو. وبالطبع، سيتذكر كثرٌ منكم الآن “ألف ليلة وليلة” وشهرزاد والتشويق، وسأخبركم عن فيلم مي مصري الجديد؛ عن الأسيرات، “3000 ليلة”- لم أشاهده بعد.
بدأتُ قراءة القصة. الأمر مختلف عمّا سمعته في المعرض. خطر لي أحمد مناصرة، الذي حُكم هذا الأسبوع، وهو يصرخ ويعصر رأسه، في الفيديو الذي تسرب للتحقيق معه “مش متذكر”؟! هل يرعاه الأسرى الأكبر الآن؟
تذكرت أنّ إيمان أخبرتنا أن نخلات خمساً في لوحة نائل ترمز لأفراد عائلته. وتشتت انتباهي بين دفتر يومياتها في المعتقل، ولوحة الصقر، أحاول تذكر ماذا كان هذا؟ رآه عبر فجوة خيمة أو زنزانة معتقل، أو من شق عصابة العينين أثناء نقله من معتقل لآخر، أو شيء من هذا؟ سأذهب اليوم لأسأل عن القصة.
في القصة، يخبرنا وليد عن هاتف جوال تم تهريبه إلى المعتقل في جنوب فلسطين (النقب)، ليتحدث مع عائشة التي أنجبتها عطاف، أثناء إعادة اعتقالها مجددا في سجن في شمال الوطن، حيث بقيت الطفلة عامين قبل خروجها. تسأله الطفلة بما أنهم في الصحراء “هل لديكم جمل؟”، ويخترع وليد قصة جمل سحريّ، يشرب الماء فيصبح شفافاً، ويصبح غيمة، ويدخل للمعتقل، فيُجن جنون الجنود. ثم يشرب الجمل الماء إذا أراد الخروج والاختفاء. ويعطي وليد سماعة الهاتف للجمل صبور ليتحدث مع عائشة، وفي كل يوم سيخبرها صبور شيئاً. وعائشة تنتظره، بقدر، أو أكثر مما تنتظر والدها. وستختلط بحديثه قصصٌ، مثل عقاب جماعي للأسرى العام 1990 بوضعهم في الشمس، وذاكرة المعتقلين عن غيوم ظللتهم وبللتهم يومها، فصارت الذكرى أسطورتهم الصغيرة، وجعلها وليد جَمَلاً وطنياً سحرياً يصير، مع أصدقائه الجمال، غيمات تبكي فوق الأسرى. ويصل الجَمل، شمال فلسطين الأخضر، يصلُ عطاف، في معتقلها وينقل رسالة حب لابنتها، ويصاحب وليد يوم إطلاقه ويحيّي عائشة، قبل عودته للصحراء والأسرى.
في القبو قصص كثيرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 67 / 2165804

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165804 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010