الأربعاء 25 آب (أغسطس) 2010

الاكتفاء بادارة الصراع

الأربعاء 25 آب (أغسطس) 2010

إن التفاوض السياسي المباشر يستحضر أصوات المحللين مع اختلاف التأملات المعروفة، وفيها الالحاح على رئيس الحكومة «أن يفعل فعلا تاريخيا» وأن يحظى «عندهم على الاقل» بمجد العالم. يؤملون أن يظهر نتنياهو مثل بيغن، وكما قال أحد المحللين: «أن يدير ظهره لمواقفه القديمة من غير أن يتلقى تنديدا وانتقادا وزعزعة للائتلاف».

لكن المقارنة مخطئة على نحو ظاهر. فنتنياهو في ساعة أخرى: من ورائه اتفاق اوسلو البائس، وانتفاضة الاقصى، والعمليات الدامية وعدم اعتراف «حتى» (فتح) بحق ما للشعب اليهودي في جزء ما من أرض «اسرائيل» ـ أي عدم الاعتراف بـ «اسرائيل» على أنها دولة يهودية، واخلاء تام لقطاع غزة من الوجود اليهودي عوض صعود «حماس» وارهاب صواريخ القسام وغير ذلك. يضاف الى ذلك أننا جمعنا حتى الآن آلاف ساعات التفاوض، التي طلب فيها الفلسطينيون أكثر ولم يعطوا شيئا عوض ذلك، لانهم خبراء بأن يعرضوا انفسهم على انهم «ضحايا الصراع» دون أن يتحملوا المسؤولية عن وضعهم.

تعتمد مقارنة أخرى على عنصر آخر: الكارثة غير الممنوعة التي ستفضي بالجانبين الى المرونة. في الحالة «الاسرائيلية» ـ المصرية، كما يزعم المتمسكون بهذا الرأي، أفضت حرب يوم الغفران الى تنبه الجانبين ومهدت الطريق الى التفاوض المأمور. سُمع في الاسبوع الماضي من شخصية اعلامية صحبت اتفاق أوسلو منذ بدئه ظنّ ٌ مشابه وهو ان «الاسرائيليين» و«الفلسطينيين» «يحتاجون» الى كارثة مشابهة، لا يبقى لهم بعدها خيار الا التوصل الى اتفاق سلام نهائي.

يصعب ان نصدق، لكن هذا الرأي مشترك بين كثيرين بيننا، وهو يتجاهل الصبغة القومية والنفسية ـ التاريخية للصراع بيننا وبين الفلسطينيين ـ وهي صبغة تختلف اختلافا جوهريا عما يوجد مع سائر الدول العربية. لكن ما الذي يعتمد عليه اعتقاد امكان اتفاق سلام سوى أهواء رومانسية؟

لا تجب العودة الى العقدين الاخيرين بل الى 100 السنة الاخيرة، والتوصل الى الاستنتاج البسيط المؤلم وهو أن الفلسطينيين غير معنيين باتفاق سلام يبقي الدولة اليهودية في المنطقة الى الابد. ولما أدركوا أنهم لن يهزمونا في حرب شاملة، فانهم يعملون بسبل شتى لاستنزافنا واضعاف قدرتنا على الدفاع وشرعيتنا الدولية.

لكن استنتاجا كهذا ليس محكما جدا عند الجزء الليبرالي في «اسرائيل» والعالم. نحن نأتي التفاوض في «الشرق الاوسط» مرة أخرى بتراث تفكير عقلاني عمره نحو 2500 سنة، يقول إن لكل مشكلة حلا وانه يمكن انهاء كل صراع شخصي وقومي بالتفاوض. يعود التاريخ للبرهان على أن الحديث عن ضرب الرأس بالحائط. فللشرق الاوسط (مثل مناطق اخرى ايضا) تراث تفكير آخر، مختلف، ديني، اسطوري، مع طول نفس يختلف عن المعتاد في العالم الغربي.

يلتقي الطرفان للتفاوض ويتحدثان بلغة دولية في ظاهر الأمر، في حين ان الكلمات التي تطلق في الفضاء تمثل عند كل طرف جانب الجبل الجليدي الذي هو مختلف تماما وعلى نحو جوهري. من أجل فهم هذا، لنفكر في شخصيتنا المركبة من شيء قليل من الوعي والكثير جدا من اللاوعي. شبه العالم النفسي المشهور، يونغ، العلاقة بينهما بالعلاقة بين جزيرة (الوعي) ومحيط (اللاوعي). سيكون من غير الاختصاص تحليل شخصية ما بناء على عناصرها الواعية فقط، لانه يوجد محيط من عناصر اللاوعي التي تعمل وتوجه سلوكها وتدبيرها. واذا كان الأمر في الافراد كذلك فانه في الجماعة القومية أكثر بكثير. يتجاوز الصراع بيننا وبين الفلسطينيين الصراع على المناطق او الصراع القومي «العادي». الحديث عن صدام وجودي يشتمل على كل شيء. ولما كان الأمر كذلك فان الحديث عن تفاوض عقيم ستكون كل نهاية معلنة له عند الفلسطينيين منفذا وبابا الى الصدام القادم.

إن نظرا كهذا قد يصيب باليأس، ولهذا ليست له شعبية عند صاغة الرأي العام وعند بعض الساسة، لكننا ما لم نستدخل ذلك، سنعاود ضرب رؤوسنا بالحائط في الطريق الى خيبة الأمل القادمة. ماذا نفعل اذن؟ أجل يميزنا هذا السؤال. لا يوجد ما نفعل في الأمد القريب على الاقل. تنبغي محاولة ادارة الصراع والاستمرار على ما فعلناه على نحو جيد في القرن الاخير أي الدفاع والبناء والحذر والتطوير. وينبغي ترك حل الصراع للاجيال القادمة.

- [**درور ايدار | «إسرائيل اليوم» | 25 آب (اغسطس) 2010*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2180795

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180795 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40